«رجال في الشمس». عنوان رواية للكاتب الكبير غسان كنفاني. وقائع الرواية تحققت في رحلة هجرة سرية نحو إسبانيا. 11 شابا وقاصرا تتراوح أعمارهم بين 15 سنة وحتى 29 سنة، اختاروا الهجرة داخل صهريج محمول على ظهر شاحنة، متحملين عناء البرد والشمس وقلة الهواء داخله، من أجل تحقيق الحلم. دخلوا مدينة مليلية المحتلة بطرقهم الخاصة، لكن الطريق نحو الجانب الآخر من المتوسط كان صعبا. الشاحنة الصهريجية المتوقفة بالميناء ستكون هي وسيلة تنقلهم، رحلة متعبة بعض الشيء لكنها قد تكون أقل مغامرة من ركوب زورق مطاطي قد لا يصل إلى الضفة الأخرى. جمعوا بعض الورق المقوى "الكارطون" من هنا وهناك ليبنوا ما يشبه أعشاشا لهم داخل الصهريج المحمول، حيث أخذ كل منهم مكانه متخفيا بما جمعه من الورق وبعض الإسفنج القديم، كل ذلك لحمايتهم من البرد وكذلك لإخفاء أجسادهم من أية مراقبة محتملة. كما كانت المدة التي أمضوها داخل الصهريج في انتظار موعد السفر؟ المدة طويلة وتعد بالساعات لكنهم مع ذلك صمدوا ومكثوا هناك، قبل أن يحدث ما لم يكن بالحسبان. دورية للحرس المدني تتجول بمقربة من مكان توقف تلك الشاحنات والحاويات، يلفت انتباهها حركة غير معتادة وصوت من إحدى الشاحنات المتوقفة، لم يكن الشبان المختبؤون يعلمون بقرب العناصر الأمنية منهم، ولعلها حركة طائشة او كلمة أو حتى سعال، هو الذي لفت الانتباه وجعل عناصر الحرس المدني يصرون على البحث الدقيق، ليتمكنوا بعد حوالي ساعتين من الوصول للمكان المشتبه فيه، الشاحنة الصهريجية التي كانت تقل عليها المهاجرين السريين الإحدى عشر.. انقطعت الأنفاس ولا حركة من داخل الصهريج. شعر المختبؤون بعملية التفتيش وكاد بعضهم يختنق من فرط الرعب وعدم التنفس. بدأت عناصر الحرس المدني فعلا البحث بجنبات الشاحنة، قبل أن يصعدوا إلى داخلها ويفتحوا فوهة الصهريج ويدخلون. هاهم من يبحثون عنهم يظهرون تباعا. قاصرون وشبان من مختلف الأعمار يخرج الواحد تلو الآخر يطلون بعيونهم، التي تصبح براقة بفعل انعكاس ضوء المصابيح اليدوية عليها، يحاول بعضهم الاستمرار في التخفي لكن كلمات الأمنيين التي تطالب الجميع بالخروج، سرعان ما جعلتهم يستسلمون الواحد بعد الآخر. يخرجون من فوهة الصهريج بشكل مثير للشفقة، كذلك صورتهم بعض الكاميرات ووصفتهم بعض التقارير الإخبارية، حيث تبين أن الأمر يشمل خمسة قاصرين في حدود الخمسة عشرة سنة من عمرهم، وآخرون من أعمار مختلفة، من بينهم واحد في التاسعة والعشرين من العمر، تعتقد المصالح الأمنية أنه المدبر لتلك الرحلة، وأن له سوابق ومذكرات بحث من لدن أمن مليلية، لعلاقته بعمليات سرقة باستعمال العنف سابقا… تنتهي الرحلة على البر وقبل أن تصعد الشاحنة الصهريجية المركب المتجه لمالقا، وليتجمد حلم هؤلاء الشبان بالعبور بعد أن كانوا قد رتبوا كل شيء ولم يعد يبعدهم عن الحلم سوى لحظات قليلة، لكن سوء الحظ الذي عاكس أصحاب رحلة غسان الكنفاني في منتهى الستينيات أجهض رحلة هؤلاء الشبان حتى قبل أن تنطلق نحو إسبانيا. مصطفى العباسي