سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    وعكة صحية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز    سابقة في السعودية.. تنظيم عرض أزياء لملابس السباحة    إسطنبول: المغرب ينتزع سبع ميداليات في بطولة البحر الأبيض المتوسط ل"الكيك بوكسينغ"    زخات رعدية وهبات رياح متوقعة اليوم بعدد من مناطق المملكة    الجديدة: تخليد الذكرى 19 للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية    بسبب أمطار شهر ماي.. فلاحون يتخوفون من تضرر المحاصيل الزراعية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مصرع 3 أشخاص عقب اشتباكات مسلحة اليوم الأحد بمحيط قصر الرئاسة بالكونغو    في سابقة بالسعودية.. تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة    استعدادا لموسم الصيف.. حملة تستهدف تحرير كورنيش طنجة والشاطئ    القصر الكبير.. أزمة قلبية تُنهي حياة شاب بملعب أشرف حكيمي    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على حكومة أخنوش وتشيد بشجاعتها في مواجهة إخفاقات الماضي    نهضة بركان يتحدى الزمالك المصري على اللقب الثالث في تاريخه    فرنسا-المغرب.. توقيع اتفاق حول الإنتاج المشترك والتبادل السينمائيين    منصات دردشة الذكاء الاصطناعي تغذي التحيزات الشخصية للمستخدمين    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    نزوح 800 ألف فلسطيني مع تواصل القتال في رفح وبن سلمان وسوليفان يبحثان الوضع في غزة    لماذا النسيان مفيد؟    إصابة أكثر من 30 تلميذاً في حادث انقلاب حافلة مدرسية    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ناريندرا مودي: عقد من الشعبية والاستقطاب السياسي في الهند    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    رئاسة النيابة العامة تستعرض جهود تعزيز الثقة والجودة في منظومة العدالة    نهضة بركان يختتم تحضيراته لمواجهة الزمالك في غياب هؤلاء    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الحسيمة.. تخليد الذكرى 19 لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور الجناح المغربي بمهرجان كان السينمائي    مفتشية الأمن الوطني تتسلم 2447 شكاية    الأمثال العامية بتطوان... (602)    كأس الكونفدرالية الإفريقية (إياب النهائي).. نهضة بركان على بعد خطوة واحدة من تتويج قاري جديد    هلال يدين ضغوط السفير الجزائري على الوفود الداعمة لمغربية الصحراء بكاراكاس    فيستي باز والمفارقة الإعلامية    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    نهائي الكاف.. الموعد والقنوات الناقلة لمباراة إياب نهضة بركان والزمالك    فلاحون فرنسيون يهاجمون شاحنات طماطم قادمة من المغرب    التصدير يرفع أسعار الخضر بالمغرب ومهني يوضح    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية ترامب في إفريقيا.. فرصة أم عائق للمغرب؟
نشر في اليوم 24 يوم 16 - 12 - 2018

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أول أمس، استراتيجية جديدة في إفريقيا، عنوانها الرئيس مواجهة النفوذ المتزايد للصين في القارة السمراء. يأتي ذلك بعد عام من إعلان استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب في دجنبر 2017، والتي اعتبرت الصين وروسيا غريمين يهددان نفوذ أمريكا ويقوضان هيمنتها على العالم. لقد بات العالم قريبا جدا من «حرب باردة جديدة صينية أمريكية»، بعبارة فؤاد فرحاوي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مكناس، تبدو مشتعلة على الصعيد التجاري والتكنولوجي، وقد تشهد، ابتداء من العام المقبل، صدامات عسكرية محدودة في مناطق مختلفة من العالم، خصوصا في إفريقيا، وهو ما يستشف من التحذيرات المتكررة للرئيس الصيني من الوقوع في «فخ ثوسيديدس»، أي الصدام المسلح بين قوة عالمية صاعدة، هي الصين، وقوة عالمية مهيمنة هي أمريكا. فما هي استراتيجية كل من الصين وأمريكا؟ وما موقع المغرب في استراتيجيتي القوتين؟ وما الخيارات المتاحة أمامه في ظل الشراكات الاستراتيجية التي تربطه بأكثر من قوة عالمية وإقليمية متعارضة المصالح؟
فخ «ثوسيديدس»
في حالتي الصين وأمريكا، نحن أمام قوة عالمية صاعدة تحقق نموا سنويا يناهز 10 في المائة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقوة عالمية مهيمنة ترفض النزول عن عرش القوة والنفوذ والسيطرة. لفهم التحديات التي يطرحها هذا الوضع، استدعى مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق، غراهام أليسون، في كتابه «الاتجاه نحو الحرب.. هل يمكن لأمريكا والصين أن يهربا من فخ ثوسيديدس؟»، تجربة «أثينا» و«اسبارطة» سنة 460 قبل الميلاد، مؤكدا أن «ما بين صعود أثينا، والخوف المغروس في اسبارطة، كانت الحرب حتمية»، في إشارة إلى صعوبة حل المعادلة بين الصين، قوة صاعدة لها طموحات عالمية بأن تصبح قوى عظمى مهيمنة، وقوة أمريكية قائمة ومهيمنة، وترفض أن تزاح من الوسط أو تصبح قوة ثانية. وفي حال إصرارهما، فإن أي صراع صغير قد يتحول إلى حرب شاملة.
