لقاء بين منظمة العمل و"باطرونا المغرب"    المغرب يحتفي بذكرى ميلاد ولي العهد    الاتحاد العام للشغالين بالحسيمة يشرف على تأسيس مكتب نقابي لأصحاب سيارات نقل البضائع    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    الرؤية الملكية في مجال النهوض بالاستثمارات الخارجية مكنت من تحويل التحديات الى فرص    "كوبيرنيكوس": تسجيل درجات حرارة قياسية خلال الأشهر ال11 الماضية    إسرائيل تعيد فتح معبر كرم أبو سالم مع غزة    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    تقرير.. المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج وفرت 5212 سريرا إضافيا برسم سنة 2023    الشامي: 1.5 مليون من شباب المغرب لا ينتمون لفئة التلاميذ والطلبة ويوجدون في وضعية بطالة    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    تتويج إنتاجات تلفزيونية بمهرجان مكناس    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    "زمن الجراح من الريف الى الحوز" اصدار جديد للكاتب خالد مسعودي    أسترازينيكا تسحب لقاح كورونا من الأسواق    الحكومة تبرر وقف الدعم الاجتماعي المباشر ب"الغش" في المعطيات    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    شهر ماي ساخن: تصعيد واسع للجبهة الاجتماعية ضد الحكومة : إضرابات، وقفات واحتجاجات للعديد من القطاعات دفاعا عن مطالبها المشروع    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    كأس الكونفدرالية: تحكيم سنغالي لإياب النهائي بين نهضة بركان والزمالك المصري    توقيف شخصين بحي العرفان في حالة تلبس بحيازة وترويج المؤثرات العقلية    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    هل له آثار جانبية؟.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاحها المضاد ل"كورونا" من جميع أنحاء العالم    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    الجيش الملكي يواجه نهضة الزمامرة لتعبيد الطريق نحو ثنائية تاريخية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سلا تشهد ولادة عصبة جهوية للألعاب الإلكترونية    مشروع قانون يتعلق بمناطق التسريع الصناعي يحظى بمصادقة مجلس المستشارين    لوحة الجمال والعار    واشنطن تعلّق إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بسبب "مخاوف" بشأن رفح    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    تأهيل ملاعب فوق عقار تابع لصوناداك يثير الخلاف داخل مجلس جماعة البيضاء    ‮ ‬من أجل توفير الأدوية الخاصة بالأمراض النفسية والعقلية، اتفاقية‮ ‬شراكة بقيمة ‮ ‬69مليون درهما    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    التقنيون يواصلون احتجاجهم ويستنكرون تغييب ملفهم عن جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    الصين: انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في أبريل إلى 3,2 تريليون دولار    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    مجلس جماعة فاس يقرر إقالة العمدة السابق حميد شباط من عضوية مجلسه    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    المعتقل السياسي نبيل أحمجيق يتضامن من داخل زنزانته مع انتفاضة الطلاب العالمية لنصرة غزة    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظل هوس الاستهلاك .. كيف نجعل من رمضان فرصة للاقتصاد وترشيد النفقات؟
نشر في طنجة 24 يوم 04 - 04 - 2022

بين الحاجة والإشباع صور كثيرة للسلوك البشري في الاستهلاك ، تتراوح بين التقتير و التبذير، سلوك تقف وراءه فكرة أو تصور، وبذلك يكون مرآة لقيم المجتمع وفلسفة أفراده وتمثلاتهم في إشباع حاجاتهم وفي تعاطيهم مع جميع القضايا المرتبطة بهم.
ولعل تمظهرات الاستهلاك في زماننا المعاصر، لاسيما في شهر رمضان الأبرك، تكتسي طابعا خاصا، تتشابك فيها الدواعي السيكولوجية والسوسيولوجية والثقافية والاقتصادية، وتذكيها الإعلانات التجارية الرقمية وغير الرقمية، من خلال تضخيم فقاعة الحاجات الاستهلاكية، وتقديمها بأشكال جديدة وألوان متعددة ، بعيدا عن أي عقلنة أو ترشيد في كثير من الأحيان .
هذا الهوس الاستهلاكي في رمضان على الخصوص، يدفع للتساؤل حول دواعي هذا السلوك في شهر شرعه الدين الحنيف ليكون محطة للارتقاء التعبدي والتخلص من العادات السيئة وترشيد السلوك الإنساني، بما يحقق فلسفة الصيام ومقاصده الدينية، كما يدفع للتساؤل حول السبل المثلى لعقلنته سواء في رمضان أو في غيره من الشهور.
