إعداد : عبد الله يعلى . تمهيد: إننا عندما نكتب هذه المرة، فإننا نكتب عن موضوع من الأهمية بمكان، لأنه موضوع متشابك، ومتشعب في نفس الوقت، ويحتمل عدة تفسيرات وتأويلات، وهو موضوع لم يتطرق إليه أحد من قبل بهذه الطريقة التفصيلية والتوضيحية، فإننا اليوم نتطرق إلى موضوع ” الخرافة والأسطورة ” في الثقافة الشعبية للمجتمع الريفي القديم … فهذا يدعونا إلى البحث والتنقيب على مجموعة من الظواهر والحقائق الخرافية الغابرة، والتي كانت سائدة في حقبة معينة، وقد تكون نفس الأسطورة تلازمنا إلى يومنا هذا… لكن بعد تحولها إلى طبيعة الأشياء المألوفة أصبحت أمرا معتادا لذا أصبحنا لا ندرك حجم تلك الخرافة، بعد توغلها داخل النسيج الثقافي والاجتماعي للمجتمع الريفي، ولا تقتصر الخرافة والأسطورة على منطقة الريف فقط، بل هي حاجة ملحة تتطرق لها مختلف شعوب العالم ولكن تختلف هذه الأساطير من حضارة لأخرى، وأحيانا تنتقل الأسطورة من شعب لأخر في قالب من ذهب تحت تأثير عوامل الاحتكاك والتواصل الدائم، وبالتالي سنقوم قدر المستطاع بتبيان مجموعة من الأفكار الخرافية والتي إستخلاصنها من بقايا أثارها على القاموس اللغوي الريفي الأمازيغي، إذ أنه ما تزال تنطق أسماء ومسميات تعود أصولها إلى الظواهر الأسطورية، إذ نجد أثارها بادية في التعاملات اليومية للمجتمع الريفي، لكن بفعل اعتيادها لم نعد نبالي بهذه الخرافة، ولا نقوم بأية محاولة من أجل التساؤل حول المرجعية التي انبثقت منها، وكذلك تبدو جلية في الحكايات الشعبية القديمة “ثْحَاجِيتْ” وقد تكون حديثة متجددة تم تناولها في العصر الحالي تحت تأثير عدة عوامل روحانية وحيثيات مستعصية قد تقودنا إلى مجال السحر والشعوذة الذي لا يخلو من الخرافات والأساطير، ويمكن أن نقول أن الفكر الخرافي، هو إنتاج محلي غالبا، وفي بعض الأحيان قد تكون الخرافة بمثابة حاجة ملحة يتطرق إليها المواطن الريفي ليخيف صغاره في مفهوم ” ثَامْزَا” مثلا “الغولة” امرأة متوحشة أسطورية تفترس الصغار وتأكلهم. 1) ثَمْزَا (مؤنث) أَمْزِيوْ(مذكر) إِمْزِيوَنْ (الجمع)/(امرأة مفترسة تأكل الأطفال الصغار) فكما تحكي عنها مجموعة من الحكايات الشعبية القديمة ” ثْحَاجِيتْ” فهي امرأة خطيرة جدا، مخيفة ومفترسة تأكل الأطفال، ولها جسم ضخم، لها أنياب أمامية طويلة، وحملت اسم “ثَامْزَا” بعدما قامت في البداية بافتراس أبنائها الصغار تحت تأثير خدعة عجيبة تم من خلالها التحايل على “ثامزا” ولما اكتشفت أنها افترست أبنائها، وفِلَذة كبدها، جنَ جنونها وتوترت أعصابها وأصيبت بحالة هيستيرية من الهيجان، أصبحت بعد ذلك امرأة متوحشة ومفترسة، ثامزا شرهة ونهمة فأصبحت تأكل الكثير ولا تشبع، وهي مصدر خوف للصغار، وكان الآباء يعمدون إلى تخويف الصغار بقولة ” أَشْثْشْ ثَامْزَا ” أي أن “ثامزا سوف تأكلك” فلا يجرؤون أبدا على الاقتراب من مكان ذكرت فيه تلك العبارة، فلطالما سمعنا مثل هذه العبارات المخيفة ونحن أطفال صغار لكن تبقى الأسطورة “ثامزا” من أشهر الأساطير الريفية منذ القدم، وقد تشكل منبعا لمجموعة من الخرافات الأخرى. مثلا كقصة ” حَمُوْ لَحْرَايْمِي” وشجرة التين التي يملكها ” ثْوَثُوتْ أْحَمُو” التي تلازم أسطورة ثامزا وتلاحقها في جميع فصولها، هذه إشارات وتلميحات فقط. فلضيق المجال سنقتصر على تقديم نبذة مختصرة لإعطاء فكرة عامة حول هذه الاساطير القديمة في مجتمعنا. 2) مفهوم ” ثْعِينْصَاثْ ” (النار المباركة) تعتبر ثعينصاث ظاهرة غريبة ومدهشة في تبجيل رائع وتعظيم ملفت لهذه النار، وهو يوم معروف لدى المجتمع الريفي الأمازيغي ،وهو شبيه بأيام الأعياد ويقابل يوم “موت الأرض” وهو يوم معروف لدى الفلاحين الريفيين وإن دل هذا الاحتفال على شيء إنما يدل على تشبث الإنسان الأمازيغي بالأرض، فيشارك الجميع في جمع الحطب، ويجب أن يكون ذلك الحطب من مختلف أنواع النباتات والأشجار وهو حطب خاص بهذه النارفقط، متنوع ومختلف، وتصنع منه كومة كبيرة، ويستعد الجميع في لحظة تأهب من أجل إشعالها وقت الغروب. وستنطلق الطقوس والمراسيم، حينذاك تقوم النساء بإعداد سبع وجبات من أفضل ماجاد به المطبخ الريفي، وهذه الوجبات خاصة بيوم ثعينصاث فقط (من بينها وجبة إِيزَايَابَنْ)، بعدما تشعل النيران وتتوقد حتى يصعد لهيبها إلى عنان السماء، والكل يصرخ ويمرح ويبدؤون بالقفز فوق النار واحدا تلوا الأخر في أجواء من الحماس والشجاعة، من أجل اختراق ألسنة اللهب الساخنة، وآخرون يطوفون حولها ويرددون عبارات وأدعية وصلوات في أجواء من البهجة والفرحة، ولا يخلو ذلك من معتقد لهم، حول هذه النار التي تعتبر نارا مباركة في يوم مبارك … لكن لحد الان قمنا بسرد الواقع والتعريف بمفهوم ثعينصاث ولم نتطرق إلى أصول هذه الأعراف، فنحن نعلم حاليا أنه توجد مجموعة من الحضارات التي تقدس فيها النار، وهناك شعوب قد اتخذت من النار إلها يعبد ونذكر على سبيل المثال الحضارة المجوسية، إذ يمكن تشبيه ثعينصاث بطقوس الهنود الحمر أو بقبائل الأفارقة الزنوج إذ نجدهم يشعلون النار ويطوفون حولها في أجواء من البهجة والسرور… لكن نحن لا نحكم في هذا الصدد، بأي شيء بل هي دعوة للتأمل والملاحظة ودعوة إلى المزيد من البحث والتنقيب لمعرفة أصول هذه الطقوس حتى نتيقن إلى أي مدى تتجذر أصولنا في أعماق التاريخ ومع من احتكت خلال العصور الماضية. 