أشياء كثيرة تحدث في المغرب تدل فعلا على أننا نسير بالمقلوب. مهندسة تقود شبكة للدعارة في فاس، معلمة تمارس التسول في مكناس خلال ساعات الفراغ، حافلات تتصادم وتحترق، أو تنقلب في المنحدرات كما لو كانت قطعا من لعبة «ليغو»، قطار في القنيطرة ينطلق بالركاب بدون سائق، شيخ في العشرين من عمره تقول المواقع إنه يطير من طنجة إلى الدارالبيضاء في عشرين دقيقة. الغرب اخترع الطائرة بدون ربان ولخليع اخترع القطار بدون سائق، وبينما ينتظر الجميع قطارات «التي جي في» فائقة السرعة التي ستختصر المسافة ما بين طنجةوالدارالبيضاء في ساعة ونصف، يفاجأ الكل بظهور شاب بعكاز يستطيع أن يصل من طنجة إلى الدارالبيضاء في عشرين دقيقة. وسواء عندما احترق الأطفال في حافلة طانطان، التي اكتشفنا أنها بدون تأمين، أو عندما انطلق قطار القنيطرة بالركاب بدون سائق، فإننا لم نسمع عن إقالة أي مسؤول، كل ما سمعناه هو فتح تحقيق في الموضوع، وإلى اليوم ما زال الجميع ينتظر نتائج التحقيق. وفي زمن ظهر فيه وزراء يمارسون الحب وسط الحكومة، فإننا لا نستغرب أن تظهر مثل هذه «الكرامات» في المغرب. ونستسمح غارسيا ماركيز على استعارة اسم روايته «الحب في زمن الكوليرا» لكي نصف ما يحدث داخل دهليز دواوين بعض الوزراء من قصص غريبة، وصلت إلى حد بناء حمام وغرفة نوم داخل ديوان وزير الطاقة.. «بقا ليه يدير غي الصالون ويحول دارو للوزارة». ورغم خروج الوزير «المكلف بالعلاقات» بتصريح يقول فيه إن المستهدف من وراء إثارة قصة حبه هو الحكومة وليس هو، إلا أن كثيرين يرون أن الوزير أراد أن يحتمي خلف الحكومة مطبقا المثل القائل «دير راسك وسط الريوس وعيط على قطاع الريوس». الواقع أن تفسيرات كثيرة أعطيت لقضية العلاقة العاطفية التي بين الوزير «شوشو» والوزيرة «سوسو»، والتي يبدو أنها انتهت بضرب الأبيض في الأسود، خصوصا بعدما دخلت اليومية الفرنسية شبه الرسمية على الخط، «لوموند»، واعتبرت خطوة الوزير نحو التعدد الزوجي إشارة سلبية من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية. الفقيه الريسوني أرسل من إقامته الفارهة بالدوحة فتوى جاهزة في نازلة قصة الحب الحكومية، فقد اعتبر العلاقة بين الوزير الشوباني والوزيرة بنخلدون حبا على سنة الله ورسوله. وقد كنا إلى حدود الأمس نعتقد أن ما يكون على سنة الله ورسوله هو الزواج الشرعي المعروف، فإذا بفقيه التوحيد والإصلاح ينبهنا إلى أن الحب بين الرجل والمرأة يمكن أيضا أن يكون على سنة الله ورسوله، حتى ولو لم يكن هناك زواج شرعي. عندما يريد فقهاء الحزب الحاكم أن ييسروا على أنفسهم وعلى إخوانهم أمور دنياهم ودينهم، يجدون النصوص الدينية المناسبة لذلك، أما عندما يتعلق الأمر بشؤون العامة فإنهم يعسرون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وأبرز مثال على ذلك فتوى قدمها الريسوني لرجل طلب رأي الشرع في كراء أحد عقاراته لأحد البنوك، فما كان من الفقيه سوى أن أفتى بتحريم ذلك، لأن البنك يقوم على المعاملات الربوية التي حرمها الله. أشهرا بعد ذلك، سنكتشف كيف أن التلميذ النجيب للفقيه الريسوني، الوزير «بوصندالة الصبع» مصطفى الخلفي، تدخل لابن الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح التي ينتمي إليها الريسوني، لكي يشتغل في بنك. «ياك أسي الفقيه، السيد ملي بغا يكري للبنكة حرمتوها عليه، وولدكم ملي بغا يخدم فالبنكة حللتوها عليه»؟ التشدد نفسه نراه اليوم في القانون الجنائي الذي اقترحه وزير العدل وما تبقى من حريات، مصطفى الرميد. وبينما نرى التيسير والوسطية والاعتدال في فتوى فقهاء الحزب عندما تعلق الأمر بالبحث عن «فتقية» شرعية لفضيحة الوزيرين، وذلك باختراع مصطلح «الحب على سنة الله ورسوله»، نرى في الجهة المقابلة تشدد الرميد في قضية العلاقات الجنسية خارج الزواج بالنسبة للشعب، حيث لا نعثر سوى على «الحبس». أما عندما يتعلق الأمر بسلوكيات منحرفة داخل الحزب الحاكم، كالبرلمانية التي اكتشفت أن زوجها هو من كان يرسل إليها رسائل الخلاعة بعدما شك في سلوكها، أو عندما تغزلت البرلمانية ذاتها في «الشوباني» ووصفته ب«رايبي شوباني لذيذ»، فإن أقصى ما سمعناه هو نصيحة رئيس الفريق النيابي للحزب، بووانو، لوزراء حزبه بالحذر لأنهم مراقبون. وبعيدا عن التناول «الخاص» لعلاقة الحب بين الوزير والوزيرة، والتي انتهت بعقده عليها، هناك أسئلة ذات طابع قانوني وإداري وأخلاقي تطرح نفسها، ومنها ما يتعلق بالتساؤل حول ما إذا كانت هناك خلوة بين الوزيرين، خصوصا وأن الوزيرة كانت سابقا مديرة ديوانه وكانا يشتغلان إلى وقت متأخر من الليل، كما أكدا سابقا. ثم التساؤل الثاني، وهو المهم، هل حالة الحب التي عاشها الوزير مع السيدة بنخلدون كانت هي السبب في توظيفها للعمل كمديرة لديوانه، خصوصا وأننا في المغرب نعرف أن الكثير من المدراء والموظفين الكبار يقومون بتوظيف صديقاتهم وعشيقاتهم ككاتبات خاصات لمكاتبهم؟ إذا كان ذلك صحيحا فإننا سنكون إزاء استغلال واضح للنفوذ من أجل توظيف سيدة تربطه بها علاقة عاطفية سيظهر أنها انتهت بالزواج. إننا لسنا من الذين يتوقفون عند السطحيات، فأن يتقدم وزير متزوج لخطبة وزيرة سبق لها أن اشتغلت معه، فإن هذا يدخل في نطاق الحرية الشخصية طالما أن القانون المغربي يسمح بالتعدد. لكن أن يستغل وزير علاقته العاطفية بسيدة لكي يشغلها في ديوانه تمهيدا لمنحها حقيبة وزارية كما حدث مع سمية بنخلدون، فهنا يطرح مشكل أخلاقي وقانوني اسمه استغلال النفوذ. والشيء نفسه بالنسبة للتمور التي اقتناها الشوباني من الرشيدية، وقال إنه فعل ذلك من أجل استبدال عادة تقديم الحلوى للضيوف بعادة تقديم التمور التي تقاوم الفساد أكثر من الحلويات، فإننا لم نناقش اقتناء التمور من حيث المبدأ، وإنما الإشكال بالنسبة إليها هو مصدر اقتناء هذه التمور، أي أن الوزير اختار بائعا من نفس مدينة الوزير معروف بمساعدته للوزير في حملته الانتخابية بالرشيدية. هنا يتحول اقتناء التمور لديوان الوزير، حتى ولو تعلق الأمر بمجرد «نص كيلو»، إلى مسألة مشبوهة. والغريب في الأمر أن نسمع رئيس الفريق البرلماني للحزب الحاكم، السي بووانو، يعطي الدروس لوزراء حزبه وينصحهم بتحري الحذر ومراقبة سلوكياتهم لأنهم مراقبون، والحال أن السي بووانو يجب عليه أن يكون أول الشاكرين للسيد الشوباني، إذ لولاه لما حصل أخوه على صفقة مجزية مع وزارة العلاقات مع البرلمان، وهو الذي لم تكن شركته قبل هذه الصفقة معروفة. يريد الشوباني أن يعتبر أن كل هذه الضجة التي قامت حوله هي في الواقع استهداف للحكومة ولا تستهدفه هو كشخص، فكأنما يذكر منتقديه بالمثل المغربي الذي يقول «العروس للعريس والجري للمتاعيس»، والحال أن الضجة التي يجب أن تقوم حول الوزير هي طريقة صرفه لميزانية الحوار الوطني حول المجتمع المدني التي وصلت إلى مليار و700 مليون. «تزوج ولا طلق ولا دير الثالثة ولا حتى الرابعة حنا ماسوقناش، المهم عندنا هو فين صرفتي مليار و700 مليون اللي عطيناك من جيوبنا أسي الشوباني»؟ غدا بحول الله نقدم لكم بعض عناصر الجواب عن هذا السؤال.