مرة أخرى يؤكد حزب العدالة والتنمية قوته التنظيمية والتأطيرية لفئة واسعة من المجتمع المغربي حيث جعلته محط اعجاب عدد من المتتبعين للشأن السياسي المغربي، فبعد استعراض عضلاته وعدده وكذا عدته خلال الجلسة الإفتتاحية لمؤتمره الوطني السابع التي احتضنتها قاعة مغطاة بمدينة الرباط يوم السبت 14 يوليوز الماضي،هاهي شبيبة الحزب الإسلامي من خلال الجلسة الإفتتاحية لملتقاها الوطني الثامن التي انعقدت بقاعة بدرالشهيرة بعاصمة البوغاز يوم الأحد الماضي 26 غشت تتفنن من جديد في تقديم آلاف الشباب بشكل منظم ومؤطر أمتع كل من حضر ذلك العرس التنظيمي الرائع . ومن خلال تتبعي الدقيق لخطوات الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة منذ التحاق بنكيران وإخوانه بحزب الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب منتصف تسعينيات القرن الماضي وقفت على بعض أسباب القوة التنظيمية لحزب اسلامي فضل العمل من داخل المؤسسات بطريقة يقول عنها أنها تعتمد على التدرج، ويمكن لأي مراقب مبتدأ أن يضع أسباب هذا التفوق التنظيمي "العجيب" فوق طاولة المجهر. لكن قبل ذلك أود أن أشير إلى معظم القيادات الميدانية التي تقود اليوم عمل تجربة بنكيران ومن معه برزانة وثبات قل نظيره، والتي يعود إليها الفضل في تعدد الأذرع التنظيمية التابعة أو القريبة من حزب العدالة والتنمية تخرجت من مدرسة العمل الإسلامي في الفترة الممتدة من نهاية فترة الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي حيث الإمتداد الإسلامي الفريد الذي استطاع إزاحة التيار اليساري من عدد من مقالعه وميادينه ومجالاته وفي مقدمتها الثانويات والجامعات التي ظلت حكرا على اليسار لعقود من الزمن . ويبدو أن هذه التجربة كانت ذكية في نهجها لأساليب تنظيمية أثبثت مع مرور الوقت نجاعتها وأهليتها لتكون محط اعجاب عدد من التجارب الأخرى بمختلف تلاوينها ،فالفعالية والإرادة القوية في البناء والصبر والتطلع نحو المستقبل أبرز سمات هاته القيادات، التي تعددت اهتماماتها بين الشبابي والطفولي والطلابي والنسائي والنقابي والدعوي والاجتماعي والسياسي.. فمن أبرز أسباب هذا المد التنظيمي لدى حزب العدالة والتنمية هو اعتماده التدريجي على ما يمكن أن نسميه "بالتخصص"، فعوض أن يكون القيادي أو العضو الفاعل يتحرك ويعمل في جميع المجالات كما كان سابقا، نجد المؤسسات المحلية والمركزية تركت الحرية التنظيمية في اختيار المجال الذي يريح ويناسب كل عضو، وهكذا وقع التفرغ لمجال محدد واعطائه ما يستحق من العناية والجهد والوقت والمال ،لتفرز بعد سنوات قليلة قيادات ومؤسسات متخصصة في مجالات متعددة، فنجد في الطفولة (جمعية الرسالة ورابطة الأمل للطفولة المغربية) وفي الطلابي (منظمة التجديد الطلابي) وفي الشباب (شبيبة الحزب) وفي التخييم (منظمة الكشاف المغربي) وفي النساء ( منتدى الزهراء للمرأة المغربية ) وفي الإجتماعي (العون والإغاثة وبسمة للعمل الإجتماعي ) وفي الدعوة (التوحيد والإصلاح) وفي المهجر (جذور للجالية المغربية في الخارج ) وفي البحث العلمي (مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة) وعلى مستوى قضايا الأمة (المبادرة المغربية للدعم والنصرة) وفي النقابي (الاتحاد الوطني للشغل) وفي السياسي طبعا ( العدالة والتنمية) .. أيضا من أسباب التفوق التنظيمي للحزب الإسلامي اعتماده بشكل كبير على ما يمكن أن نطلق عليه ب"سياسة التشبيك" حيث تعتمد على تجميع عدد من الجمعيات والمؤسسات مستقلة تنظيميا وإداريا وماليا تحت راية واحدة لتتعدد بذلك القيادات وتتنوع الرموز وترفع أيضا ما يطلق عليه ب"الوصاية التنظيمية" ليجد العضو نفسه أمام واقع يجعله يرفع التحدي للبروز والإجتهاد والعطاء أكثر،فتكون النتائج غالبا معتبرة. ومن بين أمثلة "سياسة التشبيك" نجد رابطة الأمل للطفولة التي تعنى بالطفولة ومنتدى الزهراء للطفولة الذي يوجد تحت لوائه العشرات من الجمعيات النسائية على طول التراب الوطني، بالإضافة إلى شبكة من الجمعيات الثقافية التي تنضوي تحت مظلة اللجنة الثقافية التابعة لحركة التوحيد والإصلاح .. وكم كان سيكون رائعا لو أن هذا البروز التنظيمي المتعدد الأشكال يوازيه مواقف سياسية معتبرة من عدد من القضايا والإشكالات، خصوصا وأن الزمن زمن الربيع العربي حيث كان بنكيران وحزبه أكبر مستفيذ منه رغم اطلاقه لتصريحات مناهضة لشباب أعطى معنى جديدا للسياسة، وأملا جديد في إمكانية التغيير رغم الحواجز والإكراهات .