واعتبر الباحث في علم الاجتماع وأنثربولوجيا الثقافة، عياد أبلال، أن ظاهرة التهافت الكبير على اقتناء المواد الغذائية في رمضان، وربما الاقتراض من أجل ذلك، وما يرافق ذلك من هدر للطعام وإسراف في الاستهلاك، تعبير عن "التدين المظهري /الكرنفالي" الذي يخدش قدسية الشهر الفضيل ويفرغه من عمقه الروحي في أبعاده المدنية والأخلاقية ، ويحوله إلى مجرد طقس اجتماعي ومناسبة للاستعراض والتباهي الاستهلاكي، مما يجعله لا يخلو من عنف بشتى أشكاله.
ولفت الباحث السوسيولوجي إلى أن الإفراط في الاستهلاك يشكل أحد تجليات "العنف الاستهلاكي"، الذي بموجبه يتحول الاستهلاك إلى وسيلة لتعميق الحيف والاستبعاد الاجتماعي لصالح من له القدرة على الاستهلاك، في حين يشتد الإحساس بالقهر والدونية عند من لا يستطيع إلى الاستهلاك سبيلا، مشيرا إلى أن "هيمنة البعد الفرجوي الكرنفالي لأشكال التدين المختلفة باختلاف الثقافات والسياقات على الجانب التعبدي، يجعل التدين نفسه عاملا ومسرحاً لشتى أنواع الانحرافات" .
وأوضح أبلال أن الاستهلاك بما هو سلوك فردي مرتبط بنسق الشخصية، لا ينفك في فردانيته عن النسق الثقافي والنسق الاجتماعي، عبر ما يسميه إميل دوركهايم بجبرية السلوك الاجتماعي وعموميته، حيث تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة إلى المدرسة، مروراً بالإعلام دوراً كبيراً في صياغة ثقافة الاستهلاك، في اتصال وثيق بصياغة البراديغم الاجتماعي، بحيث تصير القولة المأثورة: "دير كيف دار جارك ولا حول باب دارك" رمزاً تلخيصياً لهذا البعد الإكراهي للبراديغم الاجتماعي للاستهلاك.
ومن جانبه ،اعتبر لحسن بن ابراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، في تصريح مماثل، أن الإسراف والتبذير في الشريعة الإسلامية يعدان من أكبر المفاسد الاجتماعية التي نهى عنها الإسلام نهيا واضحا في قوله تعالى "كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الآية 31 من سورة الأعراف) ، مشيرا إلى أن هاتين الآفتين تلقيان بصاحبها في مهالك الكفر بالنعمة، لأن الكفر بالنعمة مؤذن بزوالها.
وأبرز رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، أن من أهم المقاصد الشرعية من صيام رمضان الإحساس بأحوال الفقراء و المساكين، وتربية النفس على الإقلال من الطعام، وكبحها عما تحب من المباحات حتى لا تطغى ويصبح المؤمن عبدا لشهوات نفسه ونوازعها،معتبرا التوسط في الاستهلاك والإنفاق ، بعيدا عن الإسراف والتبذير وعن الشح والبخل أيضا، مطلبا شرعيا وسلوكا حضاريا، لقوله تعالى وهو يصف عباده المؤمنين : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا 67′′ سورة الفرقان ، أي وسطا واعتدالا.
منهج الوسطية والتوسط في الاستهلاك، له أبعاد صحية أيضا حسب أخصائي الحمية الغذائية السيد نبيل العياشي، الذي أكد في تصريح للوكالة، أن الاعتدال في الاستهلاك الغذائي من خلال اعتماد نظام غذائي متوازن، كما ونوعا، من شأنه أن يسد جميع احتياجات الجسم ، من جميع المكونات الغذائية بدون إلحاق أي ضرر به.
وأشار خبير التغذية إلى أن الدراسات أثبتت اليوم أن تناول الغذاء يجب أن يرتبط تلقائيا بالحاجة الحقيقية إليه من خلال الشعور بالجوع، وإلا انقلب الغذاء إلى داء وتسبب في أمراض كثيرة ، مشيرا إلى أن صيام شهر رمضان يشكل محطة سنوية مثالية لتخلية الجسم من السموم التي راكمها على مدار العام ولتحقيق هدف التخسيس وخفض الوزن إلى جانب فوائد صحية أخرى جمة؛ بشرط احترام النظام الغذائي الطبيعي والمتوازن في الفترة الليلية، والاقتصار على وجبة رئيسية واحدة تكون في وجبة الإفطار أو ما بعد الإفطار حسب العادات وأخرى ثانوية في وقت السحور، باستثناء الأشخاص الذين يشتغلون في أعمال تتطلب جهدا بدنيا كبيرا ، فيجب أن تكون وجبة سحورهم متكاملة وغنية بالسعرات الحرارية .
