قدر مر بطعم الموت، ما أقساه، يرحل نور الدين (كشطي ) فجأة في حادثة سير، و أول أمس الخميس يرحل محمد (سكري) بعد صراع مع المرض. هل هو آخر حبل سري وصري يربطني بدهشة الاكتشاف وفرحة العثور على كنور السينما ولذة الفرجة. في قصة نور الدين كشطي كان هناك شيء من السياسة وشيء من الجوار وشيء من العلاقة الإنسانية، أما في حكايتي مع محمد فكان هناك شيء من الملح وتحية حب وتقدير للأستاذ وحب للسينما وبائع الأفلام أو بائع الأحلام في إحالة على الفيلم الرائع للمخرج الإيطالي جيسبي توناتوري، كان لقاؤنا عند بائع الأفلام طقسا شبه يومي، «كاين شي جديد» يسألني وأجيبه بالكشف عما عندي من كنز عثرت عليه، ومن غنيمة اغتنمتها، ثم نتبادل الحديث عن هذا الفيلم وذاك المخرج وأقترح عليه فيلما ويوصيني بمشاهدة أفلام أخرى. تمر الرسائل والوصايا بشكل طبيعي وسلس لا عائق فيه لمواضعات أو بروتوكولات الأستاذية، والسبق في الميدان، ولا نظرة من فوق إلى أعلى . شيئا فشيئا توطد هذا التواطؤ السينمائي الجميل بيننا وتحول إلى صداقة جميلة وخفيفة، صوفت، تيه في باب مراكش من أجل «كاسكروط » لذيذ من اكتشافي ثم عصير فقهوة في مقهى «لاشوب». كنت لا أناديه ولا أودعه ولا أسأل عنه إلا بلقب الأستاذ. ربما كان لا يعرف اسمي الكامل بالضبط وكنت لا أعير الأمر أي اهتمام، فهذا التواطؤ السينمائي الجميل يكفيني . كنا في بعض الأحيان نتفق في تواطؤنا ومرات نختلف، لكنه اختلاف ناعم «صوفت» أذكر أني التقيته بعد العرض قبل الأول لفيلم محمد مفتكر «براق » في سينما ميغاراما، فسألني عن الفيلم فقلت له بأنه لم يعجبني، ففيه كثير من التجريب وأضفت أن القصة كان من الممكن أن تحكى بطريقة أخرى ببساطة وعمق و ذكرت بحضور بصمة المخرج الأمريكي ديفيد لينش، ونسيت بصمة المخرج الإسباني ذي الأصل الشيلي أليخاندرو أمينبار. وبالفعل، لما كتب محمد سكري مقالا عن فيلم «براق » ذكر لينش وذكرني بأليخاندرو أمينبار، لكن لم يكتف بهذا فقد عبر لي عن رأيه الخاص في محمد مفتكر، ابن الحي المحمدي الذي صنع نفسه بنفسه وأكد أنه من المهم أن يكون في المشهد السينمائي المغربي مخرج مثل محمد مفتكر مختلف عن الآخرين وعن الطاغي والسائد في الساحة . حدثني ذات يوم عن السيناريو الذي كتبه لفيلم « موشومة » الذي أخرجه لحسن زينون . وكلمني عن التناص السينمائي إن صح التعبير للعديد من المخرجين المغاربة وتحدثنا عن أشياء أخرى . سمعت عن مرضه لأول مرة من بائع الأفلام، قال لي الأستاذ مريض، والتقيت ذات يوم سكري في نفس المكان عند بائع الأفلام، وسألته عن وضعه الصحي فقال لا بأس و إنه يشعر بتحسن، ولما سمعت أنه اشتد عليه المرض هاتفته من المكتب بالجريدة فسألته عن حاله فقال لي إنه يتابع العلاج ويتحسن، ولما سألته إن كان في الإمكان أن أكتب خبرا في هذا الصدد، التمس مني ألا أفعل حتى «ما نخلعش» الناس . وذات مساء التقيته هذه المرة عبر شاشة القناة الأولى في روبورطاج من المصحة التي كان يرقد فيها، فسمعت أمله في الشفاء بعد متابعة العلاج، لكن القدر لم يمهله، وشاء أن يودع محمد سكري دنيا الفن والحياة في زوال يوم الخميس تاركا كثيرا من الحزن والأسى في قلوب زملائه وأصدقائه وعشاق الفن السابع وأيضا كثيرا من الحب