منذ أن وقع إعفاء الوزراء والمسؤولين المعنيين بتعثر مشروع منارة المتوسط، ورئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران يتلفع في صمت غير حكيم بالمرة، ينوب عنه في الحديث ثلة من المقربين وقليل من الحواريين، وبعض الأنصار. كلمتهم الوحيدة، وجملتهم المفتاح: ابن كيران لا علم له بمشروع منارة المتوسط أصلا وهو لم يره إلا عبر التلفزيون مثل بقية المشاهدين العاديين" الجملة كبيرة، ووقعها عظيم، وهي تتطلب فعلا بعض الكلام لأن الساكت عنها سيكون شيطانا أخرسا ومسائلها سيكون صادقا لأنها ليست حقا يراد به باطل ولكنها الباطل، الذي يراد به التمويه والاستمرار فيه، مما يفرض طرح بعض الأسئلة الصغيرة لمناقشة من يقولون هذا الكلام محاولين تبرئة ابن كيران من أي مسؤولية حكومية في هذا الملف كله ابتدأت حكاية التوقيع على مشروع منارة المتوسط بالحسيمة منذ صيف 2015 . أربعة عشر وزيرا ومسؤولا كبيرا في الدولة تحولوا حتى الريف المغربي لكي يوقعوا أمام ملك البلاد على مشروع تنموي جهوي جد متقدم في كل عناوينه. لنفترض فعلا أن ابن كيران لم يكن له علم بالموضوع، وأنه تابعه عبر التلفزيون وعبر شاشات القنوات مثلما يقول بعض المقربين منه، وأنه لم يعرف أن وزراء لديه في الحكومة ومعهم مسؤولون كبار قد ذهبوا إلى الحسيمة للتوقيع على المشروع. لنتسلح بكل النية الحسنة ولنحاول تصديق هاته الأ سطورة، هنا لابد من طرح السؤال الأول : كم مجلسا حكوميا ترأس الرجل بعد التوقيع على المشروع الذي لم يعرف به إلا عبر التلفزيون مثلما "زعموا"؟ ألم يسأل وزراءه عما وقع؟ ألم يحادثهم بشأنه؟ ألم يعاتبهم أنهم ذهبوا دونه ودون إخباره؟ ألم يخبرهم أنه لم يعرف إلا عبر التلفزيون؟ ألم يسألهم عن التفاصيل؟ لو كان عبد الرحمان اليوسفي في مكانه، أو ادريس جطو أو عباس الفاسي وهم الوزراء الأوائل الذين سبقوه إلى منصبه الذي غادره بعد خمس سنوات كاملة مكتملة فيه مكانه هل كانوا سيقومون بهذا الفعل؟ أم تراهم كانوا سيأتون فعلا آخر؟ السؤال بدارجة المغاربة الواضحة موجه إلى ابن كيران على هاته الشاكلة: لماذا سكتت ولماذا لم تتحرك أم أنك "مامتبع والو؟" الحقيقة هي أن الدستور واضح في هاته النازلة، وابن كيران أو مقربوه الذين ينقلون عنه هذا الكلام ملزمون بالإجابة: هل دستور المملكة يمنعه أم يلزمه بالتحرك في نازلة مثل هاته لمتابعة ما جرى فيها وبخصوصها؟ هم أيضا ملزمون بالإجابة على سؤال: لماذا لم يواكب ابن كيران المشروع؟ لنترك حكاية التوقيع جانبا، ولنفترض دائما في إطار حسن نية لا نريدها أن تسقط في البلاهة أننا نسينا هذه الأسئلة. لنعد الآن إلى الحسيمة وقد وقع فيها ماوقع وخرج الناس يطالبون بالمدرسة والمستشفى وتعبيد الطرق والماء الصالح للشرب، وتسريع إنجاز المشاريع التنموية الموجهة إلى مدنيتهم ومنطقتهم، والتي ضلت السبيل ولم تعرف الطريق إليهم، هنا أيضا لامفر من طرح أسئلة واضحة دقيقة على الرجل وعلى من يلوكون كلام المنارة ومشاهدتها في التلفزيون هذا: يومها هل نزل ابن كيران إلى الحسيمة؟ هل تذكر أنه شاهد عبر التلفزيون مشروعا تنمويا كبيرا وقع عليه أكثر من 14 وزيرا ومسؤولا؟ هل طرح عليهم السؤال: أين وصل مشروعكم؟ هل ذهب إلى المدينة المعنية بالمشروع لكي يرى أين وصلت الأشياء؟ هل قام بشيء ما؟ هل واكب؟ هل تحرك؟ مؤخرا ولأن المقارنة تفرض نفسها، وعندما خرجت احتجاجات في الجنوب تطالب بالماء وتطرح موضوع العطش، تحرك مجلس وزاري بأكمله حول الموضوع، وأعقبه مجلس حكومي، وتحدث سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالية عن مطالب السكان وعن ضرورة مواجهة هذا العطش القادم إليهم، وذهبت وزيرة القطاع شرفات أفيلال إلى تنغير، واستنفرت الحكومة كل أدواتها ووسائلها لكي ترد على مطالب عادلة لمواطنين صرخوا، هنا لامفر من مقارنة الوضع بالوضع ومساءلة مقربي ابن كيران، مادام هو صامتا يتأمل: هل قام ابن كيران بالمثل أيام الحسيمة؟ أم تراه كان منشغلا بمشروع تنموي جهوي آخر وضعه ورسمه وكان يتابعه ماجعله منشغلا عن متابعة مايجري في الحسيمة؟ أم أن السؤال الحقيقي البسيط ظاهريا العميق في كل معانيه الداخلية هو موجه لابن كيران بشكل واضح ومغربي لا يقبل جدلا: "واش جيتي غير تاكل وتمشي" معتبرا أن الأشياء الجيدة هي لك وأن الأشياء السلبية يجب أن تحسب على الآخرين كل الآخرين ؟ شيء ما في حكاية مشاهدة المنارة عبر التلفزيون يجب أن يتوقف، وأن يجد إجابات شجاعة وواضحة، لأن المغاربة الذين صوتوا على دستور 2011 المتطور لم يفعلوا ذلك لكي تهديهم تطورات الأيام وصروف السياسة في الختام رئيس حكومة يكتفي بمشاهدة المنارة عبر التلفزيون، ويصمت في الختام تاركا المقربين يزدردون ماشاؤوا من الثوم بأفواههم، لسبب لا يعلمه إلا الله وابن كيران بطبيعة الحال. أين كان الرجل الذي يشاهد المنارة في التلفزيون فقط أيام كانت المنارة تهتف مطالبة حكومته ببعض دلائل الحياة؟ لعله كان مشغولا بتجويد برنامجه الخاص بالشو عبر البرلمان، وبلعبة « تقشاب » قال له الصادقون حينها إنها لاتضحك أحدا وأن في طياتها كثير البكاء المقبل. لم يتقبل يومها سماع كلمة انتقاد واحدة، وقرر تقسيم المغرب إلى « مفسدين فاسدين » هم من يعارضونه، وإلى صالحين مصلحين يقودهم هو إلى حيث يريد، ومايريده واضح ظاهر: أن يبقى هو في كل المناصب وأن يذهب الآخرون، سواء في منصب الثالثة لحزبه، أو في منصب رئيس الحكومة الذي يرى ألا أحد يصلح له في المغرب عداه، أو فيما عدا ذلك من زائلات الدنيا التي لا تملأ عين إلا من لم تعد الآخرة تقول له شيئا على الإطلاق.