التحالف الغربي لا يسعى إلى القضاء على داعش و إنما استغل العرب السدج ليجعل من هذا التنظيم المتطرف بعبعا يخيف به كل بلدان المنطقة, و ذلك عبر تكوين التحالف الدولي للقضاء على داعش لإيهام الناس أنهم أمام عدو قوي لا تقوى عليه دولة لوحدها, و إنما من الواجب خلق تحالف غربي عربي كي يُهزم هذا التنظيم الذي يشكل تهديدا حقيقيا للعالم ككل. لو كانت نية الغرب صادقة و أراد حقا الحفاظ على حياة الناس و انقاد المدنيين كما يزعم لخلق تحالفا قبل ظهور داعش و غزا النظام السوري التي حطم كل الأرقام القياسية في قتل المدنيين و تخريب المؤسسات و هدم البنيات و تشريد الآلاف من المواطنين. داعش هو تنظيم إرهابي متطرف باتفاق الجميع, لكن لو أننا أردنا تحكيم المنطق الغربي في قضية داعش, لصرخنا بملء فينا أن هذا التنظيم يدافع عن نفسه, و أن جرائمه ضد الإنسانية لا تقل بشاعة عن جرائم النظام السوري الذي قتل الملايين و شرد الملايين, و حول الشام إلى العصر الحجري, حيث قصف كل المؤسسات الحيوية و قلب حياة الناس رأسا على عقب و جعل مستقبل أطفال البلد أسودا و أعاد عصر التجبر و التسلط, و صادر الحريات و أحكم القبضة و رفع شعار: ‘‘أنا أو لا أحد‘‘. و بتحكيم المنطق الغربي أيضا نجد أن داعش أقل بشاعة بكثير من إسرائيل التي غزت فلسطين و استحوذت على الأراضي و الثمرات, و لازالت تسارع في بناء المستوطنات في الأحياء الفلسطينية و تهدم مباني أبناء فلسطين, كما أنها لا تتورع عن البحث عن دريعة للقضاء على الغزاويين و قصفهم و قتلهم و استباحة أعراضهم, و لازالت تتصيد الفرص و تتحين المناسبات للقضاء التام عن أطفال غزة جسديا عبر القتل و القصف, و القضاء عليهم تعليميا عن طريق هدم المدارس و استهداف المنشئات التعليمية. كما أن الدول الغربية نفسها ترهب و تقتل و تقصف و تنتظر من عدوها الإنحناء و رفع القبعة إحتراما لها و لأعمالها التخريبية, و هو أمر يتوقعه البلهاء فقط, ذلك أن العقلاء سيفطنون أن ظهور داعش و مثيلاته من الجماعات التكفيرية ذات التوجه الفكري الظلامي هو نتيجة طبيعية للتسلط و التجبر و الظلم و الإحتقار الذي تمارسه البلدان خاصة الغربيةمنها في حق الشعوب المستضعفة. في فرنسا خرجت مسيرة مليونية استنكارا لما وقع في صحيفة شارلي إيبدو , علما أن هذا الحادث الإرهابي لم يخلف إلا بضعة أرواح بشرية, -لا أستهين بالروح البشرية هنا لكنني أعقد مقارنة فقط- لكننا لم نرى هذا الكم الهائل من الناس الذين أتوا من كل حدب و من كل فج عميق عندما حاربت فرنسا مسلمي مالي و قتلت ما يزيد عن خمسة و عشرين ألفا, حينها لم نرى أي مسيرة و لم نشاهد و لو بيانا استنكاريا لما أقدمت عليه بل رأينا مباركة شبه عامة لكل الأعمال التخريبية التي قامت بها و لازالت تقوم بها. ثم أين هؤلاء الحقوقيين الذي صدعوا آذاننا بترهات واهية من الجرائم الفاضحة التي ارتكبتها فرنسا بإفريقيا الوسطى حيث قتلت أزيد من خمسة عشر ألف مسلم ما بين نيجيريا و افريقيا الوسطى, أهذه الأرواح ليست بشرية في نظرهم؟