في شهر نونبر 1975 حينما كانت الجماهير المغربية في حالة تعبئة واستنفار لتأكيد مغربية الصحراء، سألت إذاعة فرنسا الدولية الكاتب المغربي الطاهر بنجلون عن الفرق بين موقف الشعب المغربي وموقف الشعب الجزائري من مسألة الصحراء فكان جوابه هو أن اقترح بأن تبعث الإذاعة الفرنسية صحافيا إلى الجزائر ويسأل هناك في عين المكان أول مواطن جزائري عن رأيه في قضية الصحراء وأن تقوم نفس الإذاعة بإرسال صحافي آخر إلى المغرب ليطرح نفس السؤال على أول مغربي يلتقي به. وأضاف الطاهر بنجلون أن أقبل التعامل مع ما يمكن أن يقول أي مغربي وما سيقوله أي جزائري لأني أعرف أن أي جزائري سيكون جوابه هو أن قضية الصحراء لا تعنيه من قريب أو بعيد بينما سيؤكد المغربي بأن الصحراء مغربية وأنه مستعد للقيام بأي عمل يؤكد مغربية الصحراء. وتوالت الأعوام وجاءت مرحلة انفجر فيها غضب الشارع الجزائري ضد حكام القطر الشقيق آنذاك قامت الجماهير بإضرام النار في مقر جبهة البوليساريو بالجزائر العاصمة على اعتبار أن الصحراء قضية تهم فقط الحكام الجزائر ولا علاقة لها بالشعب الجزائري الشقيق. ويمكن القول بأن هذا الوضع استمر إلى حد الآن حيث لا حديث عن الصحراء في الجزائر على مستوى الاجتماعات التي تعقدها الهيآت السياسية والمنظمات النقابية والجهة الوحيدة التي تهتم بقضية الصحراء هي التلفزة الجزائرية التي تبحث كل يوم عن أي شيء لإخبار النظارة بأن هناك قضية يجب الاهتمام بها هي قضية الصحراء. وفي هذه الأيام تدهورت الأوضاع الداخلية بالجزائر، وليهرب حكام القطر الشقيق من هذا الواقع لجؤوا إلى حملات تصعيد التوتر مع المغرب. وكرد فعل مغربي قام أحد الأشخاص بنزع الراية الجزائرية من بناية قنصلية القطر الشقيق بالدارالبيضاء، وفي الواقع فإن هذا الشخص ارتكب حماقة لا يدرك مدى خطورتها في فترة احتدت فيها الأزمة بين البلدين. إن نزع العلم الجزائري من بناية القنصلية يمكن اعتباره عملا معزولا قام به إنسان غير مسؤول لا يدرك بوعيه المحدود العواقب الخطيرة لهذا الفعل. وهذا الشخص قدم في النهاية هدية ثمينة لحكام الجزائر، حيث اعتبرت التلفزة الجزائرية أن هذا المشكل يجب أن يصبح عنصرا أساسيا في الأزمة ولهذا استغلوا حادث القنصلية للتصعيد مع أن المشكل هو ما جاء في رسالة بوتفليقة إلى المجتمعين في أبوجا النيجيرية. السيد بوتفليقة بحسب الرسالة التي قرئت باسمه يعتبر وجود المغرب في صحرائه بمثابة وضعية استعمارية في الصحراء الغربية. ومن المؤسف أن تنساق بعض الجهات في الجزائر على غير عادتها لهذه الحملة المعادية للمغرب ولوحدته الترابية على اعتبار أن ما قام به شخص غير مسؤول ليس عملا معزولا. وفي الحقيقة فإن الذين ينظمون في الجزائر هذه الحملة المعادية للمغرب ظلوا لفترة طويلة يشعرون بأن الرأي العام في الجزائر غير مبال ولا متحمس لأطروحاتهم المعادية لوحدتنا الترابية، ومع الأسف فهاهو عمل غير مسؤول في الدارالبيضاء تحاول التلفزة الجزائرية استغلاله وتوظيفه في الحملات المعادية للمغرب. ومن حسن الحظ أن وساطة إماراتية عملت على التخفيف من حالة التوتر، ولهذا عاد السفير عبدالله بلقزيز إلى مقر عمله بالجزائر العاصمة على أساس ألا يصل التصعيد إلى مرحلة يصعب فيها تطويق تداعيات الأزمة. ويبقى علينا في المغرب أن نعرف كيف نتحكم في ردود أفعالنا وألا نترك أشخاصا غير مسؤولين ولا وعي لهم يقومون بتصرفات استفزازية ومجانية يعمل خصوم وحدتنا الترابية على استغلالها واستثمارها لدى فئات واسعة من الرأي العام الجزائري ظلت لحد الآن غير مبالية بأطروحات حكام الجزائر بشأن الصحراء المغربية.