تخوض مصلحة الأماكن العمومية بولاية أمن أكادير، منذ سنوات حربها الضروس، الروتينية والمناسباتية، ضد فضاءات الشيشة بالشريط السياحي لأكادير، وبالأحياء الشعبية، في محاولة منها للحد من استفحالها، إذ دأبت على اقتحام ومداهمة المقاهي والمطاعم التي ترتادها مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية للاستمتاع بنشوة تدخين الشيشة. وحجزت الشرطة المئات من معدات وتجهيزات الشيشة، من قوارير و”معسل” وأنابيب وفحم اصطناعي، حتى أصبحت مكاتب المصلحة معطرة بمختلف أنواع روائح”المعسل”، إذ تداعبك نفحاته وأنت تهم بولوج المصلحة. وسجل المصلحة ثري بالمداهمات والاقتحامات التي نفذتها عناصرها، على مدار السنوات، والشهور الأخيرة، ومستودع المحكمة الابتدائية مليء بالمحجوزات، وكان آخر تدخل لعناصر مصلحة الأماكن العمومية، نهاية الأسبوع الماضي لمداهمة أربعة مقاه للشيشة، وسط الأحياء الشعبية لأكادير في يوم واحد، وحجز 89 قارورة شيشة، تمت إحالتها على المحكمة الابتدائية رفقة المساطر المنجزة من قبل الأمن. وكان قرار عاملي صدر، في وقت سابق، عن والي جهة سوس ماسة درعة يقضي بتوقيف المقاهي الأربعة مدة 15 يوما كإجراء تأديبي، بعد إغلاقها بكل من الحي الصناعي بشارع 2 مارس وبحيي السلام والمسيرة، بعد أن توصلت المصالح الأمنية بشكايات تقدمت بها جمعيات. وضبطت 23 قارورة بمقهى ياسمينة و24 قارورة بمقهى كازبلانكا و26 قارورة بمقهى بحي السلام و16 قارورة بمقهى موديم. ورغم كثرة عمليات التدخل لردع أرباب الفضاءات المتخصصة في تقديم خدمات الشيشة، وحجز معدات تدخينها وزجر مستهلكيها وبائعيها، ما زالت خريطة تلك المواقع والفضاءات تتسع، وتتخذ أشكالات جديدة، إذ عمدت فنادق فاخرة إلى نصب خيام تطل على الشاطئ مختصة في تقديم الشيشة والمشروبات الروحية، وأخرى إلى تحويل جنبات من مؤسساتها السياحية إلى أركان ثابتة تقدم فيها الشيشة، كما أن وحدات سياحية بالمدينة أغلقت كباريهاتها، محولة إياها إلى فضاء شاسع لتناول صنوف الشيشة، مستغنية عن تقديم الكحول، وأخرى شكلت الشيشة إضافة نوعية لخدماتها الليلية والنهارية. في شارع 20 غشت، تتوقف سيارات الأجرة الصغيرة، وتخرج منها فتيات في مقتبل العمر، ينزلقن متوارين خلف حراس الأمن الخاص أمام المقاهي والمطاعم والكباريهات، وهن يرتدين ألبسة خفيفة تلتصق بأجسادهن. تنظر إلى ساعتك اليدوية، فتجد أن عقربها لم يتجاوز التاسعة ليلا، لتخلص ببداهة إلى أن سحر ليالي أكادير ينبعث مع خيوط الظلام، فتقرر المغامرة بوقتك لسبر أغوار تلك المقاهي المنتصبة على الشاطئ تارة، والمختفية داخل الفنادق تارة أخرى، خاصة تلك التي تخصصت في خدمات الشيشة التي تغمر رائحتها جنبات محيطها، واكتشاف أسرار الإقبال الكثير من المدخنين عليها. وبمجرد ما تدق الساعة العاشرة ليلا، تنطلق عملية هجرة الشقق والمنازل والغرف في اتجاه المقاهي والملاهي والعلب الليلية التي تكون قد هيأت الظروف المواتية لاستقبال زبناء الليل، بعد أن تكون قد أشعلت الفحم ونظفت قوارير الشيشة والأباريق والكؤوس استعدادا لتلبية حاجات الزبناء والزبونات الذين يفضلون تدخين الشيشة المرفوق بالشاي أو الماء. وتختلف أثمنة قارورة الشيشة حسب الزمان والمكان، إذ ينطلق ثمن الواحدة منها في الفضاءات التي تفتح ابوابها على الساعة الحادية عشرة صباحا من 60 أو 70 درهما، وترتفع إلى 80 درهما، ثم يقفز إلى 100 أو110 دراهم. كما يختلف ثمن الواحدة منها حسب نوعية “المعسل”، حيث تأخذ شيشة التفاح والنعناع التي تتهافت عليها الفتيات المكانة الأولى في قائمة أثمان الشيشة بأكادير، متبوعة بعرق السوس ثم الليمون فالبرتقال. أما نوع التفاح فيتناوله الذكور، وكذا”البناتشي”، إضافة إلى المعسل العادي الذي يعرض في أغلب الدكاكين ومحلات بيع السجائر، وهناك نوع من المعسل الفاخر الذي يباع بالكيلوغرام، ويتم استيراده من السعودية وموريتانيا. وتتوزع الفئات المرتادة للفضاءات، التي تفتتح أبوابها منذ الحادية عشرة نهارا إلى حدود الساعة الواحدة ليلا، حسب الفئات العمرية، إذ يلاحظ تهافت الفتيات على تلك الفضاءات من الساعة الثانية زوالا إلى حدود الساعة السادسة مساء، لتركها بعد ذلك لفئة أخرى من الموظفين وبعض رجال الأعمال الذين يفدون إليها في حدود الساعة التاسعة أو العاشرة ليلا. ويلاحظ ظهور مغريات جديدة يلجأ إليها أصحاب محلات الشيشة، إذ برزت إلى السطح ظاهرة استغلال الفتيات في نشاطات فضاءات الشيشة، إذ يعمد منهم إلى استقطاب فتيات لتسيير تلك المقاهي، أو الوجود بها مقابل تدخين الشيشة بالمجان، وذلك لجلب المزيد من الزبناء والزبونات. وتأوي أكادير العشرات من فضاءات الشيشة، منها ما هو ممركز بالشريط السياحي، ومنها ما هو منتشر بالأحياء السكنية الشعبية بشكل سري، وتعددت مواقع أسماء فضاءات الشيشة، منها ما ارتبطت بمؤسسات سياحية فاخرة، وأخرى مصنفة، ومنها ما هو مكان خصص لهذا الغرض بمختلف زوايا الشريط الساحلي، وما يجمع بين كل هذه الفضاءات ثبات برامجها الليلية التي تجمع بين السهر والموسيقى المتنوعة والمشروبات والشيشة المختلفة تشكيلاتها.