خلال زيارته الصين العام الماضي، وقّع ترامب، كأي تاجر محترف، صفقات بنحو 256 مليار دولار، لكن، بعد شهر من ذلك، أعلن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، وشنّ هجوما غير مسبوق على الصين، حيث اعتبرها «غريما يقوض نفوذ أمريكا ومصالحها وثروتها»، ووصفها بأنها «مصممة على جعل اقتصادها أقل انفتاحا، وعلى تضخيم جيشها وقمع مجتمعها وتوسيع نفوذها، وتعكس هذه العدائية الشديدة رغبة عارمة لدى ترامب في تقليص نفوذ الصين، وعرقلة صعودها الاقتصادي والعسكري.
الخوف من الصين هو الباعث الرئيس في تحليلات غراهام أليسون كذلك، الذي رصد التطور الاقتصادي للصين استنادا إلى بيانات البنك الدولي عام 2016، التي أكدت أن الناتج الإجمالي للصين بلغ 21 تريليون دولار أمريكي، فيما يبلغ الناتج الإجمالي الأمريكي 18,5 تريليون دولار أمريكي، وفقا لتعادل القوة الشرائية. ومعنى ذلك أن الاقتصاد الصيني وصل إلى 15 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي، وإذا واصل الاقتصاد الصيني النمو بالوتيرة نفسها (10 في المائة)، فإنه سيكون أكبر بنسبة 50 في المائة من الاقتصاد الأمريكي بحلول عام 2023، أما بحلول عام 2040 فسيكون أكبر ثلاث مرات.
وهذا التنافس بين القوتين، بل الصراع بينهما، يمتد إلى مناطق النفوذ في العالم، ومنها القارة الإفريقية، حيث يظهر الصدام في الاستراتيجيات واضحا. تركز الصين على التجارة والاقتصاد، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين إفريقيا 170 مليار دولار، في حين تجاوزت الاستثمارات 300 مليار دولار. وحسب توفيق عبد الصادق، باحث في العلوم السياسية، فإن النموذج الصيني قائم على عدد من العناصر الأساسية، تتمثل في الاستثمارات والتمويل، وعدم التدخل في الشؤون السياسية للدول، والبرغماتية العالية المستوى. ويغري هذا النموذج الأنظمة السياسية الحاكمة في إفريقيا، التي ترى أن الصين «أقل ابتزازا لها»، فهي تقدم التمويلات والاستثمارات دون شروط مسبقة تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تفعل الدول الأوروبية وأمريكا.
سياسة ترامب
في المقابل، تنطوي الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي في عهد ترامب على أربعة أهداف رئيسة؛ حماية الولايات المتحدة، تعزيز ازدهارها، السلام من خلال القوة، توسيع نفوذها والحفاظ عليه. وتروم واشنطن بذل كل ما فى وسعها حفاظا على مكانتها، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وتكنولوجيا، في مواجهة القوى الدولية الصاعدة، خصوصا الصين وروسيا. وفي ضوء ذلك، تتجه أمريكا إلى إعادة تفعيل دورها في إفريقيا، من خلال تجديد وسائل تدخلها، وإطلاق مبادرات جديدة، كإصدار تشريع جديد لتحديث كل من قانون «تحدي الألفية»، كان قد صدر في عهد بوش الابن سنة 2003، وتحديث قانون «الفرص والنمو الإفريقي»، الذي كان قد صدر في عهد بيل كلينتون سنة 2000، وإعادة توجيه وتجديد القوانين التي تنظم الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا، وتجميع عدد من الوكالات الأمريكية في مؤسسة جديدة تحمل اسم «المؤسسة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية».