3) طائرالبوم “ثْووُشْتْ” أو “مُوكاَ” رمز الموت أو يبشر بقدوم الموت. ويبقى البوم طائرا متهما بكونه يجلب الموت والشر إلى البيوت التي يقف فوق سطوحها، ويصدر صراخه وعند ما يسمع الإنسان الريفي صراخ البومة، ينزعج ولا يحب سماع ذلك الصوت، لكونه يعتقد أن طائر البوم يجلب الموت إلى بيته، فيصرخ هو بدوره في وجه البومة قائلاً “حَمُوْ أْنَمْ إِوْيِثْ يَغْزَارْ”، وفي بعض المناطق “عَكْشَا أْنَمْ ثَمُوثْ” أو “خُوجَدْجِيفْ أْنَمْ”، أي ما معناه على التوالي “إبنك حمو غرق في النهر”، “عكشة إبنتك توفية”، ” على رأسك”. فيكون هذا الجواب بمثابة إبطال فعلي للمفعول الذي يحدثه صراخ البومة… هنا نلاحظ أن الخرافة تسللت إلى الثوابت والمسلمات فأصبح الإنسان يعتقد أن البومة لها قدرة خارقة تجلب بها الموت، ونحن نعلم شرعا أن الموت بيد الله عزوجل، فالخرافة تزلزل العقائد وتحل مكانها في بعض الأحيان. اتهام البومة بتهم خطيرة، من هذا القبيل يجعلنا نفكر ملياً في الطريقة التي كان يفكر بها من أسس قواعد هذه الأساطير… والتهمة التي وجهت إلى طائر البوم هي خرافة محضة بل أصبحت معتقدا راسخا في الذاكرة المحلية… والبومة طائر خلقه الخالق جلت قدرته على هيأته وهو يسبح لله سبحانه على طريقته، لكن توالي الصدف في حدوث الموت بالمنازل التي يقف فوق سطوحها، جعل العامة يتهمون البومة بكونها رمزا ينذر ويبشر بقدوم الموت. 4) طائر السنونو ” ثِفْرِيدْجَسْتْ ” يسبب ارتعاش اليدين بمجرد لمسه فقط . كما أتهم طائر السنونو ” ثفريدجست” بكونه يسبب ارتعاش اليدين بمجرد لمسه أو محاولة الإمساك به، وكان الصغار يتوجسون من ذلك الطائر البريء، فهذه أيضا من الخرافات الشائعة، هذا الطائر لا يسبب ارتعاش اليدين بل التجأ الأسلاف إلى ابتكار هذه الخدعة العجيبة، لمنع الأطفال من العبث أوالإمساك بهذا الطائر، لأنه قد أطلقت إشاعات حول هذا الطائر بكونه يحج إلى بيت الله الحرام ويعود، مما يستوجب منا احترامه وتوقيره. أما هجرة الطيور فإنها ثابتة علميا، إذن فما المانع من أن يهاجر سرب السنونو من الريف إلى مكان أخر. أطلق هذا الخبر بين الأهالي وبالتالي أكتسب هذا الطائر نوعا من التقدير والاحترام والتوقير، وابتكروا تلك الحيلة، أي أنه يسبب ارتعاش اليدين لمنع الأطفال والصيادين من الإمساك به. إن هذه الأفكار الخرافية مازالت سائدة إلى يومنا هذا في أذهان البعض، لكن نحن لا نعير لها اهتمامات واسعة لأنها أصبحت من الأشياء اليومية المألوفة،المعتادة …!! 5) الحرباء ” ثَاثَا ” صانع الأسنان بامتياز. كانت الحرباء بمثابة ما يشبه طبيب أسنان لدى المجتمع الريفي، فهي بإمكانها أن تزيل أسنان شخص معين بمجرد أن تحسب عدد الأسنان، وكان الأطفال والكبار عندما يشاهدون الحرباء يصرخون ويرددون “أغلقوا أفواهكم حتى لا تتمكن الحرباء من عدِ أسنانكم “،باعتقاد أنه إذا تمكنت الحرباء من عد أسنان شخص ما فسوف تتساقط واحدة تلو الأخرى، وهذه فكرة خرافية نسبيا وتحمل جانبا من الصحة، في مسألة مهمة تتعلق بقضية إغلاق الفم أمام الحرباء فنحن نعلم علميا أن الحرباء تنفث غازا ساما من فمها وقد يكون هذا الغاز ضارا بالإنسان لذلك التجأ الأسلاف الأوائل إلى هذه الخدعة لإجبار الأطفال والشباب على سد أفواههم أمام الحرباء تجنبا لاستنشاق ذلك الغاز الذي تنفثه الحرباء، بعدما تأذى به أحدهم، لأن عواقبه وخيمة على صحة الإنسان كما كان يعتقد آنذاك، لكن ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن الحرباء ليس لها حول ولا قوة في مجال تساقط الأسنان بل هي من الخرفات الشائعة، والتي قد تحتوي في بعض الأحيان على حقائق علمية مدهشة وحكم. 6) “إِيْصِيضْ ” وحش مخيف ومفترس له سبعة رؤوس. ومع توالي الأيام تحولت الخرافة إلى أسطورة مخيفة ترعب قلوب الناس وتفزعهم، فنجد في مفهوم ” إيصيض” وهومصطلح أمازيغي من الدرجة الأولى، والكثير يعتبرون أن “إيصيض” هو “إِفِيسْ”، أي الضبع وهو حيوان معروف عند الريفيين، وعاشوا معه صراعات ومعارك في تلك الفترات من الزمن الغابر، و”إيصيض” بمثابة التِنِينْ ( حيوان خرافي ) بالنسبة للصينيين، وكلا هما حيوانات خرافية، فإيصيض في الريف كما تحكي عنه الحكاية الشعبية القديمة “ثْحَاجِيتْ”، إذ تقول أنه حيوان خطير ذو جسم ضخم وله سبعة رؤوس يفترس بها البشر، وقد احتل هذا الأخير منبع الماء، الذي كان يسقي منه الناس ويشربون، ولأجل فعل ذلك كان إيصيض يفرض عليهم قربانا كل يوم، وكان القربان هو أجمل فتاة في القرية يتقدمون بها إلى الوحش كهدية حتى يسمح لهم باستغلال تلك العين “ثَارَا”، وحدث ذات مرة أنه مر رجل شجاع بالقرية والتقى بالفتاة الجميلة ابنة ملك ذلك العصر، وهي تبكي وتئن، بحيث ستكون وجبة للوحش في المساء، فسألها الرجل الشجاع عن سبب بكائها فأجابته بالحقيقة المرة، المتمثلة في حزنها ولا تكاد تنطق بكلماتها، فتقدم الرجل الشجاع وقد استعد ببسالة لمعركة نارية بينه وبين الوحش، ووضع سبع عمامات فوق رأسه، وذهب إلى أن وصل إلى الوحش المفترس “إيصيض” فضربه الرجل بسيفه القاطع فقطع إحدى رؤوسه السبعة، وضربه الوحش فسقطت إحدى عماماته السبع، فبدأ الرجل يضرب رؤوس الوحش ويسقطها، ونفس الشيء بالنسبة للوحش يضرب بدوره الرجل الشجاع ويسقط عماماته في معركة نارية بين الخير والشر.. حتى بقي للوحش رأس واحد … فأنهال عليه الرجل بسيفه الصارم فقتله وخلص القرية من شره.. كانت مكافأة الرجل الشجاع أن تزوج بتلك الفتاة الجميلة الحسناء ابنة الملك، ” يَدْجِيسْ أُو جَدْجِيذْ “، فهذه الأسطورة كما رأينا تحتوي على عدة أمور مدهشة وتبرهن على عبقرية الإنسان الريفي في إبداع وتركيب الحكايات، وكذا سيولة النص الحكائي وإثارته واسترساله في أسلوب يستهوي المستمع تماما كمن يشاهد الأفلام السينمائية حاليا، فإننا لم نسرد الحكاية كاملة بل ذكرنا الجزء والفقرة المتعلقة بالمعركة الفاصلة التي سقط فيها الوحش ميتا، الأسطورة الخرافية إيصيض. هذا من ابتكار الإنسان الأمازيغي الريفي، معبرا من خلاله عن حضارته وثقافته في حقبة معينة من الأزمان الغابرة. 