أ. رحلة البدايات موسيقى نسائية بين الحضور والغياب في إطار الأجواء المخصوصة التي يثيرها موضوع موسيقى مدينة تطوان من منظور نسائها، وفي إطار مقاربتنا لأهم القضايا الملمة .به نرى أنه من الضروري أن نعود إلى فترات زمنية سابقة لنستقرئ بعض الأمور المهمة في تاريخ موسيقى نساء تطوان. ولعله انشغال سيجعلنا نواجه أسئلة مغايرة، وإشكالات تخضع لطبيعة السياقات التاريخية والأنساق المعرفية المتباينة التي جعلت التطوانيات يصنعن تاريخهن الموسيقي الخاص بهن. لذلك، يصبو العنصر الثاني من هذا المقال إلى تسليط الضوء على محطات نغمية ساهمت نساء تطوان في تشكيلها، على الرغم من أن دورهن فيها تميز بثنائية المرأة «الحاضرة – الغائبة». فالحضور الفني لموسيقيات تطوان قديما وضع المرأة في الهامش، وطوقها بحدود اجتماعية صارمة ومحافظة. لذلك شاءت الظروف الفنية أن تبقى المساهمات التي أبدعتها سيدات تطوان لصقل وتشكيل موسيقي تحمل ملامح مدينتهن مساهمات قوية في عمقها، لكنها مغيبة في ظاهرها. ولا شك أن البدايات الأولى المغيبة بشكل كلي لأدوار الموسيقيات التطوانيات تمت عبر هجرات الأندلسيين من الفردوس المفقود إلى المغرب، ومن الطبيعي أن نتساءل في هذا الصدد هل من أسماء لعازفات أو مؤلفات أو مغنيات أندلسيات دخلن تطوان وقت هجرة الأندلسيين إليها؟ أكيد أن الجواب سيكون سلبا. فتفاصيل الموسيقى النسائية في هذه الحقبة لم تصل إلينا بالشكل الدقيق الذي يرضي كل باحث، كما أن المراجع التاريخية التي تتحدث عن تطوان وعن فترات تأسيسها وبنائها، لم تؤرخ للموسيقى بالقدر الذي أرخت فيه إلى انشغال الحكام بالجوانب العسكرية والمعمارية أكثر من غيرها من الأمور الفنية، ما جعل التوثيق التاريخي لأسماء موسيقيات نسائية، أو لتقاليد مخصوصة لهن توثيقا منعدما. وما يبقى للناقد الموسيقي من خيار في هذه الحالة إلا أن يتمثل موسيقى النساء في مراحلها القديمة مستحضرا نسقها التاريخي العام الذي وجدت فيه. يقول الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل: «فلما كانت سنة 894ه استقبل المغرب وبخاصة مدينتي تطوان وشفشاون – جموعا غفيرة من الموريسكيين الذين رحلوا عن الأندلس بعد سقوط غرناطة أيام حكم الوطاسيين وأصبحت المدينتان مؤهلتين لتخوضا فيما بعد معركة المنافسة مع فاس على منصب الزعامة في مضمار الآلة الأندلسية. ورغم التأريخ المغيب وغير المكتوب لأدوار الموسيقيات في تلك اللحظات التاريخية المهمة، نفترض أن تكون نساء تطوان قد حفظن بدورهن صنائع الموسيقى الأندلسية الوافدة إليها من غرناطة ،وبلنسية فاستمتعن بغنائها داخل بيوتهن، وعملن على الحفاظ عليها بتوريثها إلى أولادهن. ولعل شخصية زهور بنت عبد الرحمان الحايك كانت قيد الحياة سنة 1793م أقدم موسيقية تطوانية تحدثنا كتب التاريخ عنها ولعلها الوحيدة التي سلمت من التغييب من بين موسيقيات القرن الثامن عشر. كانت حافظة للإنشادات في أربعة وعشرين طبعا، كما كانت تهتم بتدوينها في كناشها. أما عن غيرها فلا نكاد نجد اسما نسائيا آخر. ويقر في هذا الصدد الأستاذ مالك بنونة بصعوبة البحث في موسيقي هذه المرحلة التي لم نعرف عنها غير كناش الحايك أو نسخ مختصراته. بيد أن استقراء فترة القرن التاسع عشر، ستجعل دائرة التغييب المطلق تتقلص نسبيا، كما ستجعلنا نعيش لحظات فنية مغايرة. وفي هذا الصدد نقرأ معلومات شحيحة عن موسيقية عرفت في هذه الفترة هي عائشة بنت عبد السلام فرنشو (كانت قيد الحياة سنة 1853م)، وبدورها كانت تحفظ عدة نوبات من الموسيقى الأندلسية، كما أنها كانت تحسن الضرب على آلة العود. وغير الولع بنغمات الموسيقى الأندلسية، أنفتحت نساء تطوان في هذا القرن على نغمات مشرقية وجزائرية، وبذلك كسرن قاعدة انحصار هن على الفنون الأندلسية وحدها. وقد كان لهجرة العائلات الجزائرية إلى تطوان الفارة من بطش الاستعمار الفرنسي ابتداء من سنة 1830م، ثم اندماج هؤلاء المهاجرين مع الأهالي تأثير فني واضح على مختلف مناحي الحياة التطوانية، وليس أدل على ذلك زواج عبد السلام بن ريسون (1801 – 1882م) وهو واحد من المهتمين والمولعين بالموسيقى في ذلك الوقت من امرأة جزائرية الأصل تدعى فاطمة الشاوش (توفيت سنة 1890م) التي تؤكد كثير من الأبحاث مشاركة «زوجها في الشؤون السياسية والاجتماعية لمدينة تطوان»، كما تفيد بمكانتها ودورها على مستوى المجتمع التطواني والمجتمع المحلي ). ومن ثم نستطيع القول إنه من الضروري أن تكون نساء تطوان قد تأثرن بالموسيقى الجزائرية وبطرق غنائها، ولعل ما يؤكد هذه الفكرة قولة المرحوم أبي العباس أحمد الرهوني (1871-1953م) الذي ذكر أن من التطوانيات من كانت تغني بغناء مخصوص، يسمى بالزنادي، والقادريات وشبه ذلك. وهو نوع مجلوب من الجزائر». عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي الكاتب: كتاب جماعي الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) بريس تطوان يتبع...