روبرتاج : سعيد نافع / عدسة: إبراهيم بوعلو «إصلاحية عكاشة» : دخول جديد بآمال كبيرة في التعلم والإصلاح نصف النزلاء المسجلين بالدراسة والتكوين ينجحون سنويا والإقبال المتزايد فرض نظام التفويج على سبيل التقديم: قبل دخول السجن لابد وأن تقفز الأسئلة إلى ذهنك، من مختلف المرجعيات والمصادر، وأنت تتجاوز بوابة مركز الإصلاح والتهذيب بعين السبع، غير بعيد عن المركب السجني المعروف هناك ب ‘‘ عكاشة ‘‘. أسئلة قادمة من متن كامل من الروايات ‘‘ السيئة‘‘ حول ما يدور وراء أسوار هذه المؤسسة الخاصة بالأحداث والقاصرين . توقعنا في ‘‘ الأحداث المغربية ‘‘ و ‘‘ أحداث . أنفو ‘‘ أن تتلقفنا الصورة النمطية الجاهزة حول المكان ونحن نخطو خطواتنا الأولى داخل المعقل. كنا ننتظر أن تطل علينا من هنا ، مشاهد سوء المعاملة والتقصير، أو أن نعثر هناك على آثار للقمع و اللامبالاة . غير أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق . والصور النمطية سرعان ما انهارت أمام حجية الوقائع الماثلة أمامنا . صادف موعد حضور طاقمي ‘‘ الأحداث المغربية ‘‘ و ‘‘ أحداث . أنفو ‘‘ داخل المؤسسة الإصلاحية، اليوم الأول لعملية الدخول المدرسي والعودة إلى حجرات الدرس في ربوع تراب المملكة، وكذلك كان الأمر داخلها. ‘‘ طبعا ليس كل شيء مثاليا وكاملا …‘‘ تقول مديرة المركز، قائد سجن ممتاز، خديجة اعميرة، وهي تستقبلنا على بعد أمتار من بوابة المعقل، مضيفة ‘‘ صحيح أن الصور النمطية السيئة على المؤسسة رائجة ومنتشرة ولكن أستطيع أن أؤكد أنها ليست صحيحة بالمرة وهذا ما يمكنكم التأكد منه بأنفسكم ‘‘. توزعت مباني المركز أمامنا في نظام خاص معتمد من طرف الإدارة، وكانت أولى اللافتات المكتوبة أمام أعيننا ، تشير إلى ‘‘ مدرسة الإصلاحية ‘‘ . حركة في القسم
كانت الحركة غير عادية في الجناح الخاص بالدراسة داخل مركز الإصلاح والتهذيب بعين السبع. دخول مدرسي مصغر بكل تفاصيله كان يطغى على المكان، المركب من ثلاث حجرات دراسية كبيرة الحجم. حضر التلاميذ الذين يقضون أحكاما سجنية إلى الحجرات في انتظار قدوم الأساتذة . حسب الجدول المسطر لليوم الأول من الدراسة، امتلأت حجرتان دراسيتان بصورة شبه كاملة، وتعلق الأمر بحصتي اللغتين العربية والفرنسية . الفضول كان يسيطر على أعين التلاميذ المعتقلين، وحضور الوفد الصحفي دفعهم لفضول أكبر. بعد وصول الأساتذة، القادمين إلى المؤسسة وفق شراكة بين مندوبية السجون ووزارة التربية والتعليم، انطلقت أولى الدروس المتعلقة بالتعريف بالمنهاج الدراسي وتقريب التلاميذ من شخصية المدرس وطريقة عمله . أستاذة اللغة الفرنسية أكدت ل‘‘ الأحداث المغربية ‘‘ أن الدراسة داخل فصول المؤسسة السجنية تسير بصورة عادية تمام مثل الدراسة العادية في الخارج . وأشارت إلى أن الرغبة في الدراسة قد تكون هنا ‘‘ أكبر ‘‘ لأنها الوسيلة الوحيدة المتوفرة ل ‘‘ الابتعاد ‘‘ ولو ذهنيا في شرط الاعتقال . الدراسة قد تصبح كذلك وسيلة نفسية لإعادة التساؤل مع الذات، لدى هؤلاء الجانحين القاصرين ، حول أهمية المعرفة ودورها الأساسي في تحسين وتهذيب السلوك، ولم لا تأسيس بداية جديدة نحو المستقبل . مركز الإصلاح والتهذيب بعين السبع يسمح لكل المعتقلين، الذين كانوا يتابعون دراستهم قبل أن يتحولوا لسجناء، بمتابعة دراستهم عند نفس المستوى. يمكن للنزلاء متابعة الدروس في الاسلاك التعليمية الثلاث : الإعدادي والثانوي والجامعي . شريطة أن تتوقف الدراسة في المركز في سن العشرين، لأنه السن الذي لا يحق قانونيا للمركز الاحتفاظ بالأحداث فيه . سنويا، يجتاز المسجلون بالدراسة في المركز الامتحانات بالتزامن مع توقيت إجراء الامتحانات العادية أو الإشهادية في المؤسسات العمومية المغربية، فيما تختلف نسب النجاح في كل الأسلاك، وتظل مهمة بالمقارنة مع حجم وعدد المسجلين . مهن للمستقبل … والأمل