أما على الصعيد الأمني والعسكري، فإن إدارة ترامب أصدرت في يونيو 2018 «قانون 2018 للشراكة العابرة للصحراء ضد الإرهاب»، والذي عدل قانون هذه الشراكة الذي صدر عام 2005. وفي إطار هذا القانون، طرحت مبادرة أخرى في نونبر 2018 من أجل إنشاء برنامج ينسق الأعمال بين الوكالات المعنية بالتعاون الأمني مع دول شمال وغرب إفريقيا. وفي هذا السياق، أشارت جريدة نيويورك تايمز، بتاريخ 21 شتنبر 2017، إلى أن إدارة ترامب أقدمت على إلغاء مجموعة من القيود التي فرضتها إدارة أوباما على استخدام الطائرات دون طيار، وذلك في إطار تعزيز القدرات على محاربة الإرهاب في إفريقيا. وفي منتصف نونبر الماضي، أعلن البنتاغون، في بيان رسمي، خفض عدد الوحدات العسكرية في إفريقيا، التي تبلغ الآن 7.2 آلاف جندي، أي نحو 10 في المائة، بحجة أن هذه الإجراءات قد توفر المرونة اللازمة للحفاظ على «وضع تنافسي في بيئة عالمية متغيرة ديناميكيا».
كل تلك الوقائع والمبادرات تؤكد أن استراتيجية أمريكا تجاه إفريقيا بصدد تطور جوهري، فإذا كان الحضور الأمريكي خلال العقدين الماضيين قد تطور تحت شعار الحرب على الإرهاب، وتأمين موارد الطاقة، حيث تستورد أمريكا 25 في المائة من حاجياتها الطاقية من خليج غينيا ومناطق أخرى في القارة، فإن التطور الجديد سيحدث تحت شعار بديل هو التنافس مع الصين وروسيا. وفي سبيل ذلك قد نشهد إعادة هيكلة للتحالفات في القارة بمنطق «الحرب البادرة»، أي فرض الاختيار بين التحالف مع أمريكا أو مع الصين، وهو منطق من شأنه أن يضع الدول التي ترفض سياسة الأقطاب الحدية أمام مأزق بسبب المنطق الترامبي.
وتتعامل أمريكا مع القارة الإفريقية باعتبارها منطقة واحدة عسكريا، باستثناء مصر، وقد أنشأت لأجلها قاعدة «أفريكوم» في شتوتغارت بألمانيا، لكن التصور ليس نفسه بالنسبة إلى وزارة الخارجية التي تلحق دول شمال إفريقيا حتى الآن بمنطقة الشرق الأوسط. وفي داخل القارة الإفريقية تتعامل أمريكا مع كل منطقة وفق أولويات معينة. وعلى سبيل المثال، تحضر منطقة غرب إفريقيا -المحسوبة على النفوذ الفرنسي والتي تربطها بالمغرب علاقات تاريخية ودينية وثقافية ضاربة في القدم-باعتبارها مصدرا هائلا للنفط الجيد، حيث تؤكد التقارير أن 70 في المائة من النفط الإفريقي يتمركز في غرب القارة، وأن نصف الاكتشافات النفطية التي شهدها العالم أخيرا كانت من نصيب إقليم غرب إفريقيا الذي يضم 14 دولة، خاصة في منطقة خليج غينيا، التي تطلق عليها «الكويت الجديدة»، فضلا عن أنها منطقة تتوفر على نحو 60 في المائة من اليورانيوم الإفريقي، و40 في المائة من الإنتاج العالمي للكاكاو، بالإضافة إلى الماس والذهب والأخشاب والمطاط والثروة السمكية. وهنا تتمتع نيجيريا -وهي الدولة القائدة في الإقليم- بوضع فائق الخصوصية، باعتبارها المصدر الرابع عالمياً للغاز الطبيعي، والمنتج الأول للنفط في إفريقيا، وسابع مصدر عالمي للنفط إلى الولايات المتحدة، والثامن عالمياً في إنتاج الأخشاب. ورغم تراكم التحديات التي تجابه المصالح الأمريكية في غرب إفريقيا، فإن الشواهد تؤكد هيمنة الاقتصاد، خاصة النفط، محددا لسياسة الولايات المتحدة إزاء الإقليم، باعتبارها أكبر مستهلك عالمي للنفط، حيث تتبنى واشنطن استراتيجية لزيادة واردتها النفطية إلى 60 في المائة بحلول العام 2020، مع تنويع مصادر وارداتها من إمدادات الطاقة، في ظل المشكلات المحيطة باستيراد النفط من الخليج العربي.
