قال سعيد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، إن الأسرة المغربية تتعرض "لتهديد وجودي" بسبب الأيديولوجية الغربية التي يتبناها "التيار الحداثي" في المغرب، معتبرا أن أول امتحان للجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، هو أن ترى إن كانت الأسرة تسير نحو التطور أم تشهد تراجعا. تهديد وجودي للأسرة انطلق العثماني من واقع الأسرة في الدول الغربية، مبرزا في كلمة خلال ندوة نظمتها منظمة التجديد الطلابي، ليل أمس السبت، حول موضوع "آفاق تعديل مدونة الأسرة"، أن أهمية كوْن الأسرة كخلية ينبني عليها المجتمع "هي سنّة كونية واجتماعية، وليست فقط معطى دينيا، وأهمية هذا هو أن نعرف الانقلاب الذي تريد بعض النخب من خلال منطلقات صرف إيديولوجية إحداثه لتغيير هذه الحقيقة". تبعا لذلك، يرى القيادي في حزب العدالة والتنمية أن هذا التوجه جعل الحضارة الغربية "تسير نحو المجهول، من خلال وجود عدد من المنطلقات في الثقافة الغربية اليوم تسيطر وتزحف في طوفان يريد إغراق العالم وبناءه على أسس في مقدمتها الانقطاع عن الوحي، وذلك باكتفاء الإنسان بذاته، واكتفاء عقل الإنسان بنفسه، ما يجعله فاقدا لأي ثوابت، واتباع الأهواء وفعل أي شيء يريده بدون أي ضابط". وأشار المتحدث إلى أن "زواج الرجل بالرجل كان قبل خمسين سنة فقط ممنوعا في القوانين الغربية، وأصبح الآن مسموحا به في عدد من الدول، بسبب محاولة إفقاد الإنسان أي معيار ديني"، معتبرا أن "هذا الانحراف ربما هو الذي أدى إلى سائر الانحرافات الأخرى، مثل سيادة النزعة الفردانية التي جعلت الإنسان يكتفي بذاته، ويدور حول شهواته ولذّاته ومصالحه ورغباته، واهتمامه بالمنفعة الذاتية الخاصة التي تعلو على كل شيء، وعدم اكتراثه بمصلحة المجتمع ومصلحة الأسرة". واستدل العثماني بمعطيات رسمية للتدليل على أن الأسرة في الغرب تتعرض ل"تهديد وجودي"، متوقفا عند تطور نسبة الأطفال المولودين خارج الزواج في فرنسا، حيث ارتفعت من 38 بالمئة في سنة 1994 إلى حوالي 63 في المئة الآن، بحسب أرقام المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية. وتعليقا على هذه الأرقام، قال العثماني: "حين نتحدث عن التهديد الوجودي للأسرة، فهذا ليس وهما"، مشيرا إلى توقعات صادرة عن مؤسسة فرنسية رسمية حول الانقراض البشري بسبب قلة الولادات وزيادة الوفيات وانقلاب الهرم الديمغرافي، حيث سيصبح عدد الولادات بفرنسا في سنة 2037 مساويا لعدد الوفيات، ثم ستصبح الوفيات بعد ذلك أكثر من الولادات، لافتا إلى أن "عددا من الدول الأوروبية تشهد هذا الوضع حاليا". وذكر المتحدث أن الاتحاد الأوروبي أصدر تقريرا أكد فيه وجود خلل كبير في التطور الديمغرافي في دول الاتحاد، وأوصى بتشجيع الهجرة لمعالجة هذا الأمر "لأنه لا يملك حلا آخر، والسبب هو أن الأسرة لم تُعطَ لها أهمية في السياسات الأوروبية، وهذا يشكل خطرا على انقراض البشرية"، على حد تعبيره. العثماني أسقط واقع الأسرة الغربية على نظيرتها في المغرب، بقوله: "هناك تهديد حقيقي لوجود الأسرة على المدى الطويل بسبب العزوف عن الزواج وصعوبة تشكيل الأسرة، من جهة، وهناك، ومن جهة أخرى، زيادة عدد حالات الطلاق والتطليق". واعتبر أن أول امتحان للجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، هو أن ترى إن كان هناك تطور للأسرة من حيث