في الجزء الثالث من الحوار التالي مع مدحت روني بوريكات، يكشف حقيقة اعتقال المختفي قسرا والمجهول المصيرالحسين المانوزي من طرف الدرك قرب تمارة، ويفشي سر مقتله بسبب التعذيب بمركز الدرك بالسويسي بالرباط أثناء التحقيق معه، وأيضا مكان دفن جثته في المعتقل السري «P.F.3، وأسماء من نقلوا جثته ومن تكلف بردمها في مقبرة جماعية تحوي رفات عدد من الضحايا. المعتقل السابق وآخر من رأى الحسين المانوزي بعد فراقهما مباشرة بعد تنفيذ عملية هروب من المعتقل السري منذ 13يوليوز 1975، صرح ل «الأحداث المغربية» بتفاصيل قدمها لقاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط، وخاصة أسماء يمكنه الاستماع إليها لكشف الحقيقة التي لا تزال تصر عائلة المانوزي على معرفتها وخاصة والديه الحاج علي المانوزي وخديجة الشاو وإخوته وكل الحقوقيين، مادامت حالته قد أدرجت ضمن الحالات المتبقية من المختفين ومجهولي المصير. متى اعتقلتكم الشرطة من البيت؟ اعتقلوا أخي علي في الفجر حوالي الخامسة صباحا، ثم بعدها حضروا للقبض علي أنا وأخي بايزيد حوالي العاشرة صباحا. نقلوكم إذا من «الكومبليكس» إلى «النقطة الثابتة 3»؟ نعم بعد «النقطة الثابتة 3» إلى أين نقلوكم بعدها؟ بقينا في معتقل «النقطة الثابتة 3» لمدة سنتين، إلى حين هروبنا، فنقلنا بعدها بأيام إلى مكان آخر. إلى أين نقلتم؟ نقلنا إلى مركز الدرك بحي السويسي ثم أين أيضا؟ بعدها نقلونا إلى «مركز شخمان». وبعد مركز «شخمان» ؟ نقلونا إلى مقر القيادة العليا للدرك الملكي. بعد أن قضيتم فترة في القيادة العليا للدرك، نقلتم إلى أين؟ رحلنا إلى معتقل «تازمامارت». كم دامت الفترة من لحظة هروبكم إلى حين الزج بكم في معتقل تازمامارت؟ حوالي ست سنوات ونصف. كم مكثتم في مقر القيادة العليا للدرك الملكي؟ خمس سنوات ونصف. أريد أن أعرف، لماذا اعتقلتم وأنتم أبناء عائلة مقربة جدا من دوائر القرار؟ لا أعرف. ألم تكونوا تسألوا المحققين لم تم إلقاء القبض عليكم والزج بكم في كل تلك المعتقلات؟ لا أحد كان يبالي بنا، أو يقدم لنا إجابة. ألم تقدم لك أية مبررات أو تفسيرات؟ أبدا. ماذا عن والدتك وأختك؟ بعد اعتقالنا في مركز «شخمان» تم نقلهما إلى مكان آخر، لا أعرف كم بقينا رهن الاعتقال، بعد أن نقلنا إلى تازمامارت كان الجو حارا وتصادف مع شهر يوليوز، واستمر الجو الحار إلى غاية شتنبر، لكن والدتي وأختي بقيتا رهن الاعتقال لأشهر عديدة. متى نقلتم إلى «تازمامارت»؟ لا أتذكر. في أي شهر؟ كل ما أتذكره أن ذلك كان في فصل الصيف، لأن الجو كان حارا جدا، وقد يكون شهر يوليوز أو غشت. ماذا كان مصير والدتك وأختك؟ كنا نسمع صوتهما في مركز «شخمان»، وبعدها نقلتا، ولست أدري إلى أين، وبعد ذلك علمنا أنهما وضعتا في دهاليز الدائرة الأمنية المركزية للشرطة، وسوف يتعرف عليهم اأشخاص نعرفهم، وحكت لي أختي، لأن أمي توفيت دون أن نراها.. هل توفيت وهي رهن الاحتجاز؟ لا، كانت مريضة جدا بسبب ظروف الاعتقال، وحين أفرج عنها، اشتد عليها المرض، وتوفيت، وتحكي لنا أختي أنهما بعد فترة قضوها في دهاليز الدائرة الأمنية المركزية للشرطة، نقلتا معا إلى معتقل درب مولاي الشريف. هل تقصد معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء؟ نعم. كم بقيتا هناك ؟ حوالي سنة وأكثر. ومنه أطلق سراحهما. سنعود إلى «تازمامارت» فيما بعد، ولكن أريد أن أعرف، ألم يثر اسم الحسين المانوزي طيلة فترة الاعتقال وانتقالكم من معتقل إلى آخر؟ لا. ألم تسمعوا إن كان قد اعتقل خلال هذه الفترة؟ حين كنا معتقلين في مركز الدرك المسمى «شخمان»، علمنا أنه تم اعتقاله بعد شهر أو شهرين ونصف، جاء دركي من الفوج المتخرج حديثا من مدرسة تكوين الدرك، وربطنا معه علاقة صداقة لأنه كان يحرسنا، وأخبرنا أنه في أحد الأيام وبينما كانت المراقبة في الطرقات بعد هروبنا من معتقل «النقطة الثابتة رقم 3» مرت دراجة من نوع «موبيليت» يركبها شخصان، كان يقودها شخص ووراءه يركب الحسين المانوزي، وكان يرتدي جلبابا، ولم يحلق لحيته، وكان الدركيون يراقبونه من سيارة «جيب»، وأعتقد أنهم تعرفوا عليه. أين بالضبط؟ لم يخبرني بالضبط أين، لكن سنعرف فيما بعد أن اعتقاله تم في نواحي تمارة. وماذا بعد؟ قال لنا الدركي إن المانوزي هبط من الدراجة، وتوجه نحوهم، وخاطبهم: هل تبحثون عن المانوزي؟، وكانت صور كبيرة له في «سيارة الجيب». فقال لهم : أنا هو الحسين المانوزي. فاستغربوا، وألقوا القبض عليه في الحين. هل كان يرتدي حين فراركم الجلباب ذاته؟ لا، كان يرتدي بذلته الأنيقة، لأنه حين اختطف من تونس أحضروا معه حقيبة إلى معتقل «النقطة الثابتة 3»، وبقيت معه، لأنه كان متوجها إلى تونس ليقضي عطلة شهر رمضان بعد عمله في ليبيا، وقبل هروبه معنا أعادوا إليه حقيبته، وكان يضعها في زنزانته. هل سمعتم فيما بعد ماذا كان مصيره؟ بعد عامين ونصف تقريبا، حين كنا في مقر القيادة العليا للدرك الملكي، أخبرنا أحد الدركيين، الذي كان يحرسنا طيلة اليوم وهو رئيس الحراس، وكان يحرسنا يوما فيغيب يوما، ومكث معنا خمسة إلى ستة أشهر. كنت أتبادل الحديث معه خفية حتى لا يكتشفوا أمره، قال لي بعد أن أخرج إخوتي للفسحة، وتأخرت أنا في الزنزانة، هل تعرف المانوزي؟ قلت له: نعم. قال لي: هل أنتم شركاء في جريمته. سألته: أية جريمة؟ نحن لم نقم بأي جريمة، نحن هربنا من معتقل وكفى، ولسنا شركاء معه في أي جريمة. سألته: أين هو؟. فأجابني: بعد خروجكم من مقر الدرك السويسي تم إحضاره حينها بعد القبض عليه. متى نقلتم إلى مقر الدرك بالسويسي؟ بعد عشرة إلى خمسة عشر يوما نقلنا من معتقل «النقطة الثابتة 3»، وفي هذا المعتقل الأخير قضينا أسبوعا أو عشرة أيام من تنفيذنا عملية الهروب من معتقل «النقطة الثابتة 3»، أي أنه تم اعتقاله بعد حوالي عشرين يوما من عملية الهروب. أين اعتقل؟ نقلوه إلى مقر الدرك الملكي، وأخبرني الدركي أن الزنزانة التي وضع فيها أخي هي التي وضع فيها المانوزي، وتعرض فيها للتعذيب حتى مات، وعانى من شدة التعذيب فلفظ أنفاسه بسببه. أنت تقول إذا إن الحسين المانوزي مات في مركز الدرك وهو رهن الاعتقال؟ نعم. مات في مركز الدرك بحي السويسي، أليس كذلك؟ نعم مات في مركز السويسي. بعد عشرين يوما من عملية الهروب؟ نعم، وحينها لم نكن نحن معتقلين في مركز السويسي، وقد يكون أحضر بعد أن نقلنا منه. إلى أي حد هذه الرواية صحيحة؟ أظن أنها أقرب للصحة، لأن الدركي أخبرني أنه مات تحت التعذيب في مركز السويسي، وقد يكون نقل من قبل إلى مكان آخر وهناك عذب، ثم أحضروه ليكملوا التحقيق معه في المركز، ومات. ألم يخبرك الدركي ماذا فعلوا بجثته؟ قال لي إنه دفن بالمكان الذي هربنا منه، وهناك تم ردم جثته شأنه شأن العديد من الضحايا الذين لفظوا هناك أنفاسهم، والذي قام بنقله ودفنه هو «موح» وأولاده أي حراس معتقل «النقطة الثابتة 3». هناك ردمت جثث عديدة بعد خلط التربة بالجير وزرعوا نبتة النعناع فوقها وهو ذاته الذي نعد به الشاي. كان «موح» جلادا هناك؟ ماذا تقصد؟ أريد أن أقول إنه كان حارسا هناك، أليس كذلك؟ هو رئيس الحراس، وهم حوالي 120 حارسا وكلهم من عائلته. هل يمكن أن تصف لنا هذا الحارس؟ كان قصيرا، ولكن له قوة بدنية، وكان كبير السن. هل الدركي الذي أخبرك بهذه الرواية تثق فيه كثيرا؟ أظن أن ما أفشاه لي صحيح، لأنني ربطت معه علاقة صداقة، بل الأكثر من ذلك أرسلته ليزور والدتي سرا دون علم رؤسائه، وبالفعل زارها في البيت الجديد الذي انتقلت إليه بعد إطلاق سراحها، وقد طلبت منه أن لا يزورها مرة ثانية حفاظا على سلامته وحتى لا يتعرض لما تعرض له الحارس مولاي علي. ماذا كانت رتبته في الدرك؟ كان دركيا عاديا حينها، وحديث التخرج من المعهد. من أين ينحدر الدركي؟ هو أمازيغي من الأطلس ربما. رواية مقتل المانوزي في مركز الدرك السويسي، هل حكيتها لقاضي التحقيق؟ نعم، كل ما قلته لك الآن صرحت به لقاضي التحقيق.