هنري كان واحدا منا. فراقه اليوم هو فراق عزيز عاش بيننا دهرا، وساهم في أفراحنا الكروية لسنوات طويلة. حكاية مجد كان بالإمكان أن يأخذنا إلى ألق أكبر لولا الكثير من سوء الحظ، ولولا مؤامرة البرازيل والنرويج التي أخرجتنا من كأس العالم 98 بقصد خبيث. ليلتها، ليلة ال23 من يونيو بملعب جوفروا غيشار في سانت اتيان، انتحب طويلا، معانقا الهداف المكناسي عبد الجليل هدا (كماتشو)، في صور لا تزال عالقة بالأذهان. نحيب يقول الكثير عن أي عشق حمله هنري ميشيل في دواخله لهذا الوطن. في مسيرته الرياضية انتصر كثيرا، وانهزم كثيرا، لكن دموعا كالتي سالت على وجنتيه في تلك الأمسية كانت بلا سابق ولا لاحق. انتشل هنري ميشيل المنتخب الوطني من سنوات ضياع طويلة امتدت لثماني سنوات كاملة. في خريف العام 1996، قبل تدريب الأسود، وإعادة وضعه في سكته الصحيحة، سكة الانتصارات والسيطرة واللعب الكبير. أبقى على أسماء كبيرة كانت عماد المنتخب السابق، منها نور الدين نيبت والطاهر لخلج والحضريوي ومصطفى حجي وأحمد بهجة، وأقحم أسماء كانت في بداية المشوار وآمن بها، وأصبحت فيما بعد جواهر خالدة، كصلاح الدين وبصير وعبد الجليل هدا ويوسف شيبو وعبد الإله صابر وسعيد شيبا. النتائج جاءت رائعة. اكتساح إفريقي في تصفيات مونديال 98، وترتيب غير مسبوق للأسود في تاريخ الفيفا، بعد احتلال المركز 13 عالميا لشهرين قبل المونديال الفرنسي. حكايته مع الرجاء لا ينساها الخضر. هنري ميشيل قاد الفريق بين موسمي 2003 و2004 إلى ألق إفريقي آخر، عبر التتويج بكأس الاتحاد الإفريقي سنة 2003 من أرض الكاميرون، وكان سببا في فوز الخضراء بالدوري الوطني على الرغم من مغادرته للفريق قبل أربع دورات من خط النهاية. كان هذا التتويج الوحيد لهنري ميشيل كمدرب في مسيرته المهنية التي انطلقت مطلع الثمانينيات، بعد الفوز بذهبية مسابقة كرة القدم في دورة لوس أنجلوس الأولمبية العام 1984. قاد الكاميرون وساحل العاج لمونديالي 1994 و2006. عن سن السبعين غادرنا هنري ميشيل،صباح الثلاثاء إلى دارالبقاء بعد صراع طويل مع المرض. لعب للمنتخب الفرنسي في 58 مناسبة، سجل فيها 4 أهداف، وشارك في نهائيات كأس العالم 78 بالأرجنتين. في الأندية دافع عن ألوان فريق واحد: نانت الفرنسي، من 1966 إلى 1982، توج خلالها بطلا لفرنسا سنوات 1973 و1977 و1980، وكأس فرنسا في 1979. في تلك الفترة كان نادي سانت ايتيان الفرنسي يحرق الأخضر واليابس، وكان نانت يقاوم بأناقة، يمتحها من قائد وسط الميدان، وعقله المدبر، هنري ميشيل. رحل عن عالمنا محب الحياة صاحب «كرة النخوة» والإيقاع العالي، لكنه بالمؤكد لن يرحل عن قلوب المغاربة تحديدا. لقد كانت له معنا صولات وجولات نعتز بها.