كوم — عبد المنعم شوقي – التصوير للزميلين : أحمد ومحمد خالدي. منذ الساعات الأولى من صبيحة الأحد 20 مارس 2016 ، بدأ العمال وأعضاء مكاتب القطاعات العمالية ،وعشرات الضيوف، وممثلين لهيئات سياسية ونقابية، وممثلين لفعاليات جمعوية ،وحشد من الزملاء الإعلاميين، يتوافدون على ساحة حمان الفطواكي حيث سيحتضن المركب الثقافي فعاليات تخليد الذكرى الواحدة بعد الستين لتأسيس الاتحاد المغربي للشغل والتي تميزت بحضور الأمين العام للمنظمة السيد الميلودي موخاريق مصحوبا بعدد من رفاقه في الأمانة الوطنية، ووفود تمثل الاتحاد المغربي للشغل بمختلف أقاليم الجهة الشرقية وغيرها. "التصعيد التصعيد ، هذا صوت القواعد" شعار رددته الطبقة العاملة وهي تستقبل أمينها العام بترحيب كبير ليحضر ذكرى التأسيس لأول مرة خارج العاصمة الاقتصادية للمملكة الدارالبيضاء . استهل الحفل بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الجميع المقرئ رئيس الشبيبة العاملة ، تلتها لوحة فنية رائعة قدمها أطفال براعم تترجم المعاني والكلمات التي يتكون منها نشيد الاتحاد المغربي للشغل الذي رددته القاعة بحماس كبير . السيد محمد بوجيدة الأمين الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بالناظور الدريوش ، كان أول من تناول الكلمة ليرحب بكافة الحضور ويثمن عاليا حرص الأمين العام على تخليد الذكرى 61 لتأسيس الاتحاد بمدينة الناظور،موضحا الظروف الصعبة والدقيقة التي تحتفل فيه اليوم الطبقة العاملة بهذه الذكرى ، سواء على الصعيد الوطني والقاري أو على الصعيد الدولي ، وتوقف عند التراجع عن مكتسبات الطبقة العاملة والضربات الموجهة إليها من طرف الحكومة التي لم تبد أية جدية في فتح حوار معقول مع المنظمات النقابية، وذكر بتعبئة الطبقة العاملة للدفاع عن وحدتنا الترابية ومواجهة الانزلاقات اللفظية والمنحازة للأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون " والذي أكده العمال والأجراء من خلال مشاركتهم الحاشدة في المسيرة الوطنية التي شهدتها العاصمة الرباط يوم الأحد 13 مارس الأخير. وبعد تتبع الحضور لشريط وثائقي يروي تفاصيل ميلاد الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 ،والمراحل التي مر بها والكفاح البطولي الذي خاضه ضد المستعمر المحتل ، تقدم إلى منصة الخطابة وسط تصفيقات حارة وترديد شعارات الوحدة والتضامن ، الأمين العام للاتحاد السيد الميلودي موخاريق ، حيث حيى باسم كافة مناضلات ومناضلي الاتحاد المغربي للشغل بمختلف جهات وأقاليم ومدن المملكة ، رفيقاتهم ورفاقهم مناضلات ومناضلي المنطقة الشرقية ،مهد النضال والكفاح الوطني. هذه المنطقة – يضيف الأمين العام – المشهود لها بمواقف الدفاع عن حرية الوطن وكرامة المواطنين، منطقة تشهد كل جبالها وسهولها وهضابها على التاريخ المجيد لأبطال الريف الذين لقنوا المستعمر دروسا بليغة في الدود عن حرمة الوطن والدفاع عن الشرف والعزة والكرامة، بطولات كم تحدث العالم عنها، واحتلت عشرات المعارك والمواجهات البطولية في مقاومة أبناء الريف للاحتلال واجهة الحدث الدولي لسنوات خلال مطلع القرن العشرين. وأكد الميلودي موخاريق بأن الإخوة أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، أبوا إلا أن يتم إحياء الذكرى الواحدة والستين لتأسيس منظمتهم العتيدة بمنطقة الريف، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تخليد هذه الذكرى خارج مدينة الدارالبيضاء، ذكرى الاحتفال بهذه المحطة تاريخية التي من حقكم يقول الأمين العام – أنتم حفدة البطل عبد الكريم الخطابي أن تعتزوا بها، وتعتبروها مفخرة تعزز ما عرف عنكم من نضال وكفاح بطولي ضد الاستعمار الاسباني، وما سطره آباؤكم من ملاحم يزخر تاريخ المنطقة بنماذج عدة عنها. وجوابا عن سؤال، لماذا نخلد كل سنة هذه الذکري؟ أكد موخاريق ، على كونها حدث هام وبارز في تاريخ بلادنا وتاريخ الحركة الوطنية والحركة النقابية المغربية، لأنها تشكل لحظة استحضار للتضحيات الجسام التي قدمها الاتحاد المغربي للشغل من أجل استقلال الوطن، وبناء المغرب المستقل. ومن أجل أن يتذكر مناضلونا، وخاصة الشباب منهم، هذا الحدث المهم في التاريخ السياسي والنقابي للمغرب المعاصر، ولأجل ترسيخ ثقافة الموروث النضالي للاتحاد المغربي للشغل بكل قيمه ومبادئه وتضحيات مناضليه. وأضاف الأمين العام ، أنه في مثل هذا اليوم منذ واحد ستين سنة، انبثق من رحم الوطنية والكفاح من أجل الاستقلال أول تنظيم نقابي مغربي، حققت به الطبقة العاملة المغربية إنجازا تاريخيا، متحدية كل قيود الحجر والمنع، ومحققة بشموخ وإباء ما كان محظورا عليها من طرف سلطات الحماية الفرنسية، وتشاء الأقدار أن يكون يوم الأحد الذي نلتقي فيه، هو نفسه يوم تأسيس الاتحاد، أي يوم الأحد 20 مارس 1955، ففي هذا اليوم التاريخي، اجتمع ثلة من الوطنيين المغاربة في أحد المنازل الشعبية بحي بوشنتوف بالدارالبيضاء، وفي سرية تامة، كانوا يتسللون عبر سطوح المنازل المجاورة، متنكرين في ملابس تقليدية تخفي هوياتهم الحقيقية، حتى لا تكتشفهم أعين البوليس والخونة عملاء الاستعمار المتربص لكل تحركات الوطنيين إذاك. وأكد أيضا أنه في مثل هذا اليوم منذ 61 سنة، التأم 35 نقابيا من الوطنيين الأفذاذ، بينهم الأخ المحجوب بن الصديق والأخ الطيب بن بوعزة والإخوة عبد القادر أواب وإسماعيل صدقي والحياوي بن سعيد وخيد التباري والشرقاوي وبلعيد وغيرهم، وعقدوا اجتماعهم السري الذي خلق الحدث، ونقش على واجهة الساحة الوطنية حروف أول تنظيم نقابي بالمغرب، وفي تحد شجاع للآلة القمعية وللاستعمار الفرنسي، وخلال ظرفية حالكة وصعبة من تاريخ المغرب، أعلنوا عن ميلاد الاتحاد المغربي للشغل. وقد استقبل العمال المغاربة – يضيف الأمين العام للاتحاد – الإعلان عن تأسيس الاتحاد المغربي للشغل يوم 20 مارس 1955 بتجاوب منقطع النظير، وإقبال مكثف على الانضمام إلى صفوف منظمتهم النقابية التي انهالت عليها انخراطات وأفواج العمال والأجراء الذين وصل عددهم بعد أسابيع قليلة 500 ألف منخرط. وأوضح السيد الميلودي موخاريق أنه ولمعرفة أوسع لأهمية هذا الحدث، خلال فترة الاستعمار، التي كانت من أحلك فترات التاريخ المعاصر لبلادنا، فبالإضافة إلى الظلم والقهر والاستغلال البشع، لم يقتصر المستعمر على فرض الحماية السياسية فحسب، بل فرض الحماية النقابية لمنع العمال والأجراء المغاربة من تأسيس نقابتهم، ومن المطالبة بحقوقهم، وتحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، وذلك لسبب واحد، هو الخوف من الطبقة العاملة، نعم الخوف من قوتها و قدرتها علي التنظيم والممارسة النضالية الهائلة، وقد كان لهم الحق في خوفهم الذي ستؤكده الأحداث فيما بعد، لذلك لم تكن سلطات الحماية تتهاون في المواجهة العنيفة والدامية، بل والوحشية لكل ما يمكن أن يؤدي إلى تعبئة وتوحيد العمال المغاربة، وذلك بعدما عملت على تجريدهم من كل الحقوق التي متعت بها العمال الأوروبيين المشتغلين بالمغرب، وعلى رأسها الحق في الانتماء إلى نقابة، حيث قامت بإصدار ظهير 24 دجنبر 1936 الذي يحصر الانتماء النقابي على العمال الأوروبيين فقط ويعاقب بمقتضاه كل عامل مغربي تجرأ على الانخراط في نقابة. ومع تزايد أعداد اليد العاملة المغربية، وبداية ظهور وعي نقابي بين أوساطها، سيتم سنة 1948 إصدار قانون يسمح للعمال المغاربة بالانخراط في إحدى النقابات الفرنسية، مع التنصيص على منعهم وحرمانهم من الوصول إلى أجهزتها القيادية. في ظل هذه الظروف القاسية،يقول الأمين العام ، كان النقابيون الوطنيون المغاربة، ورغم التضييق والمضايقات ومصادرة حقوقهم، والمراقبة البوليسية المفروضة عليهم، يتواجدون في طليعة الكفاح الوطني، وضد الحماية السياسية والنقابية، إلى أن أعلنت الطبقة العاملة المغربية بقوة وعنفوان عن وجودها، وعن دورها البطولي والحاسم في العمل الوطني، وعن قدرتها على قلب موازين الصراع مع سلطات الحماية لصالح الجماهير المغربية المتطلعة إلى الاستقلال الوطني، ضاربة أروع مثل في الحس الوطني والوعي النقابي والتضامن المغاربي. وأشار إلى أنه قبل ميلاد الاتحاد، عرف المغرب وبالضبط مدينة الدارالبيضاء، أحداثا بارزة في تاريخ الحركة النقابية المغربية، مجسدة بذلك الشعلة الأولى لهذه الحركة، ألا وهي انتفاضة 8 دجنبر 1952. فما أن وصل نبأ اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر 1952، حتى دخل النقابيون المغاربة في حركة احتجاجية عارمة، توجوها بإعلان إضراب 8 دجنبر 1952، هذا الحدث التاريخي المليء بالتضحيات والعبر والدروس البليغة، التي جسد بها العمال المغاربة عمليا وميدانيا روح التضامن المغاربي، وأشعلوا بها فتيل الكفاح الوطني الذي لن يخمد إلا بتحقيق استقلال المغرب. وتوقف الأمين العام للاتحاد عند هذا الحدث العظيم في التاريخ المجيد للطبقة العاملة المغربية، حيث أوضح أنه في الخامس من دجنبر 1952، نزل خبر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد كالصاعقة علي النقابيين الوطنيين المغاربة، فسارعوا إلى عقد اجتماع يوم السبت 6 دجنبر 1952 من أجل التداول في القرار النضالي التضامني اللازم اتخاذه، معتبرين اغتيال الزعيم النقابي التونسي، اغتيالا لهم أيضا، ولكل المناضلين النقابيين المغاربة، وبدون تردد اتفقوا على القيام بإضراب عام يوم الاثنين 8 دجنبر 1952، وللتاريخ، فقد كان النقابيون المغاربة، هم أول من بادر إلى ردة الفعل الاحتجاجية على جريمة الاغتيال النكراء. إذا كان هذا الإضراب العام تضامنا مع الشقيقة تونس، فقد كان أيضا للمطالبة باستقلال المغرب، حيث تزامن يوم الإضراب مع عرض القضية المغربية على أنظار الأممالمتحدة، وقد كان النقابيون الوطنيون المغاربة يهدفون بذلك إلى دحض وتقويض ادعاءات الاستعمار الفرنسي، الذي كان يروج لأكذوبة رضا المغاربة، وقبولهم بالحماية. فبالإضافة إلى توجيههم للعديد من البرقيات إلى الخارج لحشد الدعم في المطالبة باستقلال المغرب، قاموا بإصدار نداء صاغ نصه الكامل وتكفل بتوزيعه النقابيون الذين سيصبحون بعد ثلاث سنوات من تلك الفترة قادة الاتحاد المغربي للشغل. أمام القرار الشجاع والجريء الذي اتخذه النقابيون الوطنيون، ستتحرك يوم الأحد 7 دجنبر 1952 سلطات الحماية الفرنسية من أجل ضرب الحركة الاحتجاجية، ومواجهة الإضراب بكل الوسائل والأساليب القمعية، من مضايقات بوليسية، وحواجز أمنية، وتهديدات، وتسخير لأعوان وأذناب الاستعمار، خاصة في الأحياء العمالية والشعبية. إلا أن كل ذلك- يؤكد موخاريق – لم يوقف الحركة الاحتجاجية، ولا أثر في التعبئة الشاملة للمغاربة الذين انخرطوا بتلقائية ووطنية في الإضراب العام. يوم الاثنين 8 دجنبر 1952، كان الإضراب ناجحا بشكل مثير وهائل، كانت الحركة مشلولة في كل مرافق الحياة العامة، لم تتوقف الطبقة العاملة وحدها عن العمل، بل انخرطت فيه كل الشرائح الاجتماعية المغربية، التجار والحرفيون والباعة، كان الإضراب شاملا، وكانت الضربة جد موجعة للاستعمار اقتصاديا وسياسيا، كما عبرت بوضوح عن موقف المغاربة الرافض للحماية، والمفند لادعاءات المستعمر بأن الكل راض على الوضع في المغرب. في يوم 8 دجنبر 1952، يوضح – الأمين العام- رغم الحواجز الأمنية، و الإجراءات الاحترازية، والموانع البوليسية، سيصل أزيد من 3000 عامل إلى المقر النقابي بزنقة لاسال، التي تسمى اليوم زنقة فرحات حشاد بمدينة الدارالبيضاء، حضروا تلبية لنداء الوطن، ولواجب التضامن، ومع بداية التجمع الخطابي، تكالبت على العمال الحاضرين المئات من العساكر والبوليس الفرنسي المدججين بالأسلحة، وما أن اقتحمت هذه القوات المقر النقابي، في إطار ما سمي بالمصيدة، حتى انهالت عناصرها على العمال بالضرب الوحشي والتعنيف الهمجي. وقد خلفت هذه الأحداث ليومي 7 و 8 دچنبر عشرات القتلي ،كما قامت هذه القوات باعتقال القيادات النقابية، وعلى رأسهم المرحوم المحجوب بن الصديق الذي أذاقوه أصناف التعذيب الوحشي، والصور المنشورة في جرائد تلك الفترة خير معبر على ما عاناه، وكيف كان وجهه كله كدمات، وجروح، من جراء الضرب، والتعنيف، والتنكيل لحظة استنطاقه من طرف زبانية الاستعمار في أقبية مقرات الشرطة، كان استنطاق البوليس لإخواننا يتركز على ماذا يريدون، فكان جوابهم التلقائي والعفوي الموحد هو: نطالب باستقلال المغرب. إننا ونحن نحيي تضحيات وكفاح وصبر إخواننا،- يقول السيد الميلودي موخاريق – ونترحم على الأموات منهم، متمنين الصحة وطول العمل للذين لازالوا على قيد الحياة، نقول لهم أن الأجيال التي ربيتموها داخل الاتحاد المغربي للشغل علي حب هذا الوطن، وعلي الوطنية الصادقة، هي على العهد سائرة، وبالمبادئ متشبثة، نقول لهم: لو أعيد ذلك الأمر مرة أخرى فسنقوم بنفس الشيء، إن رفاقكم داخل الاتحاد المغربي للشغل مستعدون دائما للتضحية من أجل هذا الوطن، وفداء لهذا الشعب، ومن أجل مصلحة وكرامة الطبقة العاملة المغربية. كما يسجل التاريخ للاتحاد المغربي للشغل موقفه العظيم يضيف الأمين العام للاتحاد -، وثباته على المبادئ، وتمسكه بالوطنية الحقة والصادقة، علي بعد سنة من نفي محمد الخامس، هو والأسرة الملكية، في غشت 1953، ستقدم سلطات الحماية على اعتقال المحجوب بن الصديق وإخوانه النقابيين الوطنيين عامِ 1952، وتحكم عليهم بسنتين سجنا، وقد كان البعض منهم مهددا بحكم الإعدام على خلفية انتفاضة الدارالبيضاء، وبعد مغادرتهم للسجن بفترة قصيرة، لم تتجاوز الشهر، سيتم اعتقالهم سنة 1954 والحكم عليهم مرة أخرى بالسجن. وأمام تصعيد الكفاح الوطني- يؤكد السيد موخاريق – ، واحتدام المواجهات المسلحة بين المقاومة والاستعمار الفرنسي، عينت فرنسا مقيما عاما جديدا، من أجل إيجاد مخرج لما كان يسمى بالقضية المغربية، المقيم العام الجديد سيستقبل وفدا عن الاتحاد المغربي للشغل بقيادة الأخ المرحوم المحجوب بن الصديق، وعرض عليهم التصديق والسماح بتأسيس مركزيتهم النقابية، وتكوين حكومة مغربية انتقالية، لكن مع ترك ملك البلاد في المنفى لفترة معينة، انتفض إخواننا النقابيون رافضين تلك المقترحات جملة وتفصيلا، معلنين أنه لا حرية نقابية، ولا حكومة انتقالية بدون عودة الملك الشرعي محمد الخامس والعائلة الملكية من المنفى، مما عرضهم مرة أخرى للاعتقال والتعذيب. كان هذا هو الموقف الوطني التاريخي لإخواننا قادة الاتحاد المغربي للشغل إذاك- يوضح الأمين العام – إخواننا الذين لم ينل منهم التعذيب، ولا التنكيل، ولا ظروف الاعتقال الرهيبة شيئا، فكيف يمكن لأي إغراء أن يثنيهم عن أهدافهم النبيلة، ومواقفهم الثابتة، هم الذين وضعوا أرواحهم بين أكفهم مقدمينها فداء للوطن، موثرين التضحية على أي شيء آخر غير تحرير الوطن، هذه مواقف إخواننا التي بقوا صامدين عليها حتى بروز فجر الاستقلال، الذي كانوا هم أبرز صناعه، وكانت الطبقة العاملة الفيصل الحاسم في وضع حد للحماية، وعودة ملك البلاد المغفور له محمد الخامس من منفاه، محمد الخامس الذي حين بلغه – وهو في المنفى – خبر تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سيقول عبارته التاريخية الخالدة: "إننا نبارك هذا اليوم الذي أسس فيه الاتحاد المغربي للشغل، والآن لنا اليقين بأنه سيعجل باستقلال المغرب". وأبرز الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل في كلمته بمناسبة تخليد الذكرى 61 لتأسيس الاتحاد المغربي للشغل ،أنه إذا كانت أحداث دجنبر 1952، قد أعلنت انطلاقة الكفاح الوطني، فهي في الوقت نفسه قد جسدت اللبنة الأولى للنقابيين المغاربة للانخراط عمليا في الترتيب الميداني بكل تحد وإصرار على تأسيس تنظيمهم النقابي الاتحاد المغربي للشغل، الذي خرج إلى الوجود يوم 20 مارس 1955. وقد اقترنت هذه اللحظة بإصدار إخواننا، مؤسسي منظمتنا العتيدة، لأول نداء نقابي يشكل اليوم وثيقة تاريخية، تشهد على تبصرهم، وبعد نظرهم، واستشرافهم للمستقبل النقابي للطبقة العاملة المغربية. ومن بين ما جاء في هذا النداء : "المؤتمر التنظيمي للاتحاد المغربي للشغل يشعر شعورا عميقا بالقوة والنفوذ اللذين ستأخذهما الحركة النقابية في المغرب، وبالأهمية العظيمة للكفاح الذي يجب أن يقوم به العمال المتحدون، دون أي ميز عنصري في حظيرة منظمة مركزية حرة ديمقراطية". ومن خلال نفس النداء توجه المؤتمر إلى جميع عمال المغرب "يدعوهم ليتحرروا من بعض التحيزات الوخيمة العتيقة التي هي وليدة نظام سالف، وأن يتحدوا في صفوف الاتحاد المغربي للشغل، ليتمكن لهم أن يكافحوا من أجل: – الحق في العمل – القضاء على البطالة – أجور ملائمة – الضمان الاجتماعي – عقود جماعية – توزيع عادل لخيرات البلاد – احترام حقوق الإنسان – نظام ديمقراطي". ثم أضاف قائلا،في مثل هذا اليوم منذ 61 سنة، نشأ الاتحاد المغربي للشغل كتعبير عن الوعي والإرادة العمالية، واستجابة لضرورة