لهذه الأسباب هربت من المسرح للفنان محمد مجد جذور راسخة في المسرح المغربي، ورغم أنه خلال المدة الأخيرة ركز اهتمامه أكثر على الميدان السينمائي والدراما التلفزيونية؛ فإن بصماته في المسرح تظل بارزة ولا يمكن القفز عليها، غير أن الظروف المتردية لأب الفنون هي التي أجبرته على الابتعاد عن هذا الميدان مؤقتا. وفي أغلب الأعمال السينمائية التي شارك فيها، نجد أنه حاز على جائزة أفضل ممثل، وإذا لم ينل هو الجائزة؛ فغالبا ما يحظى الشريط الذي يشارك فيه بتتويج في المحافل الدولية. وفي هذه المذكرات التي خص بها بيان اليوم، يتحدث محمد مجد بكثيرة من العفوية والحنين، عن الطفولة القاسية، الحي الشعبي درب السلطان بالدارالبيضاء، البحث عن الذات، ممارسة مهنة إصلاح صفيح السيارات، التوظيف بالملاحة التجارية، اللقاء الأول بالمسرح، التخلي عن الوظيفة، الدراسة بفرنسا، الفرقة المسرحية التي قام بتأسيسها والتي لم تقدم سوى عرض مسرحي واحد، المشاركة في الأعمال السينمائية وفي الدراما التلفزيونية، آماله وطموحاته.. - 2 - اتصل بي المخرج السينمائي عبدالمجيد رشيش وكان قد تخرج حديثا في المعهد السينمائي بفرنسا، وتم توظيفه بالمركز السينمائي المغربي، وفكر في إخراج فيلم سينمائي قصير مدته خمس وعشرون دقيقة سنة 1968 ، فكان هذا أول عمل سينمائي أشارك فيه، وهو بعنوان الغابة، وقد أصبح هذا الشريط من بين كلاسيكيات السينما المغربية، سنتان بعد ذلك، أشركني المخرج نفسه في شريط سينمائي آخر هو البراق، ومن ثم بدأت أتلقى عروض للمشاركة في أعمال سينمائية أجنبية، من بينها الشريط السينمائي الطويل الرسالة لمصطفى العقاد، وفي الفترة الممتدة من 1972 إلى 1980 كنت قد تعرضت للمنع من الظهور في التلفزيون، فلم يعد بإمكاني المشاركة في الأعمال الدرامية التلفزيونية، عندها قررت صحبة مجموعة من الفنانين تكوين الفرقة الغنائية جيل جيلالة، التي تألفت في الانطلاق من محمود السعدي وحميد الزوغي والطاهر الأصبهاني ومحمد الدرهم وسكينة الصفدي، واشتغلت معهم بصفتي محافظا عاما إلى حدود أواخر السبعينات، حيث قررت العودة إلى الميدان المسرحي، فاقترح علي الفنانان سعد الله عزيز وخديجة أسد بفرقة مسرح الثمانين، المشاركة في مسرحية النخوة على الخواء، حيث قمنا بجولة لعرضها داخل الوطن وخارجه، وبالموازاة كنت أتلقى عروضا للمشاركة في أعمال سينمائية أجنبية، وفي سنة 1983 اتصل بي المخرج عبدالله المصباحي وأشركني في شريطه السينمائي الطويل أفغانستان لماذا؟ وعند توقف مؤقت للعمل بسبب مشاكل مادية، عدت إلى مدينة الدارالبيضاء، حيث كتبت مسرحية بعنوان شد المنطيح لا يطيح، فقمنا بتشخيصها، وفي تلك الفترة نفسها حدث أن تم هدم المسرح البلدي، فوجدنا أنفسنا مضطرين لتقديم عروضنا بالمسرح الذي يقع بشارع الجيش الملكي والذي كان عبارة عن قاعة للأفراح وليس فضاء للمسرح وقد تم اللجوء إليه لسد الفراغ الذي خلفه هدم المسرح البلدي، ومن ثم قمت بإخراج العديد من المسرحيات: غيثة، كاري حنكو، من هنا دازو، كبرها تصغار، وعدد آخر من المسرحيات التي لم أعد أتذكر عناوينها، أما على مستوى الدراما التلفزيونية، فاشتغلت في مجموعة من المسلسلات، وفي سنة 1997 اتصل بي المخرج السينمائي حسن بنجلون وأشركني في شريطه السينمائي الطويل أصدقاء الأمس، وفي سنة 2000 التقيت بالمخرج السينمائي نبيل عيوش وأسند لي دورا في شريطه السينمائي الكبير علي زاوا، وبعد ذلك توالت مشاركتي في العديد الأعمال السينمائية: عود الريح لداوود أولاد السيد، وألف شهر لفوزي بنسعيدي، وبعد.. لمحمد اسماعيل، وأعمال أخرى كثيرة، فضلا عن أعمال خاصة بالتلفزة. أنا لم أتخل عن المسرح بصفة نهائية، لكن بصراحة، كنا نشتغل في المسرح في الوقت الذي لم تكن سياسة الدعم قائمة، لأنه في غياب هذه السياسة، كنا نبحث عن سبل للإنتاج، وعند شروعنا في الجولة لتقديم عروضنا، كنا نحظى بتعاون الجماعات المحلية والعمالات كما أن الشركات كانت تقوم باقتناء تذاكر العروض، إلى غير ذلك من أشكال التعاون، لكن عند سن سياسة الدعم، وجدنا هذا غير كاف، كما أننا عند قيامنا بالجولة، صرنا نصطدم بغلاء قيمة كراء فضاءات العرض، فضلا عن تكاليف النقل، وأجرة الممثلين والتقنيين إلى غير ذلك من التكاليف، بينما لم تعد الجماعات المحلية والعمالات تتعاون معنا، تحت مبرر أننا نحصل على دعم الإنتاج والترويج من طرف وزارة الثقافة، ومن جهتها فإن الشركات لم تعد تقتني تذاكر العروض، وهذا ما جعلني أهرب من المسرح، فالمسرح قد مات في الوقت الذي تم فيه سن سياسة الدعم، بدليل أن جل الذين كانوا يمارسون المسرح، بلا دعم الوزارة الوصية، انسحبوا، ذلك أننا عندما صرنا نقدم عروضا مستفيدة من الدعم، نرسل دعوات للجمهور ومع ذلك لا يحضر، بينما سابقا كان الناس يحضرون بكثافة لعروضنا بمجرد وضع ملصقاتها.