تحالف "أوبك+" يتفق على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط    اعتداء بالسلاح الأبيض وقنينة غاز كريموجين في طنجة    الأمن المغربي يصطاد مروج مخدرات دوليًا في عملية محكمة بباب سبتة!    المالديف تحظر دخول الإسرائيليين احتجاجا على الحرب في غزة    تتويج الفنان والعازف السعودي عبادي الجوهر بجائزة زرياب للمهارات بمهرجان تطوان الدولي للعود    فلكيا.. الاثنين 17 يونيو عيد الأضحى بالمغرب    الدرهم ينخفض بنسبة 0,51 % مقابل الأورو    المغرب يدخل فعليا عالم تصنيع الأسلحة بإحداث منطقتين للصناعات الدفاعية    ليبيريا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها ووحدتها الترابية    إعادة انتخاب تشيكيطو على رأس "العصبة"    تقارير: كيليان مبابي انضم رسميا إلى ريال مدريد    بالصور.. استنفار أمني بتطوان بالتزامن مع وصول جماهير الجيش الملكي    عثر على جثته مدفونة.. توقيف زوجة وأبنائها للاشتباه في قتلهم لوالدهم    توقعات لتسجيل هبات رياح قوية نوعا ما بمنطقة طنجة    الهند.. وفاة 33 موظفا في مراكز الاقتراع بسبب الحرارة المفرطة    بعد نجاح عمليتها الجراحية.. هدى صدقي توجه رسالة خاصة لمتابعيها    هذا ما قاله براهيم دياز بعد تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا    "الطائفة اليهودية بالمغرب" ترفض التشكيك في مواقف إسرائيل تجاه الصحراء    كلية الطب بوجدة تقبل تأجيل الامتحانات    أمن البيضاء يُحبط محاولة تهريب أطنان من المخدرات    انتخابات برلمان أوروبا .. توقعات بصعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية    حصيلة الحرب في قطاع غزة: 36439 قتيلاً    موسيقى جهجوكة… نغمات صوفية من جبال المغرب إلى أبرز مسارح العالم    حفل استثنائي لبوريل يختتم مهرجان فاس    الفتح واتحاد طنجة وجمعية سلا والماص يتأهلون إلى نصف نهائي بطولة السلة    جلالة الملك يهنئ الرئيس الإيطالي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    حرب على العروبة أم على الانتماء المشترك؟    الكويت.. الشيخ صباح خالد يؤدي اليمين الدستورية بمناسبة تعيينه وليا للعهد    The Village Next to Paradise فيلم من الصومال تتغنى به المواقع السينمائية حول العالم    الرباط: معرض نموذجي بصندوق الإيداع والتدبير لخريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء    صلاحي السويدي رئيس منتدى الصحراء للحوار والثقافات يجتمع بالمديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    أحمدي نجاد يترشح للانتخابات الرئاسية بإيران في انتظار قرار مجلس صيانة الدستور بشأنه    مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    آيت ملول.. توقيف سيدة يُشتبه تورطها في انتحال صفة ومزاولة مهنة ينظمها القانون    الجيش الملكي يواجه المغرب التطواني لحسم اللقب    المغرب – كوريا: بيان مشترك حول إطلاق مباحثات استكشافية لإرساء إطار قانوني للتجارة والاستثمار    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    السعودية تستضيف بطولة العالم للراليات لأول مرة في تاريخها "    أبطال أوروبا.. أنشيلوتي سيد المسابقة القارية من دون منازع    كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بالقمامة والقاذورات    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    بعد استبعاده من قائمة المنتخب.. عبد الحميد يكشف تفاصيل حديثه مع الركراكي    رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المندوب العام للسجون بين جلد الذات و محاولة جلد القضاة
نشر في لكم يوم 18 - 09 - 2012

طلعت علينا الصحافة الوطنية مؤخرا بحوارين صحفيين مع السيد المندوب العام للسجون و إعادة الادماج كان لهما صدى واسع بالمواقع الالكترونية و حتى بالصحافة الدولية . ففي الإيكونيميست و عن سؤال حول الاكتظاظ في السجون صرح السيد المندوب بان " الامر ليس خطأه و بأن هناك لجوء مفرطا للاعتقال الاحتياطي من طرف القضاة و بانه سبق أن تحدث عن ذلك علانية الى البرلمانيين و الصحافة ... و بانه توجد تدابير بديلة للاعتقال يجب على القضاة تطبيقها و لكنهم لا يفعلون ذلك و تحسر مضيفا " لا يتم اللجوء الى التدابير البديلة للعقوبات . و وتساءل عن جدوى ايداع من أصدر شيكا بد ون رصيد في السجن٬ و بانه بدلا من مطالبته بضمانات فان القاضي يضعه في الاعتقال الاحتياطي .
