في إطار أهدافها الرامية إلى تفكيك التراث الثقافي والأدبي الإفريقي، نظمت أكاديمية المملكة المغربية، مساء الأربعاء بالرباط، ندوة دولية تحت عنوان "مقاربة تصنيفية للأدباء الأفارقة المنحدرين من أصل إفريقي.. المجال والمعايير وإعادة تشكيل التلقي"، تستمر ليومين، حضرها مجموعة من رجالات الثقافة والسياسة من مختلف بقاع العالم، من أجل مساءلة آليات تصنيف الأدباء والنقاد الأفارقة والمنحدرين من أصول إفريقية. وشهدت الندوة التي حضرتها شخصيات وطنية وأجنبية على غرار مامادو تانغارا، وزير الشؤون الخارجية الغامبي، وأحمد بكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وثلة من المثقفين والأكاديميين وكذا الطلبة، إلقاء مجموع من المداخلات على غرار المداخلة التي ألقاها ياكوبا كوناتي، الأستاذ الجامعي بجامعة "فيليكس هوفويت بوانيي" بساحل العاج، حول رسالة الأديب والمؤرخ والدبلوماسي المالي الراحل أمادو هامباتي با إلى الشباب، هذا الأخير الذي كرمته أكاديمية المملكة المغربية بمناسبة تنظيم هذه الندوة التي تتزامن مع الذكرى ال33 لوفاته، بحضور ابنته رئيسة المؤسسة التي تحمل اسمه. عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، قال، في كلمة له بهذه المناسبة، إن "الأكاديمية تؤكد، من خلال دعوتها إلى هذه الندوة، أنها مؤسسة تحترم ماضي القارة الإفريقية ومنفتحة على النقاش العالمي للأفكار"، مشيرا إلى أن "تاريخ ال15 ماي يذكرنا بتاريخ وفاة واحد من أبرز الشخصيات الأدبية والثقافية والدبلوماسية في إفريقيا المعاصرة، قبل 33 سنة من الآن، ويتعلق بالأديب أمادو هامباتي با". وأضاف الحجمري أن "أكاديمية المملكة تحتفظ بعناصر عديدة من تراث الأديب الراحل، ومنها الامتنان الدائم الذي أعرب عنه للتعاليم التي تلقاها على يد معلمه تيرنو بوكار، ثم من خلاله وظيفته كباحث بالمعهد الأساسي لإفريقيا السوداء (IFAN) الذي أسسه ثيودور موندو، ما بين سنتي 1938 و1954، إضافة إلى دعوته في اليونسكو خلال ستينيات القرن الماضي على عتبة حركة الاستقلال الإفريقية، التي دافع من خلالها على التقاليد الشفهية قبل أن تقرر هذه المنظمة في سنة 1964 في برنامجها دعم البحث في هذه التقاليد، كما أنشأت منظمة الوحدة الإفريقية في عام 1974 مركزا للدراسات اللغوية والتاريخية المرتبطة بالتقاليد الشفوية". في السياق ذاته أشار المتحدث ذاته إلى خطاب الرجل، الذي وجهه إلى الشباب، مسجلا أن "سياق هذا الخطاب مهم للغاية؛ لأنه صدر في أربعينيات القرن الماضي، إلا أننا اليوم وكما غدا، فإنه يتعين علينا التعامل والتوجه بالخطاب إلى هذه الفئة من المجتمع أكثر من غيرها، لأن المستقبل يقوم عليها". ورحب أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية أمام الحضور بروقياتو هامباتي با، ابنة الأديب المالي الراحل، الذي قال عنه إنه "وجه أدبي مرجعي ومهندس حماية المعرفة في غرب إفريقيا"، مشددا على أنه "من الضروري التأكيد على أهمية العودة إلى أعمال الكتاب والأدباء وأن نأخذها بعين الاعتبار.. فقد يمحو الزمن البعض منهم ليفسح المجال للبعض الآخر، وغالبا ما يغطيهم غبار النسيان"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "الندوة ستناقش عملية تصنيف الأدباء الأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي، ليس فقط من خلال تسميتهم أو الاعتراف بهم، وإنما أيضا إعادة مراجعة بنية القيم الأدبية الإفريقية بناء على بيانات مستقلة". من جهته، قال أوجين إيدوبي، رئيس كرسي الآداب والفنون الإفريقية بأكاديمية المملكة، في تصريح لهسبريس، "إننا سبقنا أن تحدثنا عن الأصول والمراحل الرئيسية التي مر منها الأدب الإفريقي، كما تناولنا الإنتاجات الأدبية العديدة؛ إلا أننا ارتأينا أن نتحدث، اليوم في هذه الندوة، عن نوعية هذا الأدب من خلال استدعاء مجموعة من الشخصيات التي طبعت تاريخه". وأضاف أن "الندوة ستعرف حضور مجموعة من الضيوف الأفارقة المرموقين وكذا المنحدرين من أصول إفريقية؛ على غرار الروائي السنغالي بوبكار بوريس ديوب، والكاتب التشادي نمرود بينا، والباحث البرازيلي لوكاس سكافاليري دا سيلفا، وغيرهم"، لافتا إلى أن تنظيم هذه الندوة التي يحضرها العديد من الأدباء والكتاب يعني أن "إفريقيا منفتحة على العالم.. فهذه هي إفريقيا التي يمثلها المغرب اليوم". من جهتها، قالت رقية هاباتي، ابنة الأديب المُكرم، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية على هامش هذه الندوة الدولية، إنه "لمن دواعي سروري أن أجد نفسي داخل أكاديمية المملكة المغربية للاحتفال بالذكرى ال33 لوفاة أمادو هاباتي با"، مسجلة أن الرجل كان "مؤرخا وفيلسوفا وصوفيا تيجانيا أيضا، وكان يؤكد دائما أن الصدفة غير موجودة". وأضافت المتحدثة ذاتها أن "الراحل كرس نفسه للمعرفة ولمساعدة الأفارقة على معرفة أنفسهم بشكل أفضل، وكذا مساعدة الآخرين على معرفة إفريقيا، فلطالما أكد أن التشبث بالتقاليد ليست ضد الحداثة وأن التقليد ينبغي ألا يكون ثابتا. وإلى حدود اليوم، ما زالت أفكاره هذه تلقى صدى"، لافتة إلى أن "أمادو هامباتي يواصل تحدينا من خلال الحكمة، ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن نستجمع روح هذا الرجل وأفكاره، رجل الحوار بين الثقافات والسلام والحوار بين الأديان".