اتخذت قضية معتقل تمارة أبعادا جديدة من شأنها، أن تخرج هذا الملف من عنق الزجاجة، وتدفع المغرب نحو مواجهة هذا الملف بكل شجاعة وبدون عقد، تذكر بما حصل في التعاطي مع معتقل تازمامارت، وذلك بعد أزيد من أسبوعين على مناقشته في جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس النواب ثم طرح ملف تشكيل لجنة تقصي حقائق حول المعتقل من قبل حزب العدالة والتنمية ورفض باقي الأحزاب الممثلة في المجلس للمشاركة في هذه المبادرة. الجديد اليوم هوالاستعدادات الجارية على مستوى حركة 20 فبراير لتنظيم فعل احتجاجي أمام المقر المفترض لهذا المعتقل نهاية الأسبوع الجاري، وسبق ذلك تبني الفريق الاستقلالي لموضوع طلب عقد اجتماع للجنة الداخلية لمناقشة القضية مما اعتبر مؤشرا على توسع دائرة القوى الحزبية المستعدة لتوسيع دائرة النقاش العمومي البرلماني، رغم ما أثير من توجسات حول استغلال ذلك لتبرير رفض تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وبموازاة ذلك تشهد مواقع الإنترنت وصفحات الفايسبوك واليوتيوب نشرا مستمرا لشهادات معتقلين في قضايا ما يسمى بالسلفية الجهادية، وهي الشهادات التي بدأت تقدم مشاهد تمثيلية في أشرطة أنتجتها اللجنة الإعلامية التنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة ل «تجسيد تعذيب تمارة» بحسب اللجنة، وتعززت أمس بالشريط الرابع للمعتقل المحكوم مؤخرا بعشر سنوات بوشتى الشارف والذي أكد فيه استعداده لإجراء الخبرة الطبية لإثبات ما تعرض له من تعذيب، بشرط توسيع دائرة من يستفيد من الخبرة الطبية لشباب آخرين من معتقلي سلا، وحيادية الجهة الطبية وعدم تدخل الجهاز القضائي في الموضوع والالتزام بمعاقبة من يثبت تورطهم في التعذيب. لقد تطور مسار الإنكار حول وجود هذه المؤسسات طيلة السنوات الخمس الماضية، ليتم الحديث عن مجرد مقر إداري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، واليوم ثمة قناعة بوجود ما هو أكبر من المقر، وخاصة بعد حديث البعض من المعتقلين عن ادعاءات بوجود وفيات مجهولة، أو وجود حالات اختفاء قسري قضت سنوات كما كشف أحد المشتبه فيهم ضمن خلية ما سمي بمجموعة «أسلحة أمغالا» والذي اعتقل منذ أواخر 2007، وهي معطيات تتجاوز ما هو سائد من كون هذا المكان مجرد محطة انتقالية في التحقيقات والاستنطاقات، إلى ما هو أسوء يذكر بفظاعات الماضي الأسود لانتهاكات حقوق الإنسان. هل سنستمر في تغطية الشمس بالغربال أم سنمتلك الجرأة لحل هذا الملف؟ إن تطور الأحداث يؤكد أن ذلك أصبح مسألة وقت، خاصة مع تصاعد حركة الشارع الضاغط لتصفية هذا الملف، وتحوله إلى رمز انتهاكات العشرية الماضية، وكل تردد أو إنكار سيجعل من تدبيره مكلفا، والخيار الممكن هو التعاطي بشكل استباقي وإرادي يمر بالضرورة عبر المؤسسة التشريعية، والتي سيؤدي تحملها لهذه المسؤولية إلى إعادة الاعتبار لها، وتقديم الدليل عن نهاية عهد التدخل السلطوي في توجيه عمل المؤسسة التشريعية، خاصة بعد أن أثيرت علامات استفهام كبيرة حول «التوافق الغريب» بين عدد من الفرق على رفض المشاركة في تشكيل لجنة تقصي الحقائق، والتي بدون توفر دعم أغلبية الأعضاء فإن احتمال تشكيلها منعدم بحسب الفصل 42 من الدستور. إن تقصي الحقائق حول معتقل تمارة أحد إجراءات الثقة المطلوبة لإنجاح ورش الإصلاح الدستوري والديموقراطي العميق.