أكبر أجنحة المركز، بعد المعتقل بطبيعة الحال، هو الجناح الخاص بمحترفات التكوين المهني. فور ولوجنا إليه، كان المسؤولون عن الجناح بصدد إجراء التصنيف الأولي للراغبين في الالتحاق بشعب التكوين المهني التي يوفرها المركز والتي تعرف إقبالا كبيرا . ‘‘ التصنيف الأولي يراعي رغبات المترشح ‘‘ تشرح مديرة المركز خلال الجولة التفقدية لمرافق هذا الجناح، قبل أن تضيف ‘‘ غير أن التصنيف والتوزيع الأول لا يعتمد بشكل نهائي. فقبل أن يسجل النزيل المترشح لشعبة ما من شعب التكوين المهني، يتم استدعاء عائلته في التصنيف الثاني، ويتم الأخذ برأيهم في طبيعة الشعبة التي يرغب فيها النزيل مع النقاش حول إمكانيته الذاتية والذهنية والنفسية، ومدى ملائمتها للشعبة المختارة، قبل أن تجري إدارة المركز تصنيفا ثالثا ونهائيا، يتم من خلاله إدماج النزيل بشكل نهائي في الشعبة الملائمة ‘‘ . المشرفون على المحترفات المهنية هم أساتذة للتكوين المهني أو مؤطرين ينتمون للمندوبية العامة للسجون. وتماما كما عاينت ‘‘ الأحداث المغربية ‘‘ في قاعات الدروس بمدرسة المركز، فإن اليوم الأول داخل محترفات المهن خصص للتعريف بالمهنة أو التخصص المهني، مع شرح طريقة التدريس التي ستعتمد خلال السنة . من النجارة إلى المعلوميات، مرورا بالبستنة والحدادة والخرازة والميكانيك وكهرباء السيارات، يتابع نزلاء المعتقل الدراسة نحو مهنة قد تؤمن ‘‘ المستقبل ‘‘ يرح أحد أساتذة مادة الصباغة ل ‘‘ الأحداث المغربية‘‘. ‘‘ قد يجد هؤلاء الجانحين هنا فرصة لإعادة النظر في الطريقة التي يمكن أن يمارسوا بها حياتهم بعد خروجهم من السجن، على أساس كريم ومكسب ماديا أيضا ‘‘ يضيف نفس الأستاذ . كهرباء السيارات، واحدة من المواد التي تحظى بمتابعة خاصة من النزلاء نظرا لأهميتها، وهو ما يحيل على وعي تام بجديد الميكانيكا عموما . فيما كان أستاذ المادة يشرح التحولات العميقة التي طرأت على محركات السيارات خلال العقود الأخيرة، كان النزلاء يتابعون الدرس باهتمام وأعينهم ما تزال عالقة بالرسومات الخاصة بالدارة الكهربائية لمحرك السيارة الذي يعتلي السبورة المقابلة . داخل محترف النجارة المزين بمجسمات خشبية من صنع نزلاء حاليين وسابقين لهذه الشعبة، كان أستاذ آخر يقدم الدرس الأول، مازجا بين دروس التعلم الخاصة بالمهنة ودروس الحياة التي تفيد بنفس القدر، في تكوين شخصية الإنسان. في كل الحجرات الدراسية الخاصة بالمهن، كان واضحا أن الاهتمام شديد و أن الرغبة أشد لدى النزلاء . ‘‘ هذا هو الدور الأول للمركز ‘‘ تؤكد المديرة قبل أن تختم حديثها ‘‘ إذا نجح المركز في استعادة بعض هؤلاء الجانحين من براثن الانحراف والعودة بهم إلى الطريق السليم عبر امتهان حرفة تفيد في الحياة اليومي، نكون قد حققنا جزءا مما من مهمتنا : الإصلاح والتهذيب ‘‘ . كيف يقضي النزيل الحدث يومه بالإصلاحية ؟
عند وصول «الأحداث المغربية» وأحداث.أنفو لمركز عين السبع للإصلاح والتهذيب، صادف هذا الدخول دخولا آخرا : الدخول المدرسي . النزلاء الذين تتوفر فيهم شروط متابعة الدراسة أو ما يصطلح عليهم بالمركز «المسايرين» كانوا في انتظار وصول الأساتذة الموزعين حسب الاتفاق بين المندوبية العامة للسجون ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني. وصول الأساتذة لم يتأخر وسط حضور لإداريي المركز الذي كانوا أداة الربط بين النزلاء التلاميذ والأساتذة. تنطلق أولى الحصص في ساعات الصباح الأولى تماما كالدراسة العادية، وتوزع الحصص حسب جدول زمني يراعي خصوصية واحدة : نزلاء يدرسون في المدة الصباحية حسب نظام التفويج، فيما يدرس زملائهم في الحصة الزوالية. باقي النزلاء من غير التلاميذ أو الذين لا تتوفر فيهم شروط متابعة الدراسة والتدريب في الشعب الخاصة بالتكوين المهني ، يتم إدماجهم