ملتمس الرقابة يوسع الخلاف بين المعارضة وتبادل للاتهامات ب"البيع والمساومة"    المغرب يشارك في القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    تسجيل أكثر من 245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة خلال الفصل الأول من العام    بايرن غاضب بشدة من إلغاء هدفه القاتل في الخسارة 2-1 أمام ريال مدريد    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    طنجة.. توقيف 5 أشخاص ينشطون ضمن عصابة إجرامية لترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    تقدم أشغال إنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية "قصر أبجير" بإقليم العرائش ب 35 في المائة    منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق تنظم أبوابها المفتوحة الثانية    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    وكالة بيت مال القدس الشريف تشارك في المعرض الدولي للنشر والكتاب برواق قبة الصخرة المشرفة    مجلس المستشارين.. مشاركون في مائدة مستديرة يبحثون سبل تعزيز نظام التعاضد في ظل ورش الحماية الاجتماعية    أنشيلوتي: "ما يفعله ريال مدريد شيء سحري.. والريمونتادا ليست غريبة"    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    البرلمان المغربي يشارك في الدورة ال 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    المنتدى العربي للتنمية المجتمعية بالدار البيضاء.. تسليط الضوء على جهود المملكة في التعاطي السريع والفعال مع زلزال الحوز    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    "طيف سبيبة".. رواية عن أطفال التوحد للكاتبة لطيفة لبصير    أخنوش محرجا الاتحاد الاشتراكي: كنتم ترغبون في دخول الحكومة واليوم تهاجموننا.. فماذا حصل؟    من بينها المغرب.. سبع دول تنضم لمبادرة "طريق مكة"    الكشف عن ثاني مصنع أيسلندي لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    حقوقي: بودريقة انتهى سياسيا ويجب افتحاص ماليتي نادي الرجاء ومقاطعة مرس السلطان    ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    الصحة العالمية: مستشفى أبو يسف النجار برفح لم يعد في الخدمة    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    للمرة الأولى.. بايدن يهدد بإيقاف إمداد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    رحيمي يورط إدارة نادي العين    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    وزارة الأوقاف تعلن عن أول أيام شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسفة الظواهر الثقافية والهوية الوجودية للإنسان
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. آراء
فلسفة الظواهر الثقافية والهوية الوجودية للإنسان
إبراهيم أبو عواد
الأحد 20 نونبر 2022 - 12:26
1
فلسفةُ الظواهرِ الثقافية تُمثِّل مشروعًا اجتماعيًّا لتحريرِ الفِكْر مِن أوهام الواقع ، وتخليصِ الواقع مِن أدْلَجَة الفِكْر . وإذا كانَ الفِكْرُ يُؤَسِّس أنساقَه الحياتيَّة لإعادة ترتيب فَوضى الواقع ، فإنَّ الواقع يُؤَسِّس مرجعياته الفِكرية لتوليد التَّصَوُّر النَّقْدِي في فلسفة التُّرَاث وتُراثِ الفلسفة . وتمركزُ الفلسفةِ في الظواهر الثقافية والسِّيَاقات التُّراثيَّة ، يُحدِّد أبعادَ صُورة المُجتمع عن ذاته ، ويَكشف كَيْفِيَّةَ تَوظيفِ التاريخ في عمليَّة الاندماج الاجتماعي ، وإنشاءِ الروابط الوجودية بين الفرد والمُجتمع ، وترسيخِ الوَعْي في مصادر المعرفة ، بِوَصْفِها جُزْءًا أساسيًّا مِن البناء الاجتماعي ، ولَيْسَتْ نظريات هُلاميَّة عاجزة عن بناء التواصل بين الفِعل الاجتماعي والفِعل اللغوي . وكُلُّ فِعْلٍ سواءٌ كانَ اجتماعيًّا أَمْ لُغَوِيًّا يُعْتَبَر تَحَوُّلًا جذريًّا في العلاقة التي تربط الفِكْرَ والواقعَ ، وهذا التَّحَوُّلُ يُعَزِّز تَصَوُّرَ الفردِ لفلسفة الظواهر الثقافية ، باعتبارها الحاضنةَ الشرعية للأفعال الاجتماعية ، التي تَعْمَل على تَوحيدِ الاتجاهات في البُنية الوظيفية للمجتمع ، وإزالةِ التناقضات الجَوهرية في منهج التأويل الرمزي الذي يُحدِّد معالمَ الصراع على اللغة ، ويُوضِّح ملامحَ الصِّدَام في اللغة ، ويُبيِّن دورَ الفردِ والمُجتمع في التعامل معَ اللغة ، لَيس بِوَصْفِهَا أداةً للاتِّصال والتَّوصيل والتواصل فَحَسْب ، بَلْ أيضًا بِوَصْفِهَا آلِيَّةً معرفيةً وجوديةً لإعادة فَهْمِ الفرد لأعماق النَّفْس الإنسانية ، وفَهْمِ المُجتمع لأبعادِ العقل الجَمْعِي .
