أضحى تأهيل هيئة كتابة الضبط مسالة ضرورية ادا ما نظرنا إلى التطور الحاصل في الإدارة ككل فعملية التأهيل ليست بالأمر الهين إذ تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الإمكانيات لبلوغه فهذا الجهاز يعد مرفق مهم وحيوي في البنية الإدارية الوطنية .فالاهتمام به وتلبية متطلباته تدبير ضروري لا يمكن تجاوزه او تخطيه في مسلسل الإصلاح الذي اخدته الوزارة الوصية على عاتقها فكما هو معلوم ظلت هيئة كتابة الضبط لعقود جهاز ثانوي خاضع لوصاية القضاة في أدائه للمهام داخل المحاكم ومرد دلك يعود لطبيعية البنية التي تشكل منها الجهاز طوال تلك الحقبة والتي كانت في مجملها لا تتوفر على تكوين قانوني ولا معرفة علمية بهدا الجانب أضف إلى هذا غياب التاطير النقابي في المرفق حيث كان محذورا لسنوات ,هدا الوضع استمر لعقود وكرس واقع وضيع في نظر كل الأطراف المتدخلة في العملية القضائية , غير انه في العقود الأخيرة بدأت المطالب بالتغير تطفو على السطح وتدعو إلى تحسين الوضع بما يليق وكرامة الأطر والموظفين بهيئة كتابة الضبط حيث زكى هدا الوضع ولوج اطر ذات تكوين قانوني وحاملة لشواهد عليا إلى هدا الجهاز بالتزامن مع صدور النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط , ورغم هده التغيرات الا انها تظل محتشمة ادا قورنت بحجم المطالب الأخرى والتي تكتسي أولوية قصوى خصوصا في جانب التكوين والتواصل داخل الإدارة القضائية علما إن هادين المحددين يعدان دعامات أساسية في تأهيل هيئة كتابة الضبط فلا يعقل أن يتم الشروع في الإصلاح دون الوقوف على هدا الجانب بما يكفي , ان الإصلاح مرهون بتبني منظومة شمولية تعتمد على التكوين كقاعدة بارزة وتعمل على سن آليات للتواصل داخل المحاكم بمختلف اتجاهاته ففي غياب هذه الوسائل تظل تلك المطالب مجردة ولا تلبي متطلبات المرحلة فما هي ابرز المشاكل التي تعيق عملية التأهيل خصوصا في جانب التكوين والتواصل ؟وما هي السبل الكفيلة لحل هدا الإشكال ؟؟ فللإحاطة بهدا الموضوع تقتضي منا تناوله في جانبين المحور الأول هو عبارة عن رصد لبعض المشاكل في مجال التكوين والتواصل وفي المحور الثاني سندلى ببعض التوجيهات في هدا الصدد. 1- واقع التأهيل بهيئة كتابة الضبط على ضوء إستراتيجية وزارة العدل لا يمكن المراهنة على التأهيل دون الاستناد أساسا على التكوين فهو ليس بالعملية السهلة بل يتطلب بعد استراتيجي محكم و معقلن ومدروس لتفعيله,فكما لا يخفى أن النمط المعتمد في التكوين إبان الوقت الراهن لا يعتمد إطلاقا على أي إستراتيجية واضحة فغالبا ما يتم اعتماد برامج موحدة وسطحية لا تفرق ما بين التخصصات ولا تراعي فلسفة التكوين كليا, فالجمع ما بين التخصصات ووحدة البرامج والمقررات وانعدام الكفاءات في التلقين هي السمة البارزة في كل البرامج المعتمدة على الإطلاق هدا مع ذكر الحيز الزمني الذي يظل قصيرا جدا فاغلب الأفواج من المتخرجين الجدد من الموظفين لم يتجاوزوا خلال فترة التكوين النظري أكثر من شهر في الأقصى دون أن ننسى عدم استفادة بعض الأفواج ولو حصة واحدة من الدروس النظرية . كذلك يوزع المتدربون على المحاكم لإجراء تدريب ميداني لا يتجاوز 60 يوما , فهده الطريقة هي المعتمدة من طرف الإدارة المركزية بخصوص هيئة كتابة الضبط فالمهام الموكولة إليهم للقيام بها غاية في الجسامة