و أنه لو بقي هذا الشخص طليقا مع الخضوع للمراقبة القضائية٬ لتمكن على الأقل من العمل أو إيجاد السبل لتسديد دينه". و ختم "هذه هي الفلسفة التي تنقصنا (...) فالمسؤولية هي أن تكون لدينا أولا الشجاعة لاتخاذ قرار وتحمل تبعاته. ينبغي على القاضي أن ينخرط في هذه الرؤية" ٬ و بانه بذلك - أي القاضي - سيسدي خيرا للدائن و المدين و الخزينة و ادارة السجون و اعادة الادماج. و في حواره مع " ماروك ايبدو" نجد نفس التوجه و تصريحا بان بعض المعتقلين الاحتياطيين يظلون في السجن لسنوات.
لا يمكن للمواطن العادي الذي اطلع على الحوارين إلا أن يحيي عاليا شجاعة هدا المسؤول و ان يخرج بالانطباع بان القضاة ، نيابة و رئاسة ، هم سبب اكتظاظ السجون و منبع كل الشرور.
لكن ، و دائما هناك لكن ، حتى هذا المواطن الذي يسمونه ب "العادي " لم يتقبل مثل هذه التصريحات بتلقائية ، بعد اصبح ديدن حياته " العادية " قراءة الصحف و المجلات و طلب المعرفة عبر شاشات الفضائيات او في نقاشات على كراسي مقاهي احتلت الملك العام .
و في ركن منزو لمقهى تحمل اسم صاحبها المنتمي الى قبيلة جبلية شهيرة ب"عقبتها " التي فيها " تطرطق البارود " في اغنية الطقطوقة الجبلية، و التي ما زالت تفرد للطلبة جناحا أعرفه منذ سنوات الجامعة ، دار حديث ذو شجون بين طلبة حقوق و طلبة "حقوق" .
و تساءل طالب حديث عهد بمدرجات الكلية عن الصفة التي بموجبها قيم السيد مندوب السجون عمل القضاة وحلل شخصياتهم. و ذلك في ظرفية زمنية تتسم بكثير من " التاريخية " . فانطلقت و اياهم في رحلة بحث عبر النصوص القانونية و ذلك بعد ان تساءلنا هل لتصريحات السيد المندوب شرعية ام مشروعية او حتى صدى في نصوص تاريخية . فالرجل يتحدث بلهجة الواثق . و لا اقصد الواثق بالله ، خليفة الدولة العباسية .
و لكن قبل ذلك سألنا " الشيخ كوكل " عن هوية المصرح أعلاه فأحالنا على الخالة ويكيبيديا، المسماة بالموسوعة الحرة التي قالت : يحكى انه و في سنة 1936 و ببوفكران بمكناس ، ازداد مولاي حفيظ بنهاشم . بدأ مشواره بالإدارة العامة للأمن الوطني و التحق سنة 1971 بالإدارة المركزية للوزارة المسماة عندكم بأم الوزارات و عند غيركم بالداخلية . و من رئيس دائرة الى عامل الى غاية ماي 1997 حيث عاد لإدارته الاولى مديرا عاما . لكن نجمه زاد سطوعه يوم حظي بالثقة المولوية فعين مندوبا عاما للإدارة السجنية .