, أهؤلاء الضحايا ليسوا مصنفين في الخانة البشرية؟ و إن كانوا في خانة الحيوانات –حاشى لله- فأين جمعيات الرفق بالحيوانات التي تصرخ في كل مرة مدافعة عن الحيوانات الأليفة و الوحيش, أليس لهؤلاء من يدافع عنهم؟ ثم إن فرنسا قتلت أزيد من تسعة ملايين جزائري, و ليس مليون و نصف كما يشاع حسب ما صرح به الدكتور محمد قنطار لجريدة الشروق الجزائرية سنة 2008, ذلك أن هدفها حسب ذات المصدر هو الإبادة الجماعية والقضاء نهائيا على العنصر الجزائري جسديا و مصادرة أملاكه و أراضيه لتحقيق الدولة الفرنسية بالجزائر. إن أمريكا التي تلعب دور القاضي و المحامي في آن واحد هي نفسها المدعية, لذلك فإن المتهم مدان لا محالة, فكل الأبواب موصدة بوجهه, و الأصابع كلها تشير إليه علما أن تلك الأصابع هي نفس أصابع أياديالأمريكان الذين خربوا البلدان و سرقوا الخيرات و شرعوا في بناء دولتهم و تكوين أنفسهم. أنانيتها و طمعها و جشعها جعلوا أمريكاتقفوا أثر المصالح و تنسى القيم, و في ذلك للأسف نافسها ذكور تحت الصفر حتى حازوا على لقب أفضل و أذكى شياطين الأرض. ففي أفغانستان تشير الأرقام أن أمريكا قتلت أزيد من خمسين ألفا من الأفغان المدنيين و تسبب حصارها في قتل أزيد من خمسة عشرة ألفا, دون الحديث عن المشردين و الذين أصيبوا بعاهات مستديمة جراء القصف المدفعي و الجوي الذي لا يستثني المدنيين, و لازلنا نذكر المأساة الحقيقية التي سببها دخول الأمريكان إلى العراق و الأرقام لازالت محفوظة تظهر حجم الخسائر التي سببتها الدولة التي تتبجح بالديموقراطية و حقوق الإنسان, و قتلت أكثر من مليون طفل عراقي, و التسبب في عمى الألاف من الأطفال لقلة الأنسولين جراء الحصار الغاشم الذي فرضته أمريكا لسنوات. و إذا رجعنا القهقرى قليلا سنكتشف معطيات أخرى تدين أمريكا بشكل كبير و توثق لمراحل دامية كان الأمريكان أبطالها بامتياز, كالجرائم البشعة التي ارتكبوها ضد الإنسانية في اليابان و الفيتنام و مع الهنود الحمر, دون أن ننسى الصراعات المشتعلة بالشرق الأوسط و في الخليج قبل عقود كذلك حيث كانت أمريكا طرفا فاعلا بشكل مباشر و غير مباشر. فالأنظمة الغربية التي تتبجح بالديموقراطية و حقوق الإنسان و المواثيق الدولية, لا تعرف معنى حقوق الإنسان و لا تدرك معنى الإنسان, فهي تحسب أن إطار الإنسانية يقتصر على مواطنيها فقط, و ما دونهم فلا تجري عليهم الحماية,و لا يجب الدفاع عنهم. ما دام قانون‘‘ المصلحة أولى من كل اعتبار‘‘ يطغى على سائر المواقف الدولية فإن التنظيمات الإرهابية كداعش و مثيلاتها ستستمر بالظهور و الإنتشار و ستجد أنصارا من كل الفئات العمرية و من سائر المجتمعات, فهي على الأقل تتحدث بوجه واحد و لا تتبنى ازدواجية الخطاب المبني على المصالح الذي يطغى على أخلاقيات الغرب, و يحد من مصداقيتها و يكشف نفاقها في التملق و التودد.