وجودها أم حصل تراجع؛ ذلك أن "تهديد الأسرة في المغرب موجود، ففي سنة 2010 كان عدد عقود الزواج 313 ألف عقد، وفي سنة 2022 انخفض العدد إلى 251 ألفا، أي إننا سائرون في التناقص، وفي المقابل تعرف قضايا الطلاق والتطليق ازديادا، إذ انتقلت من 33 ألفا في سنة 2010 إلى 61 ألفا في 2022". انغلاق إيديولوجي رئيس الحكومة السابق انتقد المذكرات المقدمة من طرف الإطارات السياسية والجمعوية المحسوبة على "التيار الحداثي" إلى اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، معتبرا أنها "لم تهتم بالتهديد الذي يحيق بالأسرة المغربية، لأن الأسرة بالنسبة إليهم زايْدْ ناقْصْ، وهذا المنظور الغربي المتطرف الذي يعتبر الأسرة مسألة ثانوية". وتابع قائلا: "أخطر شيء في المذكرات المقدمة من طرف تيار الحداثة المتفلّتة، استيراد الحلول الجاهزة من الغرب مع تشويهها أحيانا، وتقديم الانغلاق الأيديولوجي على الحاجات الواقعية، والقبول الميكانيكي الآلي للاتفاقيات الدولية بغض النظر عن تحفظات المغرب عليها ومذكراته التفسيرية"، معتبرا أن هذا الأمر "مُغرض، وليس موضوعيا". وانتقد العثماني ما ورد في المذكرات المذكورة، متوقفا عند مذكرة حزب التقدم والاشتراكية الذي طالب بمنع وتجريم تزويج القاصرات والقاصرين. وتعليقا على ذلك، اعتبر المتحدث ذاته أن هناك "تضخيما لظواهر هامشية"، واصفا الادّعاء بكون زواج القاصرات والقاصرات بلغ مستويات قياسية ومقلقة كما ورد في مذكرة حزب التقدم والاشتراكية، ب"الكذب، لأن زواج القاصرين في تراجع". وذهب العثماني إلى القول إن الأطراف المحسوبة على التيار الحداثي "يهوّلون الأمور من أجل بناء نتائج غير واقعية وغير موضوعية، لأن غايتهم هي تكريس فكرة إيديولوجية، وليس حل مشاكل الأسرة الحقيقية". مقاربة إسلامية قال العثماني إن المرجعية الإسلامية تشكّل أساس بناء الأسرة المغربية وأساس الحفاظ عليها وتنميتها ومعالجة اختلالاتها، باعتبار أن المغرب دولة إسلامية. وانطلق العثماني من مقتضيات دستور المملكة، مبرزا أن الدستور في المادة الثانية والثلاثين أسس لمقاربة إسلامية في معالجة إشكالات الأسرة. ونص الفصل الثاني والثلاثون من دستور المملكة على أن "الأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع". وأردف العثماني أن التحولات التي طرأت على الأسرة التقليدية في كل المجتمعات "كانت نتيجة لاختراق النموذج الغربي الحديث، لكن الأصل هو أن المجتمع ينبني على الأسرة، وفي كل الأديان هناك احترام للأسرة، بما فيها المسيحية التي أعطت جزءا من الحضارة الغربية المعاصرة، ولكنهم (المسيحيون) انفصلوا عن هذه المبادئ". وشدد صاحب كتاب "الأسرة بين المنظومة الإسلامية والمنظومة الغربية" على أن الأسرة "هي الوحدة الأساس في بناء الإنسان والمجتمع، وهي التي تورّث قيم المجتمع للأجيال، وإذا تلاشت ستتفكك المجتمعات وسيعيش العالم فوضى، وهذا انقلاب في التاريخ البشري". ونوه العثماني إلى أن المقاربة القانونية لحفظ الأسرة وبنائها وتعزيزها وحل إشكالاتها، "ليست إلا جزءا يسيرا من مقاربات ومداخيل متعددة في بناء الأسرة والحفاظ عليها وإصلاح اختلالاتها، قد تكون تربوية أو ثقافية أو إعلامية أو اقتصادية أو سياسية، أعلاها المدخل التربوي والثقافي والاجتماعي، دون التقليل من شأن وأهمية المداخل الأخرى، بما فيها المدخل القانوني".