فقلنا هذا رجل مجتهد ذو مشوار متدرج . هذا مثل يحتذى و نموذج يقتفى.
بعدها أخرج الطالب من جعبة حاسوبه الظهير الشريف رقم 1.08.49 القاضي بتعيين المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج وبتحديد اختصاصاته حتى نؤسس للصلاحية التي اعطته الفصاحة لتقييم عمل هذا الجزء من الرعية المسمى بالقضاة . أليس هو من قدمه الصحفي للقراء بقوله : " هاكم مندوبا ساميا للدولة لا يضع لسانه بجيبه"
فنصت المادة الاولى :" ابتداء من 29 ابريل 2008 يعين السيد مولاي حفيظ بنهاشم مندوبا عاما لإدارة السجون و إعادة الادماج . و يتمتع بوضعية مماثلة لوضعية كتاب الدولة فيما يتعلق بالمرتب و المنافع العينية " .
فهز الحضور رؤوسهم و قالوا هذا رجل دولة محترم ... هذا رجل أمن له درجة وزير " دائم " .
و نصت المادة الثالثة على أنه يمارس " الاختصاصات و الصلاحيات المسندة الى السلطة المكلفة بإدارة السجون و اعادة الادماج بمقتضى النصوص التشريعية و التنظيمية " و توضع تحت سلطته " هياكل مديرية ادارة السجون و اعادة الادماج " التي كانت تابعة لوزارة العدل و " يوضع تحت سلطته موظفو و اعوان " هذه المديرية .
فقلنا لا أثر للقضاة في ظهير التسمية . فلنول وجهنا إذن شطر المرسوم المنظم لاختصاصات المندوبية.
و بفخر قالت المادة الاولى و بلسان تلميذة مجتهدة في المدرسة الابتدائية : يناط بالمندوبية " الاعداد و السهر على تنفيذ السياسة الحكومية في مجال اعادة ادماج السجناء و الحفاظ على سلامتهم و سلامة الاشخاص و المباني المخصصة للسجون و المساهمة في الحفاظ على الامن العام " و " لهذه الغاية تتكلف بتنفيذ المقررات القضائية الصادرة بعقوبات او تدابير سالبة للحرية ".... و بالاهتمام بالبنايات و الاشخاص و اعادة الادماج و طلبات عفو...
و بفرح عجيب ، ربما مرده قلة استقبالها للزيارة ، أكملت المادة الثانية : مرحبا بكم في الادارة المركزية ، عن اليمين الكتابة العامة و عن اليسار المفتشية و على الجانبين مديريات العمل الاجتماعي و سلامة السجناء و المباني . وعند نهاية الرواق تجدون التجهيز و الموارد البشرية .
و اعتذرت بخجل قائلة : ربما جواب سؤالكم لدى الظهير الصادر بتنفيذ القانون المتعلق بتنظيم و وتسيير المؤسسات السجنية.
فقلت لرفاقي : كأننا مع المرحوم بوكماخ في قصة " الولد و البطاطس " غير المقلية.
و عند الظهير قالت لنا المادة 18 بوقار ": يجب على مدير المؤسسة السجنية ان يسهر على تنفيذ الاوامر و المقررات القضائية، و عليه ان يراجع السلطة القضائية عند كل صعوبة في التنفيذ "و يعتبر مسؤولا عن تنفيذ الاوامر و المقررات الصادرة عن السلطة القضائية" .
و بالاحترام الواجب ودعنا النصوص اعلاه مرددين مع الراحلة ليلى مراد ما قالته جوابا عن عروض خاطبيها في فيلم مشهور " كلام جميل ، كلام معقول ، مقدرش اقول حاجة عنه... لكن خيال حبيبي المجهول مش لاقية فيك حاجة منه .
