تحولت العطلة الصيفية لدى بعض الأطفال إلى فترة لتنمية قدراتهم في بعض المواد العلمية واللغات الأجنبية. فترة يجبر فيها الاباء أطفالهم على الدراسة ويحرمونهم من الاستمتاع بالعطلة كما حدث مع كريم وربيع، حيث استطاع الأول التعود على الأمر، في حين انعكس بشكل سلبي على ربيع الذي تعود على قضاء العطلة في الاستمتاع والمرح. أصبحت الكتب صديقه الوفي الذي لا يمكن أن يذهب إلى أي مكان إلا وهي برفقته، يؤنس بها وحدته، ويتبادل معها الأفكار والمعارف، منذ وعى على الدنيا وهو لا يعرف لنفسه صديقا غيرها، بعد أن انغمس في الدراسة والتعلم حتى في أثناء العطلة الصيفية. تعود على الدراسة في العطلة يقضي وقته بين الحصص المدرسية وحصص الدعم في المواد العلمية التي تؤهله للحصول على أعلى المعدلات، دون إعطائه فرصة للراحة أو الاستمتاع بوقته كغيره من الأطفال، فقد عمل والداه على زرع فكرة أن دوره في الحياة يجب ألا يحيد عن متابعة دراسته والاهتمام بها للحصول على أفضل النتائج. لايعرف كريم طعم الراحة إلا في أوقات معينة يحدده والداه، فقد نشأ منذ الصغر وتربى بطريقة قاسية، يجبره فيها والداه على اتباع نظام صارم في التعلم وفق نظام خطاه له بنفسيهما وحرصا على تنفيذه واحترامه دون تهاون أو استهتار. كريم لا يعرف معنى لوقت الفراغ فكل دقيقة من وقته قد خُطط لها جيدا من طرف والديه، حتى في أيام العطل المدرسية التي يستمتع بها الأطفال ويستغلونها في المرح والسفر. والدا كريم حرصا على أن يكون ابنهما متفوقا في كل المواد التي يدرسها، ليحصل على أفضل النتائج ويتمكن من متابعة دراسته في شعبة تحدد مستقبله المهني. أثناء الدراسة كل شيء في حياة كريم بوقت محدد حسب البرنامج الذي وضع له والداه، فلا يسمح له بمشاهدة التلفاز إلا لساعة واحدة في اليوم، ولا يسمح له بتكوين صداقات مع الأطفال الآخرين مخافة التأثير عليه، حتى وقت النوم عنده بموعد، فهولا يتجاوز التاسعة ليلا. ينتمي والدا كريم لصفوف القوات المسلحة، لذلك تعودا على النظام الصارم في كل شيء، وعودا عليه حتى أبناءهما، وبما أن كريم هو الإبن الأكبر فقد كان له حصة الأسد من الصرامة والحزم في معاملة والديه له. يبذل كريم قصارى جهده من أجل تحصيل نقط جيدة، بالرغم من كونه يعاني من عدم قدرته على الاستمتاع بوقت فراغه مثل غيره من الأطفال، لأنه لم يكن لديه وقت فراغ في الأصل فقد حرص والداه على ملء وقته كاملا. يقضي كريم وقته بين التنقل من الواجبات المدرسية إلى قراءة الكتب العلمية والروايات، التي يمكن أن يطور من خلالها قدراته اللغوية، وعندما ينتهي من كل ذلك يذهب إلى أحد النوادي الرياضية لممارسة رياضة الكراطي التي يعتبرها متنفسا له، وفترة للترويح عن النفس والخروج من جو الدراسة. حتى العطلة الصيفية لم يكن يستطيع كريم الاستمتاع بها، لأن والده كان يصر على تسجيله بإحدى المدارس الخاصة لتعلم اللغات، أو تطوير قدراته في الرياضيات أو الفيزياء بالرغم من تفوقه فيهما. شب كريم على النظام وحب التعلم وعدم تضييع الوقت، وعندما كبر بعض الشيء تعود على ذلك النظام وأصبح جزءا من حياته، بل وأصبح وقت الفراغ يحسسه بالملل والخمول. الدراسة في العطلة انعكست على مردوديته تعود على قضاء العطلة بين السفر واللعب ومشاهدة التلفاز، فما إن يصل وقت العطلة الصيفية حتى يبدأ في التخطيط للأماكن التي سيسافر إليها رفقة عائلته، إلا أن الأمر تغير في السنتين الأخيرتين، حيث بدأ والده يحرمه من فترة زمنية من العطلة يسجله فيها في إحدى المدارس الخاصة. لاحظ الأب أن نتائج ابنه قد تراجعت في المواد العلمية، وهو الأمر الذي سيجعله يختار توجها أدبيا، لا يتماشى مع رغبة والده في دراسة الاقتصاد أو إحدى الشعب العلمية، لذلك قرر أن يسجله في مدرسة متخصصة أثناء العطلة الصيفية حتى يتقوى في هذه المواد. لم ترق الفكرة لربيع الذي يدرس في السنة الثانية من التعليم الإعدادي، والذي تعود على الاستمتاع بالعطلة رغم طول فترتها، وكان يذهب لحضور الدرس على مضض، لأنه لم يتقبل بعد أن يدرس وأصدقاؤه يتمتعون بالاصطياف على شاطئ البحر. كان ربيع يحضر الدروس كنوع من الواجب المفروض عليه، ولكنه لم يكن يعطيها حقها في الاستيعاب والفهم، ولا يجهد نفسه في حل التمارين التي كان ملزما بحلها، لأن انتباهه كان منصبا على مراقبة عقارب الساعة انتظارا لجرس الخروج. انعكس الأمر بشكل سلبي على ربيع لأنه كان يحس أن والده يفرض عليه الذهاب إلى تلك المدرسة، ولا يحب أن يتناقش وإياه في الأمر، فالمسألة محسومة بالنسبة إليه. كره ربيع الدراسة والتمارين، وبدل أن يستفيد من الدروس، يخرج من المدرسة ويذهب للتسكع مع رفاقه، وفي الكثير من الأحيان يتغيب عن تلك الحصص، ويقضي وقته مع أصدقائه. تفكير ربيع بكامله ينحصر في الوقت الذي سينتهي فيه من الدراسة ليكون حرا طليقا يستمتع بوقته كما يريد، لكن أمله خاب لأنه عندما ينتهي من تلك الدروس المفروضة سيكون الدخول المدرسي على الأبواب0 كره ربيع الدراسة لأنه حرم من السفر والاستمتاع بالعطلة، لذلك لم يكن مستعدا للدخول المدرسي لأنه أحس بنفسه مرهقا، وغير مستعد للدخول في أجواء الدراسة من جديد، فهو يحس أنه درس عامين متتاليين من دون عطلة، مما انعكس سلبا على مستواه الدراسي خلال السنة الموالية. مجيدة أبوالخيرات