والمسؤولية لدى يقتضي إعادة النظر في نمط التكوين , فالنظر إلى هيئة كتابة الضبط على انه جهاز ثانوي وغير ذي جدوى مسالة مرفوضة قطعا ولا يمكن القبول بها كيفما كان الوضع وفي نفس المنحى يبقى التكوين المستمر آفة أخرى ادا ما تم التدخل لتصحيحه وتقويمه سيظل مفروغا من محتواه ولا يلبي متطلبات المرحلة ففي الغالب ما يتم تنظيم حصص نظرية على مستوى المحاكم يتم إسناد مهمة تاطييرها إلى اطر المحكمة نفسها فيكتفون بتنشيط الحصص استنادا إلى معارفهم الذاتية والتلقينية التي تغيب فيها كل لأسس المنهجية القانونية والفقهية والتي هي المطلوب اعتمادها في التكوين أضف إلى هدا الأمد الزمني الذي لا يتجاوز 5 حصص في السنة في الأقصى مع الاقتصار على فئة من الموظفين دون الأخرى إن هده الإستراتيجية المنتهجة من طرف الوزارة قاصرة ولا تلبي متطلبات وحجم انتظارات هيئة كتابة الضبط فالكم الوفير من الأطر والكفاءات التي يزخر به الجهاز حيث يفوق أكثر من 11000 موظف موزعة على طول الخريطة القضائية ومن مختلف التخصصات تحتل فيها نسبة الموظفين المرتبين في السلالم 7 فما فوق أكثر من 70في المائة وهدا يعني أن الموظفين المؤهلين يشكلون نسبة مهمة مما يعني أن الوزارة ملزمة ببدل عناية كافية لهده الفئة من خلا تكوين منسجم وكافي يتماشى وحجم تطلعاته, فالطريقة المتبعة تفتقد إلى الرؤية البعيدة ولا توازي التطور الحاصل في الإدارة القضائية ككل, فتسطير البرامج بشكل سطحي وغير مضبوط بخصوص التكوين النظري يعتمد في مجمله على أفراد لايتوفرون على ثقافة قانونية ولا على تأهيل أكاديمي وعلمي رصين ناهيك عن حصص التكوين المستمر والتي تعد حصص وصفية للإجراءات والمساطر المتبعة تعتمد على التلقين ليس إلا. أما فيما يخص جانب التواصل داخل المحاكم فبالكاد ينعدم في المجمل نظرا لانعدام هده الثقافة سواء تعلق الأمر بالتواصل الداخلي أو الخارجي فاغلب المحاكم لم يتسنى للمسؤوليبن القضائيين أو الادارييين أن يجتمعوا بالموظفين لتدارس المشاكل وأوضاع المحاكم من مختلف المناحي ورصد نقط الضعف ومكامن القوة لحل جل الإشكالات التي تعيق السير العادي للمحاكم فهدا النمط مغيب للغاية ولا يولى له ادني اهتمام أضف إلى هدا غلبة النمط القديم من التدبير والدي يطبعه العنجهية والتجدر في إعطاء الأوامر في ضرب كلي للتواصل المعقلن والسلس الذي يشجع على العطاء والابتكار مما ينعكس على المر دودية 2- دور التكوين والتواصل في تأهيل هيئة كتابة الضبط سطر ميثاق الإصلاح مجموعة من البنود انصبت في جانب منها على التكوين خصوصا لهيئة كتابة الضبط ودلك من خلال تحديد مجموعة من التدابير اعتبرت ضرورية لتأهيل هدا الجهاز ورقيه للعب أدواره في العملية القضائية وقد حددت هده التدابير في نقط عدة بدايتا من إحداث مدرسة وطنية لكتابة الضبط سيكون اجل نهاية المشروع في أفق نهاية سنة 2015 وقد تجلت أهداف المشروع في تكوين اطر جهاز كتابة الضبط في الجانب العلمي النظري بما يرتبط ومهامهم بشكل عصري ومتطور, غير انه ولحدود الوقت الحالي لم يخرج المشروع إلى حيز الوجود فهدا التلكؤ في انجاز هكذا المشاريع يفرغ الميثاق من المحتوى الذي سن من اجله , كما تناول الميثاق بند أخر لا يقل أهمية عن سابقه ودلك بوضع نظام التكوين الأساسي والتكوين المستمر والمتخصص لموظفي هيئة كتابة الضبط وتكوين المتكونين وإعداد