انعكس ذلك على الممارسات الأمريكية بغرب إفريقيا، خاصة تلك المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحاربة الفساد والإرهاب، والمساعدات الاقتصادية، حيث بدت واشنطن مدفوعة بحسابات المصالح، وتحليل التكلفة والعائد، أكثر من الالتزام بالقيم والمبادئ التي تدعي الدفاع عنها وحمايتها عبر العالم، في إطار تحسين صورتها القومية.
ومن أجل النفط والنفوذ، لم تعد الولايات المتحدة تكترث بانتهاكات حقوق الإنسان بغينيا الاستوائية، على سبيل المثال، خصوصا بعدما رفعت اسمها من اللائحة الأمريكية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان، والتي تضم 14 دولة إفريقية. وأعادت الولايات المتحدة، بناء على ذلك، افتتاح سفارتها في العاصمة مالابو، بعد إغلاقها في عهد بيل كلينتون. وقد تواترت أخيرا زيارات المسؤولين الأمريكيين لمالابو. بل يبدو أن نظامها السياسي بات يتمتع بغطاء الحماية الأمريكية، وقد تحولت بموجب ذلك من دولة منبوذة إلى قبلة للمؤتمرات الدولية، بل أصبحت عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين (2018-2019). وتعد نيجيريا، كذلك، نموذجا، حيث تهيمن المصالح الأمريكية، وتتوارى القيم والمبادئ. وتعتبر شركة «شل» الأمريكية بمثابة دولة داخل الدولة. إذ تسيطر وحدها على 50 في المائة من إنتاج النفط بالبلاد، كما توظف جيشاً من العملاء بمختلف الإدارات الحكومية لتزويدها بالمعلومات، حسب ما كشفته وثائق «ويكليكس» سنة 2010.
وبالنسبة إلى محاربة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة، التي طرحت مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، والتي تسعى إلى إيجاد مقر للقيادة الأمريكية الجديدة لإفريقيا «أفريكوم» بغرب إفريقيا، هي نفسها الدولة التي تخاذلت عن دعم حكومة نيجيريا ضد جماعة «بوكو حرام»، وذلك لإجبارها على الانسحاب من عضوية أوبك، وحتى تظل في وضع التابع وليس الحليف. في هذا السياق، يمكن قراءة عناصر الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا التي أعلنها مستشار الأمن القومي، جون بولتون، أمام «مؤسسة التراث»، أول أمس الخميس، حيث يظهر أن أمريكا تتجه نحو إعادة النظر في سياستها من خلال ثلاثة شعارات؛ أولا، حل النزاعات وليس تجميدها بشكل أبدي. ثانيا، إعادة النظر في المساعدات الاقتصادية الأمريكية من أجل ضمان أن تأتي بنتائج ملموسة لصالح أمريكا. ثالثا، إعادة النظر في مهمات حفظ السلام الأممية، بحجة أنها «لا تأتي بسلام دائم»، ما يعني تقليص دور الأمم المتحدة في تدبير النزاعات بالقارة لصالح دور أمريكي محتمل.
خيارات المغرب الممكنة
يعد المغرب بلدا إفريقيا ذا موقع جيواستراتيجي مهم، يمكن أن يكون «منصة للانطلاق نحو إفريقيا»، سواء بالنسبة إلى الأوروبيين أو أمريكا أو الصين. وخلال استضافته قبل أسبوع في وكالة المغرب العربي للأنباء، قال السفير الصيني في الرباط، لي لي، إن المغرب بإمكانه أن يضطلع بدور حيوي في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وأن يشكل منصة للشركات الصينية للاندماج في سلسلة الإنتاج الدولي. وبخصوص إفريقيا، تقترح الصين على المغرب تعاونا ثلاثيا يكون فيه المغرب منصة انطلاق للشركات الصينية نحو غرب إفريقيا خاصة، والدول المطلة على الأطلسي. وفي رأيه، «تملك الصين رأس المال والتكنولوجيا، ويتمتع المغرب ببيئة سياسية مستقرة وبنية تحتية متكاملة، بالإضافة إلى موقع جغرافي مميز بين أوروبا وإفريقيا».
