في عز شهر الصيام عشية يوم الأحد الأخير تحولت نزهة استجمامية لثلاثة شبان على متن قارب مطاطي بأكادير، إلى جحيم، هاجمتهم في قلب البحر بمنطقة تيكرت بجماعة تامري رياح عاتية، وقذفت بقاربهم نحو العمق، ولم تعد تنفع لا مجاذفهم ولا استغاثاتهم في شئ. وفجأة لحق بهم أحد معارفهم بقارب مطاطي آخر، بدوره لقي نفس المصير، شعر فجأة أن الريح التي ذهبت برفاقه لم تتركه بدوره، لا هو أنقذ الثلاثي من مخالب البحر الذي يجرهم إلى عمق أحشائه، ولا هو تمكن من العودة نحو الشط. لا أحد على اليابسة، رأى مصطفى وعبد الكريم وعبد الرحيم وجمال وهم يستسلمون للأمواج المدعومة بقوة الرياح، كما لم يعد لليابسة أثر على حد البصر، فمن إذن يمكن أن يبلغ البحرية الملكية أو الدرك البحري بما فعله اليم بأربعة من " ولاد البحر "بعدما خبروا طيلة حياتهم أسراره، وتقلباته ومزاجيته ولم يكونوا يظنون أنه سيغدر بهم ويخون العهد معهم. استمر البحر عشية يوم الأحد لمدة 15 دقيقة في جر القاربين المطاطين والرجال الأربعة نحو المجهول، فبدأ النقاش بينهم للبحث عن كيفية لتدبير المرحلة، وحده مصطفى عمره 38 سنة قرر المغامرة عوض أن يترك البحر يفعل بهم ما يشاء، يجرهم نحو الهلاك، اتفق مع الثلاثة أن يجرب حظه في العودة نحو اليابسة سباحة من أجل إنقاذهم. بعد ترديد الشهادة، تخلص مصطفى من كامل ثيابه، وودع أصدقاءه ثم ارتمى بين الأمواج، ولم تمر 5 دقائق حتى اختفى كليا عن أصدقائه الثلاثة الذين ربطوا القاربين فيما بينهما حتى لا يفرق الموج بينهم، لم يعد يرى الثلاثي إلا زرقة السماء والأمواج المتلاطمة وزجرة البحر المخيفة. تساءل عبد الكريم ترى هل يستطيع مصطفى أن ينجو من كل هذه الأمواج المستقوية برياح عاصفية، ويفلت بجلده نحو الشط ويكون هو الخلاص؟ بينما جمال فقد كل أمل في العودة مجددا إلى اليابسة، وشرع في قراءة القرآن، والدعاء وطلب المغفرة من الخالق، أما عبد الرحيم فقد استسلم لمغص ناتج عن حرقة المعدة، والاضطرابات العصبية الناتجة عن اللحظة، وشرع في مداراة ألمه، مضت ساعتان ونصف على الثلاثي، كان خلالها البحر مازال متحالفا مع الرياح على جرهم بدون اتجاه محدد، وكانت برودة البحر نالت منهم كثيرا لأنهم كانوا شبه عراة في رحلة استجمام صيفية على متن قارب مطاطي يسع لثلاثة عناصر. أول بادرة أمل التقى بها الثلاثي في رحلة التيه، كيس بلاستيكي عائم قادم نحوهم، لاح لهم فالتقطوه لعلهم يجدوا به بقايا أطعمة لسد الرمق، لكن خاب مسعاهم بعدما عثروا بداخله فقط على قنينات فارغة، طيلة الساعتين والنصف لم يصادفهم أي مركب أو باخرة، واعتقدوا أن مصطفى لن يتمكن من أن يقطع كل تلك الأميال، فيبلغ بهم. وبعيدا عن هذه الشكوك، فقد فعلها مصطفى تمكن من العودة إلى الشط سباحة على الظهر، أمضى حوالي ساعة ونصف من العوم، وتمكن من أن يعانق اليابسة في رحلة متعبة أنهكت جسده، وخارت معها قوة ساعديه، وكان أول شي فعله أن توجه لدى جمعية قوارب الصيد التقليدي بتيكرت وأخبرهم بأن البحر جر إلى أعماقه ثلاثة أصدقاء على متن قاربين مطاطيين.الجمعية على الفور أرسلت قوارب للبحث عن مختفين، وأخبرت مركز الدرك الملكي بتامري بالواقعة. باءت مجهودات قوارب الصيد بالفشل في بحثها عن التائهين بين الأمواج، بينما أشعر الدرك الملكي بتامري القيادة الجهوية بالواقعة، وقام بإبلاغ القيادة العليا بالرباط فأعطت الأمر للدرك البحري بميناء أكادير بإجراء الأبحاث اللازمة، واتجهت فرقاطة بحرية مزودة بأجهزة الرصد على متنها عنصران، وتمكنت بالفعل بعد رحلة بحث من رصد القاربين وهما يقاومان الأمواج. ما أن شاهدها الثلاثي حتى انقشعت بارقة الأمل بين شرايينهم فنزعوا سراويلهم القصيرة وشرعوا في التلويح بها بجهة الفرقاطة التي تمكنت من انتشالهم، وفي قلب البحر وسط الفرقاطة تناول العائدون من الموت وجبة الإفطار مع الدركيين، حيث لحقت بهم باخرة تابعة للبحرية الملكية، فكانت العودة من جديد إلى اليابسة وانتهت بتهنئة العائدين من الموت، وبمحاضر استماع للثلاثي.