يحز في نفسي أن أقرأ عن العنف في العالم وفي بلدي الغالي والغني ولا بد أن أستنكره وأصرخ بأعلى صوتي بالقول : لا للعنف من أي مصدر ومهما كانت مبرراته. ولا أنكر تذمري من عنف المشاهد التي ملأت الساحة المغربية بخصوص احتجاجات الطلاب-الأساتذة الذين يطلق عليهم الكثير تسمية "الأساتذة المتدربين" التي لا تطابق الواقع، لأنهم ليسوا إلا طلابا-أساتذة. وأتأسف على العنف الذي يتعرضون له في شوارع مدننا مع أنني أفضل أن أسمع عنهم في القاعات الدراسية ولقد تطرقت في مقال سابق إلى قرارات وزيرنا للتربية الوطنية(قرارات الحكومة) بخصوص هذا الموضوع واتهمني بعض المعلقين بالتملق وبالحصول على مردود مادي لعدم اتفاقي مع مبررات احتجاجاتهم، وبالرغم من كل هذا أود العودة إلى الموضوع لعل الشباب يتعقل وينهي هذه الاحتجاجات التي لن يستفيدوا منها إلا ضياع وقت التكوين والدريهمات عن الشهور التي مضت بدون دراسة. اصراري على هذا الموقف نابع من اقتناعي أنه يبدوا لي أن مطالب الطلاب¬الأساتذة ليست منطقية ولا تملك الشرعية الكفيلة بنجاحها من عدة أوجه: (1) كيف يطالب إنسان تأمين التوظيف وهو لم يحصل بعد على الشهادة التي يطالب بها التوظيف؟ (2) لو تكفلت الوزارة أن تتبنى التوظيف بعد سنة التدريب شرط نجاح الطالب-الأستاذ في اختبارات مواد الدراسة في برنامج التدريب. هل يضمن كل من يتم قبوله في البرنامج النجاح ؟ أليس بإمكان مراكز التكوين وضع معايير مقننة وصعبة بحيث لا يجتازها إلا الأذكياء والماهرون من الطلبة-الأساتذة لا يتجاوز عددهم عدد المناصب التي تستطيع الوزارة ضمها إلى أطرها؟ أيعقل في هذه الحالة ربط التكوين بالتوظيف والمطالبة بامتياز لم تبرره إلا النتائج التي ما زالت في المجهول ؟ إن الجميع يعلم ويدرك بأن الاختبارات شر لا بد منه ولا يتخوف من هذا الشر إلا الذين لا يثقون في تحصيلهم ويسعون بشتى الوسائل للقفز عليها ولو بالغش. ولا يحدد النجاح إلا الجهة التي تضع معاييره وتقول للطلاب-الأساتذة ‘ارونا حنت إديكم'. (3)المنحة، وهي في الحقيقة عين القصيد عند معظم الطلاب-الأساتذة. كانت عالية في السنوات الماضية وانخفضت الآن وأرى أن الاحتجاج على المبلغ لا مبرر له بل يجب النظر إليه على أنه تحسن محترم مقارنة بمنحة سنوات الإجازة. ما فيه من شك أن الوزراء والبرلمانين والإداريين ‘الكبار' مبحبحين ولن يتأثروا كثيرا لو تم تخفيض رواتبهم وإضافة ما تيسر إلى منح ‘الطلاب-الأساتذة'، لكن ديناميكية السياسة والمجتمع والاقتصاد تسير حسب أجواء القوى الفاعلة في المجتمع. كثير من القطاعات متذمرة من سوء التدبير والتمويل بدءا من تمويل الأبحاث ورواتب الأطباء والقضاة ومنح الطلاب والمدرسين والعمال والمتقاعدين والعاطلين عن العمل والذين لم يروا دخلا في حياتهم أبدا ويعيشون عالة على الغير وفي التهميش الأقصى وغيرهم كثير لا يملك سنتيما في جيبه، هذا إن كان له جيب. كل هؤلاء يرغبون في الحصول على دخل محترم يضمن لهم العيش الكريم الذي يحلم به الجميع بما فيهم الطلاب-الأساتذة. إن ما يتجاهله الطلاب-الأساتذة هو كونهم في طور التكوين ولم يدخلوا بعد معترك الحياة ولم يساهموا بعد في إنتاج أي شيء ولا تقديم خدمة مفيدة للمجتمع علما أن من بينهم من لا يستحق مبالغ المنحة لو طبقت معايير الفقر عليهم بجدية ومنهم من تم قبوله لاعتبارات شخصية وربما بالرشاوي. ويضاف إلى هذا أن الوزراء والبرلمانيين(ممثلي المجتمع)لم يوافقوا على المطالب ويساندون قرارات الحكومة التي تملك الأغلبية في البرلمان الذي يعتبر السلطة التشريعية والطلاب-الأساتذة يعرفون هذا وهم الذين حصلوا على إجازات في مختلف العلوم. قد يضاف إلى هذا أيضا توفر الحكومة على وسائل العنف، بالمعنى القانوني، لتنفيذ قراراتها. وما أراه منطقيا في هذا المضمار هو المطالبة بتوحيد قوانين التوظيف وإلزام المؤسسات الخاصة بتطبيقها ومحاسبتها بالمراقبة الجادة وإلزامها بالمساهمة المادية في تكوين الأساتذة. ما هي بعض الحلول،أذن، أمام هذا الوضع؟ نصيحتي لهؤلاء الشباب، ومنهم من تشرفت بتدريسه، أن يلتحقوا بمقاعد الدراسة ويبذلوا أقصى المجهود لاكتساب المهارات الضرورية للالتحاق بمهنة التدريس بالرغم من العقبات التي يواجهونها في طريقهم إلى النجاح في حياتهم المهنية والشخصية. علاوة على هذا فوصيتي الثانية هي أن لا يعقدوا آمالهم على ما يسمى بالنقابات ولا ينتظروا مؤازرتهم والجدية في الدفاع عنهم في معركة خاسرة ومعروفة النتائج. يمكن متابعة النضال بعد الحصول على عمل قار وذلك للمساهمة في تحسين وتطوير نظامنا التعليمي الذي يعاني من الأمراض المزمنة التي يتحدث عنها القاصي والداني. علاوة عن هذا يمكن الانخراط في العمل السياسي والسعي إلى احتلال المراكز التي تخول المرء اتخاذ القرارات التي تفيد منظومتنا التعليمية وسبل حياتنا الاجتماعية ومعالجة بعض الامراض التي كانوا ضحية لها, هذا هو التحدي الذي يجب مواجهته بعد التكوين. آمل أن يعتبر الطلاب والطلاب الأساتذة هذه المرحلة، كمحطة التعب والابتلاء والفقر والتقشف والصبر والحزم والتسلح لنضال سلمي طويل قد لا ينتهي مع آخر رمق لهم، لكن الأجيال الأخرى من بنيهم سيجدون بأن الطريق معبد لمتابعة السير بمجتمعنا نحو الرقي والازدهار والنقصان من الجهل والزيادة من العلم. ولا يحسب القارئ بأن كاتب هذه السطور مسخر للدفاع عن أجندة أحد وهو ما يزال على باب الله وضحية قرارات مجحفة. الدكتور عبد الغاني بوشوار باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير، المغرب الآمن.