وإذ تركز السياسة الصينية على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ففي ذلك إشارة إلى أمرين -يقول عبد الصادق- الأول هو تأكيد الصعود السلمي للصين، وأنها لا تشكل تهديدا لأي قوة أخرى، والثاني الاعتراف بصين واحدة، وخصوصا السيادة على تايوان. ويمكن القول إن المقاربة الصينية مغرية للمغرب، فهي، من جهة، تستجيب لمبادراته في ما يخص تحويل أراضيه إلى «منصة» انطلاق نحو إفريقيا أمام الشركات العالمية من شتى مناطق العالم. ومن جهة ثانية، فإن مشكلة تايوان للصين تجعل هذه الأخيرة الأقرب بين القوى الدولية إلى فهم قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب، حيث يمكن القول إن الدفاع عن مبدأ وحدة التراب الوطني للبلدين معركة مشتركة بينهما.
لذلك، تبدو العلاقات بين المغرب والصين ماضية نحو التطور أكثر، ليس على الصعيد الاقتصادي والتجاري، فحسب، حيث باتت الصين في السنوات القليلة الماضية الشريك التجاري الثالث للمغرب، بحجم تبادل تجاري يناهز 4 ملايير دولار أمريكي سنة 2017. وفي سنة 2016، جرى التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية بين المغرب والصين، شملت ميادين مختلفة، بما فيها التعاون في المجال الأمني والعسكري. وخلال السنة نفسها، جرى التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، تشمل التدريب والتكوين وتبادل الزيارات والتعاون الأمني.
أما بخصوص أمريكا، فإن عناصر الاستراتيجية التي أعلنها جون بولتون تتقاطع بدورها مع المصالح المغربية على أكثر من صعيد، سواء في ما يخص قضية النزاع حول الصحراء المغربية، أو قضية المساعدات الاقتصادية والعسكرية المشروطة. بخصوص القضية الأولى، قال بولتون إنه يشعر «بخيبة أمل كبيرة» بسبب عدم التوصل إلى حل لنزاع الصحراء، وعبّر عن أمله في التوصل إلى حل «إذا تمكنت الأطراف من الاتفاق للمضي قدما». وهدد بولتون بأن أمريكا قد تطلب «إنهاء مهمات حفظ السلام الأممية» في إفريقيا بحجة أنها «لا تأتي بسلام دائم»، مؤكدا أن هدف أمريكا هو «حل النزاعات وليس تجميدها بشكل أبدي».
أما بخصوص القضية الثانية، فقد اعتبر أن المساعدات الاقتصادية لإفريقيا في شكلها الحالي لا تحقق نتائجها، وقال: «للأسف، لم تؤد مليارات ومليارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين إلى النتائج المرجوة»، وأضاف: «اعتبارا من الآن، لن تتسامح الولايات المتحدة مع هذا التقليد العريق للمساعدة دون نتائج، ودون مسؤولية، والدعم دون إصلاحات»، مؤكدا أن «أمريكا أمة سخية، لكننا نشدد على ضرورة الاستخدام الجيد لأموالنا».
ماذا يعني ذلك؟ يجيب فؤاد فرحاوي بأن الهدف واضح، وهو «استخدام البعثات الأممية التي تمولها أمريكا بقسط كبير، واستخدام المساعدات الاقتصادية لمزيد من الضغط وابتزاز الدول التي تفضل التحالف مع الصين»، وأضاف: «يريد ترامب أن يستخدم المساعدات والبعثات الأممية للضبط والتحكم في الدول الإفريقية، لتلتزم أكثر بالمصالح الأمريكية، وتتصدى أكثر تحت المظلة الأمريكية للمصالح الصينية في القارة»، ما يعني أن المنطق الترامبي مستمر، أي «الدفع مقابل الحماية»، على غرار ما قاله صراحة للحكام في مملكة آل سعود.
ويستبعد فرحاوي أن تطلب أمريكا من الأمم المتحدة سحب قوات حفظ السلام الأممية في القارة الإفريقية، لأنه في هذه الحالة تكون قد سلّمت الدول التي توجد بها نزاعات تتطلب وجود قوات أممية لحفظ السلام إلى الصين مجانا. لكن عبد المجيد بلغزال، الحقوقي والباحث مختص في نزاع الصحراء، يرى أن تصريحات بولتون قد تكون مقدمة لفرض شروط على المغرب في قضية الصحراء، منها توسيع صلاحيات المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان، وهو تطور، إن حصل، ستكون له نتائج سلبية على المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.