في سابقة من نوعها في تاريخ الصحافة المستقلة بالمغرب، صدرت صحف، أمس الجمعة، بافتتاحيات بيضاء وصام موقعوها عن الكلام احتجاجا على سلسلة المحاكمات والغرامات الثقيلة التي فرضت على عدد من الجرائد المستقلة في الفترة الأخيرة، كانت آخرها الأحكام الصادرة في حق كل من«المساء» و«الجريدة الأولى» و«الأحداث المغربية»، في الواقعة التي رفعها مكتب الأخوة الليبي عن معمر القذافي، قائد ثورة الفاتح من سبتمر، والتي قضت فيها إحدى المحاكم بتغريم كل واحدة من الصحف الثلاث مبلغ مليون درهم لفائدة القذافي، بتهمة «المس بشخص وكرامة رئيس دولة». وقال وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة خالد الناصري إنه غير متفق مع القرار الذي اتخذته الصحف المستقلة بإصدار افتتاحيات فارغة، واعتبر ذلك تجنيا وعدم إنصاف في التعامل مع الحكومة «لأنها حملت ما لا طاقة لها به وما لا يد لها فيه». وأضاف الناصري في تصريح ل«المساء» أن الصحف «أخطأت خصمها كما لو أنها كانت تبحث عن طريق للانقضاض على الحكومة مرة أخرى». وتساءل الناصري «من الذي قام بمقاضاة الجرائد أمام المحاكم؟»، وقال «أنتظر جوابا صريحا وشجاعا، فالحكومة حرمت على نفسها مقاضاة الجرائد رغم تعرضها باستمرار للقذف والتهجمات، ومع ذلك لا تمارس حقها في اللجوء إلى القضاء، فماذا تنتظرون منا بالله عليكم؟». وقال الناصري «رئيس دولة أجنبية تعرض للقذف ومارس حقه في اللجوء إلى القضاء، فما هي مسؤولية الحكومة المغربية بالله عليكم؟». وتركت يومية»الأحداث المغربية» ركن الافتتاحية في الصفحة الأولى بعنوان «كلمة الأحداث» فارغا، وكتبت أسفل المساحة البيضاء عبارة «بياض هذه الافتتاحية تعبير عن احتجاجنا على المحنة التي تواجهها الصحافة المغربية»، ونفس الأمر بالنسبة ليومية «الجريدة الأولى» التي تركت مساحة الافتتاحية التي يكتبها مدير الجريدة علي أنوزلا فارغة دون أي تعليق، مع وضع عنوانه الإلكتروني، أما «أوجوردوي لوماروك» فقد تركت هي الأخرى افتتاحيتها فارغة وكتبت على خط أحمر مائل «لا للأحكام القضائية الجائرة ضد الصحافة المكتوبة». ونفس الأمر بالنسبة ليومية«التجديد» التي وضعت تعليقا يقول»يوم بدون افتتاحيات: حذفته الأحكام الجائرة ضد الصحف»، وأسبوعية»الأيام» التي ترك مديرها نور الدين مفتاح زاويته فارغة وكتب على خط أحمر مائل «حذفته الأحكام الجائرة» مع صورته بشكل مظلل، وأسبوعية «الأسبوع»، وأسبوعية «الوطن الآن» التي تركت مساحة سوداء في مكان الافتتاحية مع تعليق»حذفته الأحكام الجائرة» ويومية «لوسوار» التي تركت بياضا دون تعليق، و«المساء» التي بقي فيها عمود مديرها رشيد نيني فارغا وحل مكانه اللون الأسود وصورة مظللة لصاحبها مع عبارة «حذفته الأحكام المجنونة» بالبنط العريض. وأعادت هذه الخطوة التي قامت بها الصحف معركة الصحف الوطنية أيام الاحتلال الفرنسي والإسباني للمغرب، عندما كانت الصحف «تنشر» افتتاحيات بيضاء فارغة، احتجاجا على ممارسات المستعمر الفرنسي، أو تحتجب عن الصدور بين الحين والآخر، وكذا ما حصل في بعض المحطