أجج حادث انهيار صومعة مسجد البرادعيين، الذي أودى بحياة 41 شخصا وإصابة 75 آخرين 16 منهم حالتهم حرجة، مطالب عدد من الهيئات المدنية والسياسية بمكناس بفتح تحقيق للكشف عن ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات. واستنادا إلى بعض المصادر، فإن وزارة الداخلية كلفت لجنة خاصة بتتبع تفاصيل الحادث والاستماع إلى عدد من المسؤولين، ضمنهم ناظر الأوقاف بالمدينة، خاصة بعد بروز معطيات تؤكد تقديم إمام المسجد الهالك لعدة شكايات تدعو إلى إقفال المسجد وإعادة ترميمه. ورجحت مصادر "أخبار اليوم" أن يقود حادث مسجد البرادعيين عددا من المسؤولين إلى المساءلة، خصوصا أن صومعة المسجد احترقت في يوليوز الماضي، دون أن تتخذ إجراءات لإعادة ترميمها وإصلاحها. وبالموازاة مع ذلك، أصدر الملك محمد السادس، الذي تكفل شخصيا بالضحايا، تعليماته من أجل ترميم مختلف مساجد المملكة والقيام ب"معاينة عاجلة لجميع المساجد العتيقة بمختلف العمالات والأقاليم". وأفاد بلاغ لوزارة الداخلية بأنه تم إحداث لجن محلية بمختلف عمالات وأقاليم المملكة، مكونة من ممثلي السلطات المحلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومهندسين وخبراء، لافتحاص بنايات المساجد العتيقة والمرافق التابعة لها. على صعيد آخر، شيعت بعد ظهر أول أمس السبت، في جو مهيب جثامين ضحايا حادث انهيار صومعة مسجد "باب البرادعيين" بمكناس إلى مثواها الأخير، حيث ووري الراحلون الثرى في مقبرتي الشهداء و"الشيخ الكامل" على إيقاع التهليل والتكبير. وقد أقيمت صلاة جنازة جماعية على أرواح الراحلين بموقع الحادث بحضور أسر الضحايا ووالي جهة مكناس تافيلالت، عامل مكناس ورئيس المجلس العلمي لمكناس. كما أعطيت تعليمات ملكية للتكفل بالضحايا، فضلا عن إعادة تشييد مسجد البرادعيين، الذي شهد الفاجعة. وبدت مكناس نهاية الأسبوع الماضي مدينة حزينة وهي تحصي موتاها تباعا في حادث أليم لم يشهد له مثيل... الصراخ يعلو في كل الطرقات المؤدية إلى المدينة القديمة وسط مكناس، ويزداد المشهد سوادا مع الاقتراب من باب البرادعيين، الذي شهد فاجعة يوم الجمعة الماضي. رجال حفاة ينقبون بأيديهم وسط الركام، وعناصر الجيش تطوق المكان لمنع تدفق العائلات التي حجت بقوة بحثا عن عزيز غادر للصلاة ولم يعد.. "دعونا ندخل.. هم يموتون ونحن ننتظر..."، تصرخ زوجة أحد الضحايا، التي التف حولها أبناؤها ينتظرون خبرا عن والدهم، الذي خرج من البيت في 12 والنصف دون أن يعود. "نتموما ديرو خدمتكم وحنا خليونا نقلبو على أحبابنا"، يرد من الجهة الأخرى شاب ظل يتفحص كل الجثث العابرة نحو سيارات الإسعاف دون أن يظهر له وجه أخيه. كان مدخل باب البرادعيين غاصا بالمواطنين... وأمامهم سلاسل بشرية من رجال الأمن والجيش تمنع ولوجهم نحو الداخل. بدا الأمر أشبه بمواجهات ضارية في إحدى قرى الثورة بصحاري إفريقيا القاحلة.. ويزداد المشهد تعقيدا مع ظهور بعض الجثث التي تعبر أزقة ضيقة للوصول من المسجد نحو سيارات الإسعاف التي كانت الأكثر ظهورا في مكناس نهاية الأسبوع الماضي. بعض السياح ظنوا أن الأمر يتعلق بمواجهات دامية بين السكان وعناصر الجيش، قبل أن يصححوا الصورة ويدركوا أن الأمر يتعلق ب"تهاون من قبل السلطات التي لم ترمم صومعة مسجد وتركتها تحترق وتتآكل إلى أن هوت فوق رؤوس الجميع"، يقول أحد سكان المدينة العتيقة. آلاف المواطنين انكبوا صوب مسجد البرادعيين الذي تحول إلى عدسة مجمعة لأنظار ساكنة مدينة مكناس، الذين تكدسوا مهللين مكبرين يتعقبون جثث الضحايا وهي تنتشل من تحت أكوام الطوب والحجر...