تاريخية، وكنتاج لمرحلة من النضالات والكفاحات العمالية المجيدة من أجل تحرير الوطن واستقلاله من الاستعمار الغاشم، قدمت خلالها الطبقة العاملة المغربي أروع الأمثال في التضحية والعطاء والفداء. الاتحاد المغربي للشغل الذي لم يكن من صنع حكومة أو حزب، والذي عبر بالكفاح العمالي المجيد عن إرادة الطبقة العاملة المغربية في التحرر والانعتاق، وحافظ عبر مسيرته الطويلة على هويته وأصالة الحركة النقابية المغربية من المسخ والتشويه والتسخير. فلم يتركها مطية لأهواء حكومة أو مطامح حزب، أو مصالح أرباب العمل، بل جعلها دائما وفية لأصولها، متشبثة بمبادئها، مدافعة عن تطلعاتها وآمالها، هو نفسه الاتحاد المغربي للشغل الذي ناضل، وسيظل يناضل، من أجل النهوض بالطبقة العاملة المغربية والجماهير الشعبية، ومن أجل الدفاع عن الحق النقابي، والرفع من المستوى المادي والفكري للعمال والعاملات، ورعاية الأعمال الاجتماعية، والنضال من أجل النهوض بالتعليم والصحة، وتشجيع السكن الاجتماعي، والحماية الاجتماعية للعمال والمستخدمين والموظفين وأسرهم، وكل ما يضمن الحياة الكريمة والشريفة للطبقة العاملة المغربية وعموم المأجورين. وبعد الاستقلال أنخرط الاتحاد المغربي للشغل في معركة بناء وتشييد صرح المغرب المستقل، حيث اجتهد في إنشاء الصناديق الاجتماعية للعمال والمأجورين وعلى رأسها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتعاضديات والأعمال الاجتماعية، وساهم في إرساء القوانين الاجتماعية، وساهم في المجلس الاستشاري الذي يعد أول برلمان مغربي حيث حظي الاتحاد المغربي للشغل برئاسته إلى جانب المرحوم المهدي بن بركة سنة 1957، وفي تأسيس الشركات الوطنية الكبرى من مثل "صوماكا" و"لاسامير" والمؤسسات العمومية وغيرها، هذا جزء قليل من الأعمال العظيمة، والخدمات الوطنية الجليلة التي قدمها الاتحاد المغربي للشغل لبلادنا- يؤكد السيد الميلودي موخاريق – والتي لن نتوقف أبدا عن تقديم الغالي والنفيس من أجل ازدهارها وتقدمها ومن أجل ضمان العيش الكريم لكل المغاربة. الاتحاد المغربي للشغل الذي سيبقى وفيا لمبادئه، ثابتا على مواقفه، لن تثنيه المؤامرات، ولا الدسائس على مواصلة النضال من أجل الرقي بالطبقة العاملة المغربية. ولن يوقف مسارنا النضالي شيء، فبوصلة مسارنا هي هذا التاريخ العظيم لمنظمتنا النقابية، هي تلك المواقف المشرفة والبطولية لإخواننا الذين أسسوا الاتحاد المغربي للشغل، ونحن على دربهم سائرون، بمبادئهم، ومواقفهم الوطنية متشبثون. ورغم تعرض مناضليه لكل أصناف القمع، فقد قدم الاتحاد المغربي للشغل سجلا حافلا بالأمجاد، وناضل من أجل أن يكون للطبقة العاملة المغربية دورها ومكانتها داخل المجتمع، محافظا على استقلاليته متشبثا بهويته ومبادئه، صامدا أمام كل محاولات التدجين من قبل أطراف كانت تعمل على احتواء وتسخير العمل النقابي، وفرض وصايتها عليه، وظل الاتحاد المغربي للشغل يناضل من أجل ديمقراطية حقيقية، لا ديمقراطية شكلية، تضمن الكرامة الإنسانية، مشكلا ميزان قوى، في طليعة القوى التقدمية، قوة اجتماعية منظمة في سنوات كان العمل من أجل الديمقراطية والتعبير عن الرأي يعد من قبيل المخاطرة، كما احتضنت منظمتنا الفئات المحرومة والمقموعة داخل المجتمع، من مطرودين ومعطلين ومعاقين وعائلات المعتقلين السياسيين، في وقت