2
تَستمد الظواهرُ الثقافية مَعْنَاها وشرعيتها مِن الأحداث اليومية ذهنيًّا وواقعيًّا ، ومِن الوقائع التاريخية معنويًّا وماديًّا ، لكنَّ فلسفة الظواهر الثقافية تَنبع مِن الطاقة الرمزية في اللغة ، التي تستطيع توليدَ الفِعل الاجتماعي ، وتأسيسه على قاعدة الوَعْي الحقيقي لا الزائف ، مِن أجل تحويل المُجتمع إلى كِيَانٍ إنساني مَفتوح أمام الأفكار الإبداعية ، وماهيَّةٍ أخلاقية مُنفتحة على مُكَوِّنَات الثقافة ، مِمَّا يَضمن تحقيقَ التواصل العقلاني بين العلاقات الاجتماعية ضِمن سِيَاق المعرفة الفرديَّة والجماعيَّة ، وعيًا تاريخيًّا ، ومُمَارَسَةً ذهنيةً ، وتجريدًا فلسفيًّا ، وتطبيقًا عمليًّا ، والتزامًا أخلاقيًّا . وهذا الأُفُقُ المعرفي الخالي من الأنظمة الاستهلاكية الضاغطة على وجود الإنسان وهُوية المُجتمع، هو الحاملُ لإنسانيَّةِ الثقافة ، ورمزيةِ اللغة ، ونِسْبِيَّةِ الزمن . وهذه المنظومةُ الثلاثية تَرْمِي إلى نقل مصادر المعرفة مِن الموضوع ( المعنى في تاريخ الإنسان ) إلى الذات ( معنى الإنسان شخصيًّا ) . وهذا مِن شأنه نقل مناهج التحليل الاجتماعي مِن تفسيرِ المأزق الوجودي للإنسان إلى تغييره ، ومِن وَصْفِ الأنساق الحياتيَّة إلى تَشكيلها. مِمَّا يَدفع فلسفةَ الظواهر الثقافية باتِّجاه إعادة بناء المفاهيم المركزية في التَّصَوُّر النَّقْدِي المُرتبط بالتفاعل الرمزي بين هُوية المُجتمع ومَاهِيَّته . وبما أنَّ الأفكار الإبداعية لا تُوجَد بِمَعْزِل عَن النَّقْد والنَّقْض، كانَ لِزَامًا تكوين نظام اجتماعي خاص بالوَعْي الإنساني يَعمل على تفكيك تاريخ الإنسان وتركيبه بشكل مُستمر ، مِن أجل كشف نقاط القُوَّة والضَّعْف في المسارات الحياتيَّة المُتذبذبة بين القطيعة المعرفية والتواصل العقلاني ، والتعامل مع هذه المسارات كرموزٍ لُغوية تُشير إلى مُستوى الوَعْي في الوقائع التاريخية ، وكأفعالٍ اجتماعية تُشير إلى التسلسل المنطقي للأحداث اليوميَّة . والمُشكلةُ الأساسيةُ في تاريخ الإنسان تَكْمُن في عدم قُدرة الإنسان على تكوين صُورة واضحة عن ذاته خارج أنساق المجتمع وإفرازاته الفكرية ، كما أنَّ هُوِيَّة الإنسان ظَلَّتْ سجينةَ الفِعل الاجتماعي المُنعكس عن سُلطة المُجتمع،والمُتماهي معَ العلاقات الاجتماعية المَفروضة وَفْق سِيَاسة الأمر الواقع . والإنسانُ لا يَختار نَفْسَه ، ولا جِنْسَه ، ولا نَسَبَه ، ولا مُجْتَمَعَه. ولا يَمْلِك الإنسانُ إلا أن يُطَوِّر رمزيةَ اللغة مِن أجل التأقلمِ معَ العناصرِ الماديَّة المَفروضة على حياته ، والتفاعلِ مع التراكيب المعنوية المُتَغَيِّرَة في أفكاره وَمَشَاعره . واللغةُ عابرةٌ للحُدودِ الزمنيَّة والحواجزِ المكانيَّة ، وهذا يَعْني أنَّ تطويرَ رمزيةِ اللغةِ هو استعادةٌ لأحلام الماضي وطُموحات الحاضر مِن أجل بناء المُستقبل كَجَوهرٍ للوُجود ، وحقيقةٍ للبناء الاجتماعي ، ولَيس كَمَرحلةٍ زمنيَّة عابرة ، أوْ خُطَّةِ هُروب مِن صِراعات الماضي وأزمات الحاضر .
3
وُجودُ الإنسانِ مُؤقَّتٌ في الزمان والمكان ، لكنَّ هُوِيَّة الإنسان دائمة في رمزية اللغة ومصادرِ المعرفة . والثقافةُ لا تُوجَد بلا لُغَة ، والمعرفةُ لا تُوجَد بلا تاريخ . وهاتان الحقيقتان تَفرضان على الإنسان أن يَعيش كَيْنُونَتَهُ حتى أقْصَى مَدَاها ، وأن يُعيد تشكيلَ الثقافةَ اللغوية والمعرفةَ التاريخية في سِيَاق الأفكار الإبداعية ، لنقل شخصيته وسُلطته مِن مفهوم الكائن الزائل جسديًّا إلى مَفهوم الكِيَان الباقي فكريًّا . وهذه المُهِمَّةُ الشَّاقَّة تتطلَّب غَوْصَ الإنسان في أعماقه السحيقة لاكتشاف حياته الحقيقية ( السِّرِّية ) ، وتحليلَ التاريخ مِن الداخل ( التنقيب في العُمْق لا الضَّرْب على السَّطْح ) ، وتفسيرَ الثقافة اعتمادًا على نُقطة التوازن ( نُقطة الارتكاز ) بين بُنية اللغة وبُنية المُجتمع . والإنسانُ لا يُمكن إخراجُه مِن جِلْدِه ، والتاريخُ لا يُمكن إخراجُه مِن جَسَده ، والثقافةُ لا يُمكِن إخراجُها مِن كِيَانها ، وهذه المُسَلَّمَاتُ مُجْتَمِعَةً تَدفع الإنسانَ ( الذات الفاعلة داخل الوَعْي والمُجتمعِ والتاريخِ ) إلى اكتشاف هُوِيَّته الوُجودية في واقعه المُعَاش ، ولَيس استيرادها ، أوْ نَسْخها ، أوْ تقليدها ، أو التَّنَكُّر لها ، أو ارتداء الأقنعة خَجَلًا مِنها ، أوْ هُروبًا مِن حقيقتها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.