أسقط فيروس كورونا كل المسلمات الصحية المعروفة، ولم تتبق لدى العلماء والمتخصصين سوى حقيقة واحدة مافتئوا يكررونها على مسامع العالم درون توقف، وقوامها أن الرد الوحيد الناجع ضد انتشار الوباء يكمن في قطع سرعة الانتقال والعدوى، لأننا لا نتوفر وإلى حدود الساعة على علاج أو لقاح. الدفاع يكمن اليوم في الوقاية وتدابير العزلة الصحية، وغسل اليدين باستمرار وتفادي العناق والتباعد الاجتماعي . وعلى عكس ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن بمجرد سماع عبارة التباعد الاجتماعي، فالأمر لا يعني البتة قطع الوشائج العائلية أو الاجتماعية، بل يعني فعل تضامن جماعي يهيب بكل واحد منا على أخذ احتياطاته الكاملة تفاديا لنقل العدوى إلى الآخرين. والأكيد أن لهذه الأزمة التي نعبر ويعبر معنا العالم اليوم، تداعيات اقتصادية واجتماعية، لا يمكننا أن ننتصر عليها دون الارتكاز على قيمنا الأساسية : الالتزام والتضامن. فمقابل هجوم هذا الفيروس، سنخوض حربا لا يسعنا إلا أن ننتصر فيها جميعا، وسنتجاوزها لأننا بكل بساطة دولة راسخة في التاريخ. والتضامن الذي نعاينه اليوم، يعبر عن نفسه بشكل تلقائي عبر مستويات متعددة، قليلة هي الدول التي يمكن أن تشترك معنا فيها، أو أن تأمل بالتوفر على النزر اليسير منها. ولمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة انتشار فيروس كورونا وتفادي شلالات الإفلاس المتوقعة، أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس توجيهاته من أجل إحداث صندوق خاص لمواجهته، جندت له مليارات الدراهم وواكبته تعبئة وطنية من كل الشرائح الاجتماعية، كل على حسب قدرته. تذكرنا المشاهد التي نراها اليوم بالإجماع الشعبي الكبير الذي ساد المغرب أيام المسيرة الخضراء، ونحن نرى هبة وطن بأكمله على قدم رجل واحد وبهدف واحد : توقيف هذا الفيروس والانتصار عليه. إجماع لا يمكن أن يشكل مصدر فخر لنا جميعا. التضامن يعني أيضا السلوك اليومي لكافة المواطنين. أليس أمرا يدعو للفخر أن نرى هؤلاء الشباب، بكماماتهم الطبية وسوائلهم المعقمة، وقد عقدوا العزم على تقديم مختلف أنواع الخدمات للمحتاجين أو تعقيم وسائل النقل العمومية، على حسابهم الخاص؟ والآخرون الذين يقتسمون ما يملكون مع الجيران.. ألم يظهروا حسا وطنيا وإنسانيا نموذجيا ؟ يجعل منا هذا التضامن الشعبي العارم أمة بحق. سنكون جيشا لا يقهر ونحن نتسلح بالالتزام والتضامن، وأن نحافظ على هذه الروح مهما طال زمن هذا الوباء. سنتعدى جميعا هذه الأزمة أكثر قوة لأننا أكثر اتحادا اليوم، فخورين بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم.. لأننا شعب عظيم.