ركنت فيه العديد من القوى السياسية إلى التهافت على المناصب والكراسي الحكومية. ولم تثنه عن تشبثه بالديمقراطية، حملات القمع والتآمر، والتقسيم، وضرب الوحدة النقابية بتفريخ نقابات تابعة للحكومة وللأحزاب السياسية، وحملات البهتان والتضليل الإعلامي بواسطة الأقلام المأجورة والمنابر المتآمرة. كما ناضل الاتحاد المغربي للشغل من أجل السيادة الوطنية، والوحدة الترابية، والاستقلال الاقتصادي، والتحرر من التبعية والهيمنة الأجنبية، وساند حركات التحرر العربية والإفريقية والعالمية، وكافح من أجل حركة نقابية وحدوية في المغرب العربي وفي العالم العربي، واحتل مكانته بكل جدارة واستحقاق في الساحة النقابية الدولية. وأكد الأمين العام للاتحاد أنه إذا كان "من حق شبابنا ومناضلينا ومناضلاتنا اليوم، الإطلاع على هذا الرصيد الهائل من الأمجاد والأحداث الكبرى التي ساهم الاتحاد المغربي للشغل، كفصيل أساسي من فصائل حركة التحرر الوطني، في صنعها، وفي كتابة تاريخ بلادنا مخضبا بدماء العمال وتضحيات مؤسسي الحركة النقابية المغربية، فمن حقهم علينا، مع حلول كل مناسبة لتخليد تلك الأحداث، أن نتواصل معهم، ونمدهم بكل ما يضمن مواصلة المسير على نفس الدرب، مستلهمين هذا – .الرصيد التاريخي الهائل والمجيد. واحد وستون سنة مضت ولا زلنا فى طليعة النضال يقول الأمين العام – من أجل استكمال وحدتنا الترابية، والنهوض بالجماهير الشعبية، مبادئنا ثابتة، لا نساوم في مصلحة الوطن، وسيظل الاتحاد المغربي للشغل قوة تحررية ملتزمة بمواطنة العمال والشعب المغربي، وبالممارسة الحرة للحقوق الديمقراطية، وباحترام الحريات الأساسية في العمل وفي المجتمع. ثم أكد أنه، بنفس الروح والعزم نواجه محاولات التراجع في مجال تشريع الشغل والتقاعد والتفاوض الجماعي، ونحن مستمرون في نضالنا لإفشال المحاولات المتربصة بحق الإضراب، الذي يعتبر حقا أساسيا ودستوريا انتزعته الطبقة العاملة بفضل كفاحها وتضحياتها. " واحد وستون سنة من الالتزام بالدفاع عن قضايانا المغاربية والعربية، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس، واسترجاع جميع الأراضي العربية المغتصبة، ويشهد التاريخ للاتحاد المغربي للشغل بالدور الطلائعي الحاسم للطبقة العاملة المغربية في معركة الكرامة والتحرر واسترجاع السيادة الوطنية، والقضية الوطنية بالنسبة للاتحاد هي أكبر من موقف سياسي، إنها جزء من هويته المترسخة والضاربة في عمق الشعب المغربي، حيث عبر عنها في كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية، وعمل على فضح ومواجهة كل مناورات خصوم وحدتنا الترابية، فحيثما حلت وفود الاتحاد المغربي للشغل في كل بقاع العالم، إلا وكانت قضية وحدتنا الترابية في مقدمة اهتماماتها ومداخلاتها ونقاشاتها، مقدمين الحجة والبرهان على عدالة ومشروعية قضيتنا الوطنية، مع التذكير دائما بضرورة استكمال وحدتنا الترابية بتحرير الثغور الشمالية للمغرب". " واحد وستون سنة على الاستقلال، ولازال المغرب يعاني من الفوارق البنيوية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموروثة عن قرون من الإقطاعية، والتي تكرست خلال نظام الحماية الفرنسية، من فوارق بين المدن والقرى، وبين المغرب النافع والمغرب الهامشي، وبين الأقلية المحتكرة للخيرات والأغلبية الشعبية المحرومة، وبين ثقافة