7) “بُوكَََبَاسْ” شبح ليلي يأتي للإنسان أثناء نومه ويخنقه. وهناك شبح خطير يدعى ” بُوكْبَاسْ” أو “بُوحْبَاسْ”، يختلف نطقه من منطقة لأخرى، وهو يأتي إلى الإنسان في نومه، ويخنقه ويقطع أنفاسه، حتى يصاب ذلك الشخص بالشلل التام فلا يستطيع الحركة، ويصرخ ولا يسمع صراخة. هذا الشبح مصدقا به ومعترف به وله مكان داخل الثقافة الشعبية بالريف، وأمره شائع في مختلف المناطق، منهم من يؤكد أن” بُوكْبَاسْ” له يد مثقوبة ويحمل فوق رأسه قبعة صغيرة وجسمه شفاف غير أنه في الحقيقة مجرد خرافة، ولكنه قد أرعب العديد من النفوس حتى وصل الخوف ببعضهم إلى أن يسهر الليالي دون الخلود للنوم خوفا من الشبح الأسطوري السالف الذكر. فهذه الحالة التي تحدث أثناء النوم، يرجع العلماء أسبابها إلى توقف الدورة الدموية لجسم الإنسان أحيانا، مما يؤدي إلى مايشبه الشلل في جميع أعضاء الجسم إلى أن تتحرك الدورة الدموية من جديد … ولكم سمعنا من مغامرات مثيرة قام بها بعض الأشخاص أمام هذا الشبح الخيالي الليلي الخرافي. 8) ” بُوشْفَانْ ” صاحب الأكفان. إن الحديث عن شبح الأكفان ” بُوشْفَانْ ” هو بمثابة الحديث عن قطاع الطرق فكان هذا الشبح المرعب يعترض طريق العامة وهو مجموعة من الاكفان البيضاء الملفوفة، وهو يشبه رجلا طويل وغليظا ميتا، قد وضع داخل أكفانه، والعديد من الأهالي يؤكدون أنهم قد رأوا هذا الشبح الأبيض خاصة المسنين والشيوخ فهم يؤكدون ان أمره كان شائعا فيما مضى، فكان يعترض المارة بطريقة مفاجئة فيكون طول الشبح بعرض الطريق ولا يترك ولو فجوة واحدة من اجل المرور والفرار، فيضطر الرجل إلى إستبدال طريق أخرى، غير ان المفاجئة تكمن في كون بوشفان سيعترض جميع الطرق التي سيستبدلها الرجل وفي اخر المطاف سيطلب الرجل الامان من الله عزوجل، أوما يصطلح عليه محليا في الثقافة الريفية الامازيغية ب ” حُوشْتْ الله “، بعد نفاذ جميع وسائل التفاهم السلمية، بعدها يخرج سلاحه ويطعن ذلك الكفن المخيف، فيقال انه بعد تعرضه للطعن يتحول إلى ضفدعة بورية مسنة، والعديد من الاهالي يؤمنون بهذا المعتقد، وهو كون بوشفان عبارة عن ضفدعة بلغت من العمر مائة سنة فتتحول إلى شبح الاكفان الابيض، هذه المعتقدات موجودة ورويت عن أكثر من مصدر. ونحن نقول أن هذا الكفن الابيض الذي يعترض المارة كما يقال، ربما قد تكون له علاقة بالعين او الإبصار، فكثيرا ماتحدث للإنسان ظواهر عجيبة تكون العين البشرية السبب الرئيسي فيها، ونحن في العصر الحالي لم نشاهد شبحا أبيضا يحمل اوصاف بوشفان الخطيرة، وقد إلتقينا بشخص يؤكد أنه قد رأه وكاد يودي بحياته، لولا تدخل العناية الإلهية. لكن تبقى هذه الدراسة التحليلية مجرد تلميحات إلى بعض الخرفات والاساطير المنتشرة في منطقة الريف. 