بدأت شركات نفطية عملاقة الحد من مشاريعها للتنقيب عن النفط وخفض استثماراتها في هذا المجال وتقليص أيديها العاملة إزاء الهبوط المستمر في اسعار النفط التي تراجعت الى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، إذ بلغ سعر نفط القياس الاميركي نحو 63 دولارا للبرميل يوم الاثنين. في مواجهة الهبوط المستمر للنفط أعلنت شركة كونوكو فيليبس خفض انفاقها الاستثماري في عام 2015 بنسبة 20 في المئة ، وهو اكبر مؤشر حتى الآن الى انكماش نشاط الشركات الكبرى.
وجاء اعلان كونوكو فيليبس في اعقاب الخطوة التي اتخذتها شركة بريتش بتروليوم بخفض عدد كوادرها الادارية المتوسطة وإجراء تسريحات في وظائف اخرى ايضا.
وتشير هذه الاجراءات الى ان آثار هبوط اسعار النفط بنسبة 40 في المئة منذ تموز/يوليو الماضي امتدت أبعد من شركات التنقيب الصغيرة الأشد تأثرا بتقلبات الاسعار لتشمل الشركات العملاقة ايضا.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رئيس مجلس ادارة كونوكو فيليبس ورئيسها التنفيذي ان الشركة حددت مستوى ميزانيتها لعام 2015 عند مستوى تعتقد الادارة انه "المستوى الحكيم في البيئة الحالية".
ويرى خبراء نفطيون ان نتائج التخفيضات التي قررت الشركات العملاقة اجراءها في استثماراتها ومشاريعها الانتاجية لن تظهر قبل اواخر 2015. ويتوقع الخبراء مزيدا من هبوط الاسعار إلا إذا حققت الاقتصادات الاوروبية والآسيوية انتعاشاً أسرع من المتوقع أو حدثت غليانات سياسية جديدة في الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية.
ويواصل المحللون في وول ستريت خفض توقعاتهم لأسعار النفط في العام المقبل حتى ان بعض المحللين ذهبوا الى حد التوقع بأن يهبط سعر النفط الى أقل من 50 دولارا للبرميل.
وقال مصرف مورغان ستانلي في تقرير يوم الاثنين ان اسعار النفط تواجه أكبر تهديد لها منذ عام 2009 ويبدو انها على الطريق الى عام مضطرب. ولكن التقرير اضاف "ان فيض الانتاج مبالَغ به على الأرجح وان السوق قد تقبل بمخاطر الارتفاع".
والى جانب الاعلانات الأخيرة عن تخفيض الاستثمارات وتسريح الأيدي العاملة فإن شركات كبرى مثل كونوكو فيليبس تفكر في الحد من أنشطتها الاستثمارية والانتاجية في حقول نفطية في انحاء العالم وخاصة الحقول ذات التكاليف الانتاجية الباهظة مثل الحقول البحرية واستخراج النفط الصخري.
وأعلنت شركة ستات اويل النروجية العملاقة خفض عدد الوظائف فيها وتعليق أو إلغاء عقود لتشغيل آبار جديدة. وعمدت شركتا شل وشيفرون الى خفض أيديها العاملة في عمليات بحر الشمال.
وفي يوم الاثنين ايضا اعلنت شركة بريسيشن دريلنغ ، اكبر شركة للتنقيب عن النفط والغاز في كندا ولاعب كبير في السوق العالمية، خفض انفاقها المالي العام المقبل بنسبة 44 في المئة.
واصدرت شركة ريموند جيمس للخدمات المالية يوم الاثنين تقريرا سلطت فيه الضوء على التخفيضات المالية التي أجرتها شركات الخدمات النفطية في ميزانياتها. وتوقعت الشركة انخفاض عدد الآبار والمنصات النفطية في الولاياتالمتحدة بواقع 587 بئرا ومنصة أو بنحو 30 في المئة بحلول منتصف 2016.
وقال مايكل ويبر نائب مدير معهد الطاقة في جامعة تكساس لصحيفة نيويورك تايمز "ان من الصعب تبرير الاستثمار في بيئة تتسم بهبوط الأسعار".
واضاف ان ما يحدث حدث مرات عديدة في صناعة النفط خلال القرن الماضي.
عالميا يتوقع اقتصاديون ان تحقق بلدان تستورد النفط بكميات كبيرة مثل اليابانوالصين منافع من هبوط الأسعار. ففي تشرين الثاني/نوفمبر ارتفع فائض الصين التجاري الى ذروة جديدة بسبب الهبوط الحاد في اسعار النفط وغيره من السلع التي تستوردها. وتمكنت الهند واندونيسيا من خفض دعمها لأسعار البنزين بهدف تقليل العجز الكبير في ميزانيتهما.
ولكن بالنسبة لبلدان نفطية مثل روسيا وفنزويلا وايران ونيجيريا فان هبوط اسعار النفط يهدد برامجها الحكومية وعملاتها وقدرتها على تسديد الديون. كما انه يمكن ان يهدد استقرارها السياسي.
وعلى النقيض من ذلك فان بلدان الخليج في وضع مالي قوي يتيح لها الصمود امام هبوط اسعار النفط رغم ان الهبوط اللاحق في استثمارات صناديق ثرواتها السيادية يمكن ان يؤثر في بعض الأسواق المالية، بحسب نيويورك تايمز.
كما يمكن لهبوط اسعار النفط ان يؤثر سلبا في البلدان المصدرة للغاز الطبيعي لأن اسعار الغاز كثيرا ما تكون مرتبطة بأسعار النفط في الأسواق الاوروبية والآسيوية. ويتوقع محللون ان يهدد هبوط الأسعار إزاء زيادة امدادات الغاز بين 2015 و2019 عدة مشاريع لتصدير الغاز السائل في الولاياتالمتحدةوكندا. واعلنت شركة النفط الوطني الماليزية "بتروناس" مؤخرا تأجيل قرارها النهائي باستثمار 36 مليار دولار في مشروع للغاز السائل في كندا.