في الحصص الرياضية الصباحية التي تمارس في الساحات الثلاث للمركز، على أن يمارس الرياضة زملائهم التلاميذ والمتدربون في الفترة الزوالية . وغالبا ما تشكل الحصة الرياضية مناسبة للممارسة كرة القدم المصغرة، التي تعتبر الخيار الأول للنزلاء . وتبرمج حصص المساعدة الاجتماعية والنفسية، كالتربية الدينية والوعظ والإرشاد، في حصص متزامنة أو متباعدة حسب البرامج المتفق عليها مع مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. توفر الوزارة واعظين ومرشدين، رجال ونساء، للقيام بهذا الدور التربوي المهم داخل المركز . للتغذية موعد قار داخل المركز، وغالبا ما يشرع في تقديم الوجبات حسب الأفواج ابتداء من منتصف النهار. التغذية شكلت دائما مادة انتقادات دسمة من خلال كل ما يروج عن حياة اعتقال القاصرين والأحداث. إفادة مديرة المركز، قائد سجن ممتاز، خديجة اعميرة في هذا الباب جاءت لتوضيح اللبس الذي يلف الموضوع، حيث أوضحت بأن نظام التغذية داخل المركز يتم وفق الجدول الصحي المسطر بين وزارة الصحة والمندوبية العامة للسجون، الذي يراعي الحاجيات البدنية للنزلاء، وفق معايير محددة في اللحوم البيضاء والحمراء والسمك ( 200 غرام إجبارية ) بالإضافة إلى الخضراوات وباقي مكملات التغذية. جديد التغذية في المركز لهذه السنة، يتزامن مع إبرام اتفاقية مع شركة تغذية خاصة، ستقوم انطلاقا من الشهر الجاري بتوفير الحصص اللازمة للتغذية للنزلاء بالمركز، الذين يصل عددهم الإجمالي إلى 847 نزيل . مديرة المركز كشفت أنه ورغم الجهود المبذولة في هذا الإطار، فإن التفكير مازال قائما للرفع من حصة التغذية لكل نزيل ، خصوصا وأن الحاجيات البدنية في التغذية لهذه الفئة من النزلاء ( مراهقون ، أحداث، شباب … ) هي في تزايد مستمر للاستجابة لمتطلباتهم الجسمانية المتسمة بالحيوية والنشاط والتجدد. ودعت المديرة إلى ضرورة التحقق من الروايات المتداولة حول سوء التغذية داخل المركز أو التلاعب فيها، مبرزة أن الأمر يتعلق، أحيانا، براوايات لعائلات تناور من أجل استمرار إرسال «الگفة» إلى أبنائهم أو أقربائهم النزلاء. تستكمل حصص الدراسة والرياضة في الفترة الزوالية وفق مبدأ التناوب المشار إليه سابقا . على أن يعود النزلاء للمعقل مع بداية المساء، حيث يلتحقون بالزنازن، المقسمة إلى أربعة أفرشة موزعة تناظريا إلى زوجين . الزنازن، وكما عاينت «الأحداث المغربية» تتوفر على رشاش مائي للاغتسال في مكان مخصص، يقابله مرحاض عادي. التطبيب والمساعدة الصحية
على اليمين من مدخل المعقل الرئيسي بمركز الإصلاح والتهذيب بعين السبغ بالدارالبيضاء توجد مصحة المركز التي تشرف عليها الدكتورة الروداني ومساعدتها . مكتب صغير مؤثت بالملفات الصحية للنزلاء يدخل الخدمة مؤقتا في انتظار افتتاح المصحة الرسمية للمركز ، التي ماتزال تخضع للإصلاحات. حسب إفادة الطبيبة الروداني فإن المتابعة الصحية للنزلاء تتم بصورة دورية وفق جدول محدد، كما أن الحالات الصحية المستعجلة تعالج في حينه وقد تتطلب أحيانا نقل المصابين للمستشفى . المسؤولة الطبية للمركز كشفت للأحداث المغربية بأن المركز يتوفر على صيدلية خاصة، وأن الحالات التي تتطلب أدوية قد لا تتوفر لدي صيدلية المركز، يتم اقتنائها من الخارج بطريقة عادية وعلى نفقات المركز كما هو معمول به قانونيا وإنسانيا. في نفس السياق، كشفت الدكتورة الروداني بأن أهم الأمراض التي تنتشر بين نزلاء امركز هي الأمراض الجلدية المتأتية من تبادل الألبسة بين النظلاء أو احتكاكها داخل الزنازن، وهو المعطى العادي لدى نزلاء هذه الفئة السنية . ثاني أكثر الأمراض تداولا هي الأمراض التنفسية سهلة الانتقال والعدوى بين نزلاء المركز والسجناء عموما، بالنظر لطبيعة الاعتقال التي تفرض إقامة النزلاء جماعيا في زنانزن يفترض أن تظل مغلقة لساعات طويلة.