رؤساء كتابة الضبط والتكوين على مدونة قيم وسلوك موظفي هيئة كتابة الضبط. هدا المقتضى لم يتم الالتفاتة إليه ولو في جزء بسيط رغم الحيز الزمني الذي قطعه الميثاق مند تاريخ صدوره . كما تجدر الإشارة إلى أن الميثاق لم يقف عند التكوين بشكل مفصل لبسط الطرق والكيفية والوسائط التي ستعتمد في عملية التكوين وكدا الأمد الزمني والشروط المعتمدة للولوج وهو ما يعكس التمييز الذي تلقاه هيئة كتابة الضبط والحيف , فعلى سبيل المقارنة تبنى الميثاق تدابير عدة وجد مفصلة بخصوص التكوين المخصص للقضاة لا من ناحية مدة التكوين والتخصص والمؤهل العلمي والوسائط ,فهدا الاهتمام البالغ ليس هناك ما يفسره سوى النظرة الدنيا التي ينظر بها إلى هيئة كتابة الضبط و تغييب دورها الحيوي والبارز في الإدارة القضائية. إن هده المقتضيات لها من الأهمية البالغة في عملية التأهيل غير أن الجهة الوصية على القطاع لا زالت تبارح مكانها من اجل بلورة هده المقتضيات على ارض الواقع والتعجيل بمباشرة هده الاوراش لأهميتها قصوى . أما فيما يخص التكوين المستمر فالميثاق شدد على ضرورته في تأهيل الموظفين في الإدارة القضائية لما له من حسنات شتى بيد أن المنهجية المعتمدة لتفعيله لا تلبي متطلبات المرحلة ودلك من جانبين أولهما ماد ي فهدا المشروع يتطلب رصد غلاف مالي معقول لتغطية كل المصاريف التي يتطلبها التاطيير سواء من جانب المعدات والوسائل والتجهيزات و مصاريف المؤطرين أما الجانب الثاني فهو مرتبط بطبيعة المكونين والذي يتطلب أن يكونوا من ذوي كفاءات والتكوين الأكاديمي الكافي للقيام بهده المهمة وليس بمنح هده المهمة لبعض الموظفين الدين تنعدم فيهم كل الشروط والمحددات المطلوبة سوى انتمائهم النقابي آو المحاباة فهدا الأسلوب مرفوض كليا لما له من اثر سلبي وهدر للطاقة والإمكانيات ويسهم بشكل مباشر في تردي مستوى هيئة كتابة الضبط . إن التكوين مسالة ضرورية فبعض الدول أولت لهدا الجانب أهمية قصوى ففي الدنمارك مثلا يجتاز الموظف تكوينا لمدة 3 سنوات موزعة ما بين الدروس النظرية في المعهد المخصص لهده الغاية والتداريب الميدانية بالمحاكم أضف إليه التكوين المستمر ما بعد التخرج أما في فرنسا فالتكوين بالمعهد يمتد ل 18 شهرا و التكوين المستمر إلزامي لمدة 5 سنوات الأولى بعد التخرج ويضم التكوين برامج متعددة تجمع ما بين الدروس النظرية والورشات المهنية تعتمد أساليب متطورة مع مرا عات التخصص في كل جوانب التكوين وعلى مستوى التواصل فيشكل هدا الجانب الحلقة المغيبة في كل برامج الإصلاح حتى على ارض الواقع ليس هناك أية قنوات لتفعيله سواء في العلاقة بالمسئوولين القضائيين فالطابع البارز هو صد الأبواب وتغيب الانفتاح فاغلب المحاكم إلا في حالات معزولة لا تعقد أي اجتماعات أو لقاءات مع الموظفين لتدارس المشاكل ورصد الحلول الكفيلة للإحاطة بالمشاكل بل العكس هو السائد هدا دون أن ننسى طبيعة تصريف المهام بين الرؤساء المباشرين وباقي الموظفين فتتميز بالجمود في إعطاء التعليمات والتعجرف في انعدام كلي لثقافة الانفتاح والسلاسة وتجنب الاصطدمات. ان هده الأساليب ينبغي القطع معها والعمل على إدراك تأثيرات هده السلوكيات في عرقلة وتعثر السير العادي للعمل والتأسيس لقبيم التواصل البناء وتقبل الآراء والمقترحات والإشراك وكل دلك لخدمة العدالة في سمو قيمها .