9) ” ثَسَاذُونْتْ إِمَضْرَانْ ” بغلة المقابر. حصان خرافي أمره عجيب جدا، يطلق عليه ” ثَسَاذُونْتْ إِمَضْرَانْ ” أي بغلة المقابر، وهو لدى أهالي الريف بمثابة حصان الطُرْوَادَةْ ويقال أنها تحمل فوق جسمها سلاسل من فضة والعديد من المجوهرات والحلي، وتصدر من خلالها أصوات وأنغام كالرنين، أثناء مشيها أو جريها ” تْسَرْسِيرْ”، لها قوائم غليظة وحوافر كبيرة تدب من خلالها فوق الأرض فتصدر صوتا غليظا ومخيف يرعب النفوس ويفزعها، وهي غالبا ما تخرج بالليل فقط. ثَسَاذُونْتْ إِمَضْرَانْ، دابة غليظة ومخيفة تسكن المقابر، البعض يعتبرونها من الجن، فبمجرد ذكر اسمها فقط يتسلل الخوف إلى قلوب العامة، لكن عندما نبحث مليا في هذه الظاهرة نجد أنها تدخل ضمن مجال الخرافة الذي نحن بصدد مناقشته وتحليله، وهذه الأسطورة لا وجود لها بتاتا، لكن يبقى هذا الجانب من مصادر اغناء الثقافة الشعبية التي نجدها غالبا لم تتعرض للدراسة والتمحيص. ونحن اليوم نقوم بطرق أبواب هذه العوالم العجيبة، التي قد تقودنا وتذهب بنا إلى اكتشاف حقائق مذهلة وعجيبة، تتعلق بماضينا وأصولنا وتاريخنا الذي لم يكتب ولم يدون في الصحف والأوراق، وكتب التاريخ الرسمية… 10) ” أَنَتَا أَنْزَارْ” طقوس الاستسقاء. عندما يكون السكان وأهل بلاد الريف في حاجة إلى نزول الأمطار، كانت لهم طريقة خاصة لطلب الاستسقاء، كانوا يصنعون ما يشبه صليبا خشبيا يصنع من أدوات الفرن التقليدي، فيعمدون إلى ربط خشبة تسمى “ثْفَارَا” مع خشبة تسمى “أَحَرَاشْ” وبعد ربطهما من المنتصف تشكل مايشبه صليبا خشبيا ويلبسونه أجمل الثياب حتى يبدو على شكل عروس، ثم يحملونه عاليا في السماء وهم يرددون عبارات وأدعية من قبيل ” تََالاَغَايْ تَالاَغَايْ تُو بِيهَا ..”، ((ويقصدون الأضرحة والزوايا، فيطوفون بها أميلين من أصحاب المكان أن يطلبوا من الله عزوجل أن يجود عليهم بمطر غزير بعد القحط والجفاف الذي أصابهم)). نلاحظ أن المظاهر الخرافية في المجتمع الريفي تتخذ أشكالا متنوعة وطرق متعددة، وتحتوي على عقائد خطيرة قد تكون دخيلة من حضارات أجنبية وللإشارة فإن المنطقة تعرضت لعدة محاولات من الاستعمار الفاشل عبر مر الأزمنة والعصور، مما يؤكد أن الثقافة الأمازيغية الريفية قد تعرضت لعدة تأثيرات خارجية. 11) “إِبْرِيسْ” البحث عن شيء مفقود بمساعدة إبليس عليه من الله ما يستحق. هنا تتجلى لنا خرافة غريبة جدا مقارنة مع ما تمت الإشارة إليه مسبقا، فكان الإنسان الريفي عندما يبحث عن شيء مفقود، كان يردد جملة محيرة وهي: ” أَفِيتِيدْ أَفِيتِيدْ أْيبْرِيسْ أَشُوْشَخْ أَغَنْجَا نَرْفِيسْ ” أي ما معناه حرفيا ” ابحث معي يا إبليس فإن وجدت الشيء المفقود سأعطيك ملعقة كبيرة من أَرْفِيسْ “، وهذه الأخيرة هي أكلة مشهورة في المطبخ الريفي العريق، وهنا الإنسان يخاطب إبليس لأنه يستمر في عملية البحث عن