و تشاورنا فقلنا لا بد أن الاختصاصات إذن دفينة نصوص المسطرة الجنائية .فربما للرجل نصيب من سلطة في فصول كانت منسية ؟
فرجعنا اليها فلم نجد لصفته أثرا ، بل وجدنا نصوصا سطرت لقضاة النيابة العامة و قضاة التحقيق سلطة تفتيش المؤسسات السجنية . و رجعت بي ذاكرتي لزيارات قمت بها أثناء التدريب الى السجن المدني بمدينة القصر الكبير رفقة الاستاذة سعيد لقصير ومحمد الحافظي ورشيد العبدلاوي...
وبعد جولتنا عبر النصوص القانونية و التي لم تسعفنا في العثور على سند يعطي السيد المندوب الحق في تقييم عمل القضاة ولومهم على كثرة لجوئهم الى استعمال الاعتقال الاحتياطي و ملئ سجون المملكة و اعتبار ذلك عنوانا على عدم توفرهم على الشجاعة الضرورية للجوء الى التدابير البديلة للاعتقال... و بينما نحن في حيرة ، تساءل المواطن " العادي " و هو يرتشف فنجان قهوة المساء الذي يتقن إعداده صديقنا " الحسين " : ما تقصدون بالاعتقال الاحتياطي ؟
فشددنا الرحال إلى أستاذ الاجيال الدكتور أحمد الخمليشي اطال الله عمره و الذي بدأ مشواره المهني قاضيا قبل أن يصير مديرا لدار الحديث الحسنية . فقال لنا بلهجته الأبوية العفوية " الاعتقال الاحتياطي...اعتقال الفرد في السجن و حرمانه من حريته إجراء صارم لا يلتجأ اليه الا لمبرر مشروع ، و لذلك كانت الاحكام الجنائية غير قابلة للتنفيذ الا بعد ان تكتسب قوة الشيء المحكوم به...و لكنه استثناء من هذا المبدأ سمح القانون و بشروط خاصة باعتقال المتهم في مرحلتي التحقيق الاعدادي و المحاكمة...و أمتعنا في الموضوع بمحاضرة . و بعد الاستئذان منه و تقبيل رأسه ، قال لي اÙ
�مواطن العادي لم لا نسأل زملائك " القضاة المتهمين" من طرف السيد المندوب بإيداع المواطنين وراء القضبان لشهور و لسنوات. نسألهم عن سبب نفورهم من اللجوء الى العقوبات البديلة ، و عن المعتقلين احتياطيا لسنوات طويلة.
فسألنا السيد وكيل الملك لدى محكمتي لماذا تلجؤون الى الاعتقال الاحتياطي و عندكم البدائل القانونية ؟
فارتكز على فصول المسطرة الجنائية. و قال حالة التلبس بالجريمة و خطورة الافعال و انعدام الضمانات . فقلنا أعطنا أمثلة . فأجاب : جرائم المخدرات و الضرب و الجرح بسلاح أفضى الى جروح خطيرة ، ناهيك عن النصب و السرقة و خيانة الامانة..و إن سألت جناب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف فسيحدثك عن جنايات القتل و الاغتصاب و التزوير... و ختم :نحن نلجأ الى الاعتقال الاحتياطي في مواجهة كل فعل سبب اضطرابا و ترويعا في المجتمع . فهل تريد ان نرجع للشارع "متهما "ضبط في حالة تلبس و هو يعيث فسادا في اجساد و اعراض و أموال المواطنين و المواطنات و نتابعه في حالة سراح ؟
عندئذ سأله " المواطن العادي " بأدب : هل عندنا اعتقال احتياطي بالسنوات ؟ فأجابه: ان المتهم و منذ عرضه على المحكمة الابتدائية و أثناء المرحلة الاستئنافية و قبل صدور الحكم النهائي في حقه يعتبر معتقلا احتياطيا . فرد المواطن متعجبا: كنت اظن المعتقل الاحتياطي كذلك الأسير الفلسطيني المرمي في السجون الاسرائيلية سنينا دون محاكمة . و تذكرنا جميعا النبي يوسف عليه السلام النزيل السابق للسجون الفرعونية و رددنا بخشوع قوله تعالى : " و قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك . فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ".
