يوشك باحثو المندوبية السامية للتخطيط المكلفون بإجراء "الإحصاء الاقتصادي" الثاني من نوعه الذي يشهده المغرب بعد إحصاء 2001/2002، على إنهاء مهمتهم، حيث ستمكّن نتائج هذا الإحصاء الذي جاء بعد الإحصاء الخرائطي من "توطين" كافة المنشآت الاقتصادية الموجودة في جميع أرجاء المملكة، وبالتالي توفير "بنك معطيات دقيقة" في هذا المجال. وستكون المعطيات التي سيتم تجميعها خلال الإحصاء الاقتصادي، وكذلك الإحصاء العام للسكان والسكنى المزمع إجراؤه خلال شهر شتنبر المقبل، أكثر دقّة، مقارنة مع الإحصاءات التي شهدتها المملكة سابقا، بعد اعتماد توثيق المعلومات بشكل رقمي، عن طريق ألواح إلكترونية، بدل السجّلات الورقية التي كانت معتمدة في السابق. وبحسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس، فإن اعتماد المندوبية السامية للتخطيط على الألواح الإلكترونية يمكّنها من معرفة موقع أي باحث على الميدان، وبالتالي التأكد من تواجد الباحثين في النقط التي يتعين إحصاؤها، حيث ينبغي على الباحث قبل مباشرة الإحصاء أن يسجّل، بدقة، المعلومات المتعلقة بمكان الاشتغال، سواء كان بناية عادية، أو مؤسسة عمومية... وواجه الباحثون المشرفون على إنجاز الإحصاء الاقتصادي إكراهات تتعلق أساسا بصعوبة الحصول على المعلومات الكافية من طرف أصحاب المحلات المهنية، لا سيما المعلومات المتعلقة بالدخل والأرباح ورقم المعاملات، بسبب "الخوف من الضريبة". "هناك مَن يرفض، بشكل قاطع، الإفصاح عن رقم معاملاته، رغم تأكيدنا لهم أن المعلومات التي يتم تجميعها تبقى في حوزة المندوبية السامية للتخطيط، ولا يمكن أبدا تسريبها إلى أي جهة أخرى، لكنهم مع ذلك يبدون تخوفهم"، يقول مصدر من المراقبين المنتدبين من طرف المندوبية لتأطير الباحثين المكلفين بالإحصاء الاقتصادي. ولفت المصدر ذاته، في حديث لهسبريس، إلى أن الباحثين "يواجهون صعوبة مع الفئة المتعلّمة أكثر"، وزاد موضحا: "هؤلاء أكثر تحفظا لتقديم المعلومات، باستثناء الفئات المهنية المنظمة، التي لديها محاسبة". وقبل انطلاق "الإحصاء الاقتصادي"، وجهت المندوبة السامية للتخطيط تعليمات إلى الباحثين بأن يكونوا منضبطين، وأن يحترموا مواقيت العمل التي يضعها المشرفون على هذه العملية، كما أوجبت على كل باحث "أن يتقدم إلى المؤسسات المعنية بالبحث في حالة تبعث على الثقة والارتياح، ويقدم نفسه كباحث يمثل المندوبية السامية للتخطيط في إطار عملية وطنية كبرى". كما أوصت المندوبية الباحثينَ بالتعامل الجيد مع المبحوثين و"عمل كل ما في وسعكم كي يحسُن استقبالكم"، و "العمل على كسب ثقة المبحوثين وإزالة كل لبس أو سوء فهم من شأنهما التأثير السلبي على جودة المعلومات المحصّلة". ويستطيع الباحثون المكلفون بإجراء الإحصاء الاقتصادي الوصول إلى المحلات المهنية بسهولة كبيرة بعد اعتماد الألواح الإلكترونية، حيث يتم تحديد الأماكن التي تتواجد فيها هذه المحلات بنقرة واحدة على شاشة اللوح الإلكتروني. ويتم إحصاء جميع المنشآت الاقتصادية الموجودة على صعيد التراب الوطني، سواء المؤسسات التابعة للقطاع الخاص أو العام، وحتى المؤسسات غير الربحية كجمعيات المجتمع المدني، والأسواق الأسبوعية، بينما تُحتسب المحلات التي توقف نشاطها المهني على أنها "محلات فارغة". ويهدف التوطين الخرائطي للمنشآت الاقتصادي (Cartographie des établissements économiques) إلى إحصاء وتوطين جميع الوحدات الاقتصادية المتوفرة على محل مهني والعاملة في القطاعين العام والخاص وكذا المؤسسات غير الهادف للربح على صعيد التراب الوطني. وتتم عملية التوطين الخرائطي للمنشآت الاقتصادية بالاعتماد على استخدام تقنيات أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية. ويتطلب التوطين الخرائطي إدخال البيانات اللازمة للمنشأة مثل البيانات التعريفية ونوع النشاط الاقتصادي وعدد العاملين، إضافة إلى خصائص أخرى تهم المنشأة. وشددت المندوبية السامية للتخطيط، بحسب ما جاء في الدليل العلمي للتوطين الخرائطي للمنشآت الاقتصادية، على أن نجاح هذه العملية "يتوقف على تنظيم مدقق وصارم خلال إنجاز مراحلها المختلفة لتجنّب أي تكرار أو إغفال أثناء إحصاء المنشآت". وإذا كان اعتماد الألواح الإلكترونية لتجميع معطيات "الإحصاء الاقتصادي" سيوفر معلومات أكثر دقة، فإنّه سيسرّع إظهار نتائج الاستطلاع، حيث تصل المعلومات التي يدوّنها الباحثون في الحين إلى المقر المركزي للمندوبية السامية للتخطيط. إضافة إلى ذلك، أفاد المصدر الذي تحدث لهسبريس بأن الاستعانة بالألواح الإلكترونية مكّنت من إنجاز التوطين الخرائطي للمنشآت الاقتصادية في زمن أقصر، ففي الوقت الذي استغرق الإحصاء السابق سنتين، لن يستغرق الإحصاء الحالي الذي يوجد في مراحله الأخيرة سوى سنة وأربعة أشهر.