الشيء المفقود، ويردد تلك العبارة، طالبا من إبليس أن يساعده حتى يجد الشيء المفقود. نلاحظ أن الخرافة وصلت إلى درجة مخاطبة الأبالسة وطلب المساعدة منهم في عملية البحث، وهذا شبيه بأفعال السحرة والمشعوذين الذين يستعينون بالجن والعفاريت في سحرهم ودجلهم، وهذا امر شنيع ومقرف أن يطلب الإنسان المساعدة من إبليس اللعين، لكنها ظاهرة ماتزال متداولة بيننا في بعض المناطق إلى حد اليوم. خلاصة. لقد كتبنا في هذا المقال عن موضوع متشابك ومتشعب وهي حقيقة كما رأينا، لكن ما خَفِي كان أعظم إذ أننا أوردنا جزءا بسيطا من الخرافة والأسطورة الشائعة، وبقي المزيد منها سنتناوله في مواضيع لاحقة … إننا عندما نقوم بتحليل هذه الظواهر الأسطورية، وذلك لمحاولة فهمها ومعرفة الأسلوب والطرق التي دخلت بها إلى ثقافتنا، لكن لا يمكن أن نحكم بأي شيء في هذا الصدد، بل نفتح بها الأبواب أمام مزيد من البحوث والاجتهادات. وذلك لمعرفة مدى تموضع الخرافة داخل مجال الحقيقة، وهل هناك علاقة بين ماهو خرافي وما هو حقيقي، ولمعرفة كيف تتاثر وتتحول الثوابت التي يتأسس عليها الفكر الشعبي العام بهذه الإمتدادات الثقافية الخرافية والتي كانت فيما مضى أفكارا جد مألوفة ومعتادة يلامسها الإنسان في حياته اليومية وقد إستخلاصنا منها مايلي: فمنها مايشير إلى الكيفية التي تم بها إستقطاب هذه الافكار وكذا الشغف العجيب للمجتمع من أجل رواية وترديد هذه الخرافات وكأنها أمر صحيح وواقعي ومصدق به. ومنها مايؤرخ لفترات مختلفة من تاريخ الحضارة الامازيغية القديمة، وما يخبر عن اسرار وأخبارالشعوب الماضية. ومن هذه الخرفات ما يشير إلى حقائق علمية ثابتة تحتاج إلى مزيد من النقاش والإستنباط العقلاني. ومنها مايحتوي على معتقدات وظواهر خطيرة، قد وجب التحذير منها لانها تؤثر سلبا على ثقافة المجتمع. منها أيضا ما يضم قصص بطولية وأبطال من نسيج الخيال ويمكن استثمارها في المجال الفني والسنيمائي، لإبداع ثقافة سنيمائية محلية تجسد لعلاقة وطيدة بين العمل السنيمائي والثقافة المحلية، ونرى أن هذا المشروع سيلقى النجاح بدون أدنى شك. ومنها ما يشير إلى طريقة التفكير البدائية وتعطينا إشارات وتلميحات حول الكيفية التي عاش بها من إبتكر الأسس الاولى لهذا الفكر العريق بالريف، وهي تدل على اصالة وعراقة هذه الثقافة وتشير كذلك إلى عبقرية وذكاء أسلافنا العظام، وتبين درجة الحكمة التي كان يتمتع بها هؤلاء الاوائل، وجل هذه الإستنتاجات والإشارات تبقى بمثابة تقرير أولي حول هذه الخرافات والأساطير. كما أن هناك شق أخر سنتطرق إليه فيما سيأتي ألا وهو”الحكمة الخالدة في الأمثال الشعبية الريفية الأمازيغية” لمعرفة ذكاء وعبقرية أسلافنا العظام الحكماء، والتي تتجلى في شرح معاني هذه الأمثال الخالدة في الموروث الشفوي الأمازيغي الريفي العريق.