و بعدها قصدنا مكتب السيد قاضي التحقيق الذي استقبلنا بترحاب و عن أسئلتنا أجاب بنفس الجواب و أفاض ..
فقال " المواطن العادي " : غريب... لماذا يحملكم السيد المندوب " " خطأ " تطبيقكم للقانون .
و قال الطلبة بدورهم : عجيب...إن لم يكن للسيد المندوب هذه الصلاحية فما الذي دفعه لكيل كل الاتهامات المجانية .
عندئذ صاح أحدهم و كأنه " أرخميدس " : وجدتها ... وجدتها... ما دام الجواب ليس في نصوص القانون ...فاسألوا عنه في أسباب النزول ؟ لماذا الآن و الآن فقط و قد مرت سنوات منذ 2008 ؟ لماذا هذا الانفتاح على صحافة وطنية كانت دوما منسية ؟ ثم ما كان عليه الامر قبل وجود هذه المندوبية ؟
فقلت فعلا . لم يسبق ان سمعنا مثل هذه التصريحات النارية مع أن المندوبية لم تزد أن حلت محل مديرية كان رأسها دوما قضاة من الدرجة العالية . أولهم الاستاذ حمو مستور ، أطال الله عمره ، و ثانيهم الاستاذ محمد ليديدي الذي اصبح كاتبا عاما لوزارة العدل و بعدها كاتبا عاما لمؤسسة الوسيط. ثم ثالثهم الاستاذ مصطفى مداح الذي هو الآن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض . رجال لم نقرأ لهم سوى كتابات رصينة أغنت الخزانة القانونية و ليس اتهامات على صفحات جرائد ورقية قد تنتهي يوما لفافة لأكلة شعبية .
فقال " المواطن العادي ": ألا تتابعون تقارير الجمعيات الحقوقية؟ أم لم تصدموا بتقرير اللجنة البرلمانية ؟ ألم تقرأوا في جريدة " الاسبوع الصحفي " أن " أموالا باهظة أغدقت على الادارات السجنية لتلميع صورتها و صورة السجون المشرفة عليها استعدادا لزيارة المقرر الأممي " المختص في التعذيب، و بأن " التقرير القاتم " الذي انجزته اللجنة البرلمانية ..كانت له تداعيات كبيرة على صورة المندوبية و تحديدا مسؤولها الأول .."
فشمرنا عن سواعدنا و على تقرير لجنة ممثلي الامة انكببنا . فوجدناه يتحدث عن " مصايب كحلة " بتعبير مغربي قح و عن " بلاوى زرقاء " بتعبير اخواننا المصريين . و تغيرت الالوان و لم يتغير سواد الواقع المرصود . فمن حديث عن الفساد الى الشذوذ الى الاكتظاظ الى كل ما يثير الغثيان...
و قال الطالب ان بحثي لنيل الاجازة ، و الذي موضوعه المؤسسة السجنية ، قد بنيت أركانه على تقارير هيئات حقوقية اتفقت انتقاداتها العلنية على رصد صور سلبية و على توجيه اصابع الاتهام الى جهات رسمية و هو ما نجده الآن بتقرير اللجنة البرلمانية .
فانتابتنا غصة من حال سجوننا و " حكرة " من انتهاك زيارة هذا المقرر الأممي لحرمة سيادة سجون بلدنا ، و كأننا أصبحنا عراق مفتشي وكالة الطاقة النووية .
