غبار أبيض متطاير يكسو الأرض والأشجار والوجوه التي تلاقيها في الطريق المؤذية إلى إمي مقورن الغنية بموارد طبيعية تتمثل في الحصى والكلس والإسمنت، غير أن «خيرها» لا يستفيد منه أبناؤها، الذين لا يعملون بشكل منتظم وكذا في ظروف غير صحية مقابل 100 درهم لثمان ساعات. سكان إمي مقورن يئنون في صمت بسبب الأمراض التنفسية المتفشية، من ربو وحساسية وغيرها، بفعل التعرض المتواصل للغبار والأتربة في غياب من يرفع عنهم ظلما تسببت فيه بيئتهم الغنية بثروات تتمثل في مواد البناء (الحصى – الرخام)، التي تستخرج من المقالع، إضافة إلى مادة الإسمنت التي ينتج منها المصنع الموجود بتراب الجماعة (حوالي 1.5 م طن سنويا). مما يسيل لعاب ذوي الأموال الطائلة الذين يأخذون من دون عطاء. معاناة لا تنتهي حيرة ومعاناة طويلة يكابدها سكان الدواوير المحاذية لمقالع الحصى ومواد البناء والإسمنت بجماعة إمي مقورن، هذه الأخيرة التي تزخر بموارد طبيعية تسيل لعاب ذوي رؤوس الأموال، حيث ما أن تتم الاستجابة لنداء السكان بإغلاق مقلع، حتى يتم فتح مقلع آخر بمحاذاته، إذ سبق لسكان دوار سيدي بومزكيد بجماعة إمي ممقورن أن خرجوا بالعشرات، من شباب ونساء، في مظاهرات احتجاجية عدة على ما يلحقه استغلال المقالع الحجرية لإمي مقورن من تلويت نتيجة الغبار الذي يقتحم يوميا مقرات سكناهم، مع يتسبب لهم فيه ذلك من إزعاج، وما ينتج عنه من أمراض خطيرة لاسيما التنفسية منها. وأقدم المحتجون على تكوين درع بشري على الطريق المؤدية إلى أحد المقالع مانعين دخول وخروج الآليات، وبالفعل تم إغلاق ذلك المقلع وعاينا الأمر حين زيارتنا، لكن فتحت مقالع أخرى، لتستمر المعاناة، وذلك ما أفصح عنه الرعاة الذين أخبرونا بمعاناتهم المستمرة والأضرار المادية المتجلية في تصدع المباني، ونضوب المطفيات من المياه الجوفية وتصخرها، والآثار النفسية الوخيمة للساكنة مع تلك المعاناة والقهر الطويل الأمد. الخوف من العقاب لم يكن من اليسير البتة اللقاء بالسكان، خاصة في الدواوير المحاذية للمقالع، ولا الحصول على تظلماتهم، اللهم بعض الرعاة الذين أمدونا بإفاداتهم نيابة عن السكان بعدما اعتقدوا أننا سنمدهم ببعض المال. أما غيرهم من الشباب فكانوا لنا بالمرصاد، حيث التقينا حين زيارتنا الجماعة بعضا من أبناء المنطقة في ريعان شبابهم يجلسون في استراحة غداء تحت شجرة غطيت أوراقها بالغبار. ترقبونا وحاولوا معرفة سبب وجود زائر غريب لمنطقتهم بأن بعثوا لنا «الشاف ديالهم» الذي أخبرناه بأننا ضللنا الطريق، وبالفعل أرشدنا، لكن أولئك الشباب لم يقنعهم كلامنا حيث ظلت أعينهم ترصدنا وبدأت أصواتهم تتعالى بالرفض حين التقاطنا للصور. والسبب في ردة فعلهم هذه، حسب إفادة أحد الشباب، أنهم يخافون من خسارة «طرف الخبز» إن هم اشتكوا وأبلغوا معاناتهم المرتبطة خاصة بالمقالع التي تحتكرها لوبيات وأناس ذوو نفوذ وسلطة. جمعيات بالاسم الأمر ذاته بالنسبة إلى الجمعيات، خاصة منها التي تهتم بشؤون البيئة، حيث كانت المماطلة وإغلاق الهواتف الجواب الوحيد الذي تلقيناه، بعدما حصلنا على ترحيب أولي وتم تحديد موعد للزيارة لتسليط الضوء على المقالع التي تهدد البشر والحجر وتميت كل ما هو حي بفعل ما تصدره من غبار ومواد كيماوية تتسبب في قتل كل ما هو حي من ماء وأشجار وتربة وإنسان. السيبة تحدث كثيرون عن «السيبة» التي تعرفها مقالع الحصي في جماعة إيمي ممقورن، إذ إن بعض مستغلي المقالع لا يحترمون الأمتار المكعبة المستخرجة من تلك المقالع وفق دفتر التحملات ويتجاوزون المسموح به، مؤكدين تحميل الشاحنات بكميات كبيرة من الحصي دون أن يحاسبهم أحد؟ مقالع ومصنع الإسمنت على مقربة من المقالع تسترعي انتباهك فوهات المداخن العملاقة لمصنع الإسمنت التي تنفث الغبار والدخان وأوكسيد الكربون وغيرها من الغازات مما يؤكد أن هناك مشاكل حقيقية تتخبط في ويلاتها الساكنة المحيطة بالمصنع، حيث أكدت مجموعة من الدراسات والبحوث التي أجريت على استخراج وصناعة الإسمنت ومواد البناء على الضرر البليغ الذي يصيب الإنسان والبيئة جراء هذه الصناعة، ومنها دراسة عربية أكدت أن مصانع الاسمنت يمتد أثرها إلى المناطق المحيطة بالمصنع، حيث أن الهواء في تلك المناطق يحمل جزئيات سامة تنفثها مداخن تلك المصانع، فالهواء في تلك المناطق يحمل جسيمات الاسمنت ويرسبها على أوراق الشجر مما يؤدي إلى تساقطها وجفاف النباتات، كما يؤثر على العمال والسكان المحيطين بالمنطقة، الذين يستنشقون الهواء الملوث بجسيمات الاسمنت لفترة طويلة، مما يؤدي إلى إصابتهم بمرض التحجر الرئوي المعروف ب(السليكوز) ويزداد التأثر به عند الأطفال، بالإضافة إلى هذا ترتفع الإصابة بأمراض العيون نتيجة قيام تلك المصانع بإلقاء المخلفات الناتجة عن صناعة الاسمنت. مخاطر صحية أضافت الدراسة أن الإسمنت من أكثر الصناعات التي ينتج عنها الغبار الدقيق الذي يتسبب في أمراض صدرية عديدة، لما يحويه من مركبات مثل الكربون والهيدروجين والجزئيات العالقة والفسفور والأتربة والدخان والضباب والأبخرة وغيرها، هذه العناصر تشكل سببا مباشرا لانتشار العديد من الأمراض، أهمها التأثير على الجهاز العصبي والجهاز التنفسي وصعوبة التنفس والتأثير على الأغشية المخاطية والتهاب القصبات وتهيج البلعوم، والتأثير المباشر على الجملة العصبية، حيث ثبت من الدراسات أنه يؤدي إلى نوع من خمول في القدرة على التفكير، وتهيج ملتحمة العين وانعدام الرؤية وأمراض الرئة كالربو والسل، وآلام في الصدر والتهاب القصبات الهوائية، وفقدان حاسة التذوق والشم، والتصلب الرئوي وأمراض الجلد وتورمات خبيثة في أنسجة الرئتين وأمراض الحساسية والإصابة بالسرطان وتشوه الأجنة والإصابة بمرض التليف الرئوي (السليكوز) الناجم عن استنشاق الغبار المنبعث من مداخن مصانع الاسمنت وأمراض الصداع الدائمة، إضافة إلى إصابة الإنسان بأمراض مختلفة أخرى تتفاوت حدتها بحسب مناعة الجسم. وتفيد بعض الدراسات بأن الملوثات الثابتة، وخاصة الغبار الذي تطلقه مصانع الاسمنت تلحق أضرارا بيئية واسعة بالأرض والزرع وقيعان البحار والأنهار. وأشارت دراسة حديثة عن أمراض الأطفال إلى أن الصناعات الملوثة أدت إلى تدهور صحة الأطفال، فنسبة تعرضهم للإصابة تعادل ثلاثة أضعاف الإصابة وسط الكبار، حيث تسببت في انتشار أمراض صدرية مثل الربو والحساسية وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي. ناقوس الخطر تعاني اليوم إمي مقورن من بيئة ملوثة بفعل التدهور الذي طال الأراضي الفلاحية، وكذا الغبار المتطاير وتصدع جدران العديد من المنازل، وكذلك تلوث المطفيات بسبب الانفجارات القوية وتشقق أرضيتها، إضافة إلى تدهور المجال الغابوي المتمثل في تضرر أشجار الأركان بفعل غبار الديناميت وغبار الصخور والأتربة المتطايرة، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات صحية وجسدية ونفسية بالمحيط البيئي والطبيعي. انهينا الزيارة وفي جعبتنا أسئلة عدة حول من يحمي السكان من جشع لوبيات المقالع التي لا يهمها غير الربح، في ظل الصمت المطبق للمسؤولين؟ فالمكان شاهد والأشجار أيضا والمقالع بدورها تحكي ما يقع نهارا وليلا، لنترك مقالع امي ممقورن حيث يعاني الإنسان والنبات والحيوان. هذه إمي مقورن تقع امي مقورن التي تتكون من 47 دوارا في منطقة إستراتيجية تتشكل من المنطقة الجبلية التي تكون امتدادا للأطلس الصغير والمنطقة السهلية على حدود سهل سوس، مما يجعلها في مفترق طريقين مهمين، الطريق الجهوية رقم 105 والطريق الإقليمية رقم 1007 ، حيث يحدها من الشمال إقليم اشتوكة أيت باها وتمتد على مساحة 197 كلم مربع. وفر الموقع الاستراتيجي لجماعة امي مقورن ثروات طبيعية مهمة تتمثل في الحصى والرخام المستعملة في مواد البناء، والجير والكلس المستعملة في صناعة الاسمنت .إلى جانب مجال طبيعي غني حيث يتكون من منطقة سهلية ومنطقة جبلية مع غطاء نباتي متوسط يتشكل بالأساس من شجر الأركان وبعض الشوكيات ويعتمد سكانها على الزراعة البورية وتربية الماشية خاصة الماعز. أصل التسمية يرجع أصل التسمية إلى كون الجماعة تتموقع في ممر بين سهل سوس وجبال الأطلس الصغير حيث أخذت الجماعة اسمها الأمازيغي من هذا الممر الشاسع، والذي يعني باللغة العربية «الباب الكبير».