رغم المساطر المعقدة التي يتخذها في اختيار مرشحيه، إلا أن حزب العدالة والتنمية بات يشتكي كثيراً في الآونة الأخيرة من "الكولسة" داخل هيئاته المجالية والموازية، فعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب المصباح صرّح بعبارات واضحة على أن الكولسة لم تعد تقتصر على أفراد وإنما على جماعات منظمة تدبّر وتعبئ قبل الجموع الإقليمية لاختيار لجان الترشيح، وهو الأمر الذي جعل بنكيران يتبرأ من ممارسي هذه السلوكات بعدما تبرأ ممن سيتورطون في قضايا فساد مالي أو أخلاقي . ربما تبدو لكم ردّة فعل بنكيران مبالغاً فيها، ولكنها في الحقيقة صائبة، فالكولسة خطيرة لأنها تجعل المساطر والقوانين الداخلية بدون وزن معتبر، فهاهي مدونة على الدفاتر ولكن ما مدى مفعولها في المؤتمرات والمجالس؟ فهي بمثابة "إبطال ناعم" لتلك المساطير التي تضبط عملية الترشيح، فالذي يضرب في المساطر أمره سهل، حيث يحال مباشرة على هيئة التحكيم لتنظر فيه موضوعه، ويكون الحكم عليه في حينه، أما الذي يكولس فصعبٌ ضبطه، وإقامة حدٍّ تنظيمي عليه . بروز هذه الظاهرة بهذا الحجم يجعلنا نتساءل ما إن كانت في الأصل قديمة في مسار الحزب وظهرت على هذا النحو لعوامل ما، أم هي استثناء مرحلي لا يعدو أن يكون مرتبطا بالتحول الطبيعي الذي يعيشه الحزب باستبدال جيل بآخر، والذي على كل حال لا يمكنه أن يمر بسلاسة مطلقة، فلابدّ من مخلفات سلبية تتمثل في نزاعات وشقاقات واستقالات ومتلازمات نفسية . بالعودة إلى تاريخ حزب العدالة والتنمية نجد أن هذه الظاهرة حديثة في مسار الحزب، ولم تكن في بداياته، حيث أن الطعون المحدودة "جداً" التي قدمت للأمانة العامة للمصباح رفضت لعدم ثبوتها بأدلة ملموسة، إلا أنه في 2016 عرفت 8 طعون في 9 دوائر من أصل 92 دائرة، وكلها تقريباً موضوع كولسة، وعليه فإن هذه الوقائع حوادث استثنائية معزولة، وليست "ظاهرة" كبيرة تجتاح حزب اللامبة . لكن الذي ألاحظه ومن خلال تتبعي اليومي وهو أن الكولسة بدأت تتطور، فلم تعد تقتصر على مفهومها التقليدي، أي تعبئة جماعة لأعضاء الحزب لتصويت في الجموع الإقليمية لاختيار هيئة الترشيح لصالح مناضلين دون غيرهم، لأنه من خلالهم سيتم ترشيح الشخص الذي لهم توافق عليه أو لهم مصالح "فيه"، وإنما تجددت وصارت عمليتها تتم داخل "مجموعات الواتساب والفيسبوك" واستعمال المنابر الإعلامية والجرائد الإكترونية . وبما أنه بالمثال يتضح المقال، سأتحدث عن المنطقة التي أنتمي إليها تنظيما وتعرف هذه الأحداث، فأقول بالواضح أن تسريب خبر فرز هيئة الترشيح الإقليمية بتطوان للأستاذ عادل بنونة وكيلاً للائحة، والدكتور إدعمار وصيفا له لجريدة إلكترونية محلية معروفة من يقف خلفها في نشر أخبار مصباح تطوان ضربٌ من الكولسة التي لن يكون صاحبها إلا عضوا في لجنة الترشيح الإقليمية التي أوصاهم رئيسها الأستاذ محمد يتيم بعدم التصريح ولا التسريب لأي أحد ولو كان عضوا في الحزب، ولكن هذا لم يستجب له ولو لربع ساعة من إعلان ذلك، وقبل حتى إتمام اللائحة. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الجماعة التي لا تريد إدعمار سربت الخبر لتذيع بين الناس أن بنونة عليه الإجماع، وتحرج الأمانة العامة للحزب، حيث أنه من الصّعب تغيير الوكيل الذي أفرزته لجنة الترشيح، وهو ما أكده عضو من الأمانة العامة في محادثة لي معه قائلا "خروج نتائج هيئة الترشيح للإعلام يكون فيه مضرة"، إذا "القضية مخدومة" ولا شيء عفوي وبريئ . الكولسة كما باقي الأشياء التي يخترعها الإنسان، تتطور وتتحول، بالتالي لم تقف على تسريب نتائج هيئة الترشيح الإقليمية، وإنما تحولت لابتزاز صريح للأمانة العامة للحزب، حيث خرج الأمين بوخبزة رئيس الجماعة المعادية لإدعمار في تصريح لذات الجريدة المشار إليها سابقا، على أنه سيدعم حزب المصباح في دائرة تطوان في حالة تثبيت "الديمقراطية الداخلية" التي أفرزت عادل بنونة وكيلاً للائحة الحزب، وهذا لا يحتاج لتوضيح، لأنه بمعنى واضح إذا اخترتم محمد إدعمار فأنا مقاطع ولن أشارك في الحملة لصالح الحزب . بالإضافة إلى أن تصريح ذات المساهم في تأسيس حزب العدالة والتنمية بتطوان يحمل توهيماً خطيراً يجني ثماره اليوم الحزب باستقالة أحد أعضائه، وهو تغليط كذلك للرأي العام بكون اختيار هيئة التزكية (الأمانة العامة) لشخص غير الذي أفرزته نتائح هيئة الترشيح الإقليمية ليكون وكيلا للائحة هو ضرب في الديمقراطية الداخلية، وهذا تغليط كبير أوضحته في مقالي "خافوا على مصداقيتكم وليس على ديمقراطية المصباح الداخلية!"، الذي ذكرت في فحواه أن المذكرة التطبيقية لمسطرة اختيار مرشحي حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية العامة 2016 تنص في مادتها 15 على أنه من اختصاصات وجدول أعمال لجنة الترشيح "اقتراح مرشحين محتملين عن كل دائرة انتخابية" و "اختيار مرشحين اثنين لمنصب وكيل اللائحة"، عن طريق الاقتراع السري، ورفع اللائحة بعد ذلك بترتيب تنازلي ل "هيئة التزكية" ل "تحسم فيها"، بالتالي إذا كانت المسطرة التي صادق عليها المجلس الوطني للحزب تقضي بأن هيئة الترشيح هيئة اقتراحية، وليس هيئةً تحسم، ألا يعتبر تصريح بوخبزة "إبتزازا!" بمعنى واضح "إما نلعب ولا نحرم عليكم اللعب" . وفي تفاعلها مع هذه "القوالب"، قامت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بتزكية محمد إدعمار، الذي تراه مناسباً للمرحلة السياسية الحرجة، دون أن تعبئ بأي إبتزاز، مؤسسة بذلك لمنطق جديد يقطع مع السلوكات المنحرفة من أي شخص كان ولو من مؤسسي الحزب، فقط يبقى على مناضلي الحزب تثبيت هذا المنطق والتدافع من أجل "إقباره"في جميع الأقاليم وما تطوان إلا نموذج، خصوصا الشباب الذي أوصاهم عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ب "القوة في الكلمة، والقوة في الإنتقاد، والقوة في النصيحة"، ولو نكون مخطئين ولكن لابدّ أن نكون صادقين .