أما الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، يضيف الأخصائي، فهم بحاجة إلى وجبتين رئيسيتين، الأولى في وجبة الفطور والثانية في الفترة الليلية بمكونات غذائية صحية تساعدهم على النمو الصحيح على المستوى الذهني والبدني إلى جانب وجبة خفيفة في فترة السحور .
ونفى السيد العياشي أن يكون الغذاء الصحي الطبيعي والمتكامل مكلفا من الناحية الاقتصادية ، مشيرا في هذا الصدد إلى مجموعة من المواد الغذائية والوجبات المغربية المغذية والاقتصادية في آن واحد؛ كالحبوب (بلبولة الشعير أفضل بكثير من مواد غذائية أخرى أغلى منها سعرا ، الخبز الكامل لا سيما مادة النخالة) والقطاني ،وزيت الزيتون والتمر...، مشددا على أهمية استهلاك الخضر والفواكه الموسمية لأن فائدتها بالنسبة للجسم تكون أكبر، وثمنها يكون مناسبا.
وحول السبل المثلى لعقلنة الاستهلاك وترشيد الإنفاق المالي، لاسيما في رمضان، قدم المدرب في التطوير الذاتي والذكاء المالي الأسري وجودة الحياة، محمد بنساسي ، في تصريح مماثل، مجموعة من التوجيهات والنصائح المالية بعد عروجه على أبرز الأخطاء التي يرتكبها المواطن المستهلك على مستوى التدبير المالي .
وبعد إلقائه الضوء على مفهوم ترشيد الاستهلاك باعتباره عملية واعية يقوم بها الفرد أو الأسرة من أجل تلبية احتياجاته/ها من غذاء ودواء وملبس وغير ذلك، من دون إلحاق الضرر بهذه الموارد وبعيدا عن كل أشكال التبذير والإسراف، لفت الخبير في التدبير المالي الأسري إلى أن الخطأ الأساسي والأول الذي يرتكبه الناس عموما هو أنهم لا يعرفون أولوياتهم، ولا يراعون قدرتهم الشرائية، وقد يلجأ كثير منهم إلى الاقتراض.
وأوضح بهذا الصدد، أن الأولويات تنقسم إلى ثلاث مراتب، وهي الضروريات ( الخدمات والسلع والبضائع التي لا يمكن الاستغناء عنها، وفقدانها يؤدي إلى ضرر ويجعل الحياة مهددة)، والحاجيات ( السلع والبضائع والخدمات التي تجعل الحياة أسهل مثل الأجهزة المنزلية ،السيارة، الهاتف...)، ثم الكماليات ( الخدمات والسلع والبضائع التي تحقق الرفاهية والشعور براحة أكثر) ، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس لا يميزون بين هذه المراتب، ويصرفون نسبة كبيرة من أموالهم على الكماليات على حساب الاحتياجات الحقيقية ذات الأولوية.
واعتبر السيد بنساسي أن شهر رمضان عبارة عن دورة تدريبية لترشيد الاستهلاك والنفقات، وفرصة للاقتصاد مدتها شهر كامل، تستدعي الانطلاق من قواعد تصورية أساسية أولها أن رمضان هو شهر للصيام والعبادة والتقرب إلى الله، وليس موسما للإسراف في الطعام والشراب، مشيرا إلى أن المطلوب والمنطقي "أن نحتاج مالا أقل وأن نستهلك أقل" في هذا الشهر الفضيل من خلال تخصيص ميزانية أقل لشهر الصيام مقارنة بباقي شهور السنة، وادخار الفرق المتبقي كاحتياط يلجأ المرء إليه عند الحاجة أو حدوث طارئ، فضلا عن ضرورة الإنفاق في حدود الدخل بعيدا عن متاهة الديون .
وتتمثل القاعدة الثانية ، بحسب الخبير المالي، في التخلص من العادات السيئة المتعلقة بالخلل في التعامل مع الزمن والغذاء ، كالسهر والسمر الذي يرافقه استهلاك أكثر للطعام والشراب واستخدام أكبر للكهرباء والأنترنيت ..، بما يلحق ضررا بميزانية الأسرة، فضلا عن الأضرار الصحية .
هكذا يمكن جعل شهر رمضان محطة مميزة لخوض تجربة التحدي على المستوى التعبدي والصحي والمالي من خلال تبني سياسة ترشيدية للسلوك بشكل عام ، تثمر عادات وممارسات جيدة ، ذات جدوى ليس فقط في شهر رمضان، بل في جميع شهور السنة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.