الاحتكار والامتيازات وتطلع الشعب إلى مجتمع متحرر، يضمن المساواة في الفرص، والعدالة الاجتماعية، والممارسة الحرة للحقوق الاجتماعية الأساسية، وللحريات المدنية والسياسية. بالرغم من توفر المغرب على ثروات طبيعية وبشرية هائلة، فإن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للتراجع باستمرار، وتتجه بشكل خطير نحو مؤشرات البلدان الأقل تقدما في العالم، كنتيجة حتمية لسوء تدبير مختلف الميادين". – وفي ختام كلمته القيمة ، أكد السيد الميلودي موخاريق " اليوم تواجهنا تحديات كبيرة، سواء على صعيد التماسك الاجتماعي، أو مصير بلادنا التي تعاني من الانعكاسات السلبية للعولمة، وسوء النمو، والتوزيع الغير عادل للخيرات. لمواجهة هذه التحديات، والدفاع عن الحقوق الأساسية وكرامة العمال، ولمواصلة النضال من أجل المواطنة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فإن الاتحاد المغربي للشغل يهيب بكافة مناضلاته ومناضليه، وجميع العاملات والعمال، المستخدمات والمستخدمين، الموظفات والموظفين وعموم الأجراء، في كل المدن، وكل الاتحادات، وكل القطاعات، إلى تعزيز الوعي، وتقوية التضامن، والتمسك بالوحدة النقابية، والعمل على تكوين جيل جديد من المناضلين القادرين على تحمل نفس الدور والمسؤولية النضالية، مخلصين لأرواح شهداء التحرير الوطني، وفي خدمة الوطن والمواطنة". " خير ما نختم به هذا العرض النضالي البهيج في هذه الجهة المشرقة، هو شعار مؤتمرنا الحادي عشر الذي خلدنا خلاله الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد المغربي للشغل : "ويستمر نضالنا الوحدوي المستقل والمتجدد من أجل مجتمع الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية". وفي لحظة تأثرية ، دمعت فيها أعين الأمين العام السيد الميلودي موخاريق ، أكد هذا الأخير تضامنه المطلق والامشروط مع ساكنة الناظور ، الدريوش والحسيمة في مواجهة صمت الحكومة بخصوص التخفيف على نفسية سكان الريف من جراء الزلزال والهزات الأرضية التي تعيشها منذ قرابة ثلاثة أشهر ،والتزم بإرسال الخيام للمواطنين في هذه الأقاليم، وكمية من الأدوية يمكن الاستعانة بها لا قدر الله إذا كانت هناك حالات تدعو إلى ذلك ، مع فتح مقرات الاتحاد المغربي للشغل في وجه الساكنة وإنشاء خلايا للتدريب على مثل هذه الطوارئ. وقد صفقت القاعة طويلا لهذه الوقفة الإنسانية التي أعلن عنها الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل في ذكرى مرور 61 سنة على تأسيس الاتحاد المغربي للشغل. وتعالت مباشرة بعد إنهاء الأمين العام لكلمته الجامعة والمانعة ، شعارات اهتزت لها قاعة المركب ، وهي تدعوا إلى الوحدة والتضامن لمواجهة الاختيارات الحكومية الفاشلة. بعد ذلك ، كرمت الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل بهذه المناسبة التاريخية ، عبد المنعم شوقي بصفته قيدوم رجال الإعلام بالمنطقة ، وحسن تباريت فنان ملتزم ، والمخرج المسرحي فاروق ازنابط. نشير إلى أنه ،وعلى هامش تنظيم هذا الحفل لتخليد ذكرى التأسيس،أقيم رواق بجانب المركب الثقافي يضم صورا تاريخية نادرة ذات حمولة تاريخية تروي عن فترات تاريخية ذهبية من عمر الاتحاد المغربي للشغل ، بالإضافة إلى أرشيف مهم من الصحافة المكتوبة يؤرخ لمواقف ونضالات الاتحاد المغربي للشغل منذ سنوات التأسيس.