و جلسنا في نادي قضاة المغرب نتأمل تصريحاته، فقلنا هذا فعل تكييفه المس باستقلالية السلطة القضائية وهي جريمة ذات عقوبة قاسية . من أين لسجان المملكة أن يسمح لنفسه بانتهاك حرمة محراب العدالة فيناقش و ينتقد أداء قضاة النيابة و الرئاسة، و أن يتهمهم بالخطأ و انعدام الشجاعة. فهل علو مقعده ب" اللجنة " العليا " لإصلاح منظومة العدالة " سبب لدوار الاماكن المرتفعة ؟ أم أن وجود صفته مباشرة عقب السيد وزير العدل في مجلس التوجيه و المراقبة للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي العدل قد منحه هذه الصلاحية ؟
و تذكرنا التقرير الأخير لبنك المغرب الذي حدد عدد الشيكات التي تم رفضها السنة الماضية في 641 ألف و907 شيكا٬ 90% بسبب غياب أو نقص في الرصيد. و تمعنا بأسى في حالات الانفلات الامنية التي سكنت أعمدة صحافتنا الوطنية...
و قال زميلنا ألا تلاحظون بأن تصريحات صاحبنا مجرد حلقة من حلقات مسلسل عدم احترام العدالة . تذكروا تصريحات وزارية سابقة و حتى برلمانية مست قطاع العدالة . و هنا فتحنا القوس لنحيي شجاعة اعتذار من يسمونه " أصغر عضو في الحكومة " و ما المرء إلا بأحد أصغريه قلبه و لسانه .
فوجدناها للأسف تصريحات لا تخرج عن سياق عام نخشى أن يكون بعيدا عن الصدفة. تصريحات و إن تنافرت ألوان أصحابها السياسية فقد صبت كلها في اتجاه إعطاء المواطن صورة سلبية عن القضاء و القضاة الذين " يخطئون " و الذين هم في عقوباتهم " يقسون " و لأموال الدولة و الشعب " يهدرون " . قضاة لا يتصرفون " كما يجب ".
تصريحات تشكك المواطن في قضائه و قضاته و ما أخطر هذا الأمر على السلم الاجتماعي...و ما أخطره .
تصريحات تحكمها الظرفية الزمنية . و لكن رجال السياسة يأتون و يذهبون ، في حين أن الوطن و قضاؤه باقون . تصريحات تستعمل عبارات قد تبدو " عبثية " لكنها تسعى لأن تترسخ في أذهان الرعية في سعي من اصحابها لتشكيل رأي عام متحكم فيه و ذلك باللعب على العواطف . تصريحات ترمي الى تحويل اتجاه أنظار الرأي العام بخلق " مخطئين و جناة " لإخفاء المسؤولين الحقيقين عن كل خلل في التسيير . لأن سلوك غير هذا السبيل سيساوي عند صاحبه اعترافه بعدم الكفاءة. تصريحات كان صديقي الاستاذ عمي الأمين ، حفيد الفقيه الرهوني ،سيدخلها لا محالة في خانة ما يسميه ب "تصدير الأزمة" .
و قرأنا، نحن و المواطن العادي ، الرسالة المكتوبة تحت السطور... و للسيد المندوب و غيره قلنا أنت حر في جلد ذاتك ..أما محاولتك جلد القضاة فهي و كما قالت العرب قديما... أمر دونه خرط القتاد.
فقد استجاب نادي قضاة المغرب لصرخة " وامعتصماه" المدوية التي أطلقتها عدالتنا المغربية . و حول حرمها التف القضاة دروعا بشرية و لقطار الكرامة و التضامن ، الذي أحسوا بأنه قد بدأ في التحرك ، قدموا أجسادهم قربانا و هدية حتى يعبر عليها بأمان الى محطة استقلال السلطة القضائية . لا يريدون انتصارا أو امتيازات لفئة نخبوية و لكن إيمانا منهم بعدالة القضية و بكون هذه الاستقلالية هي أهم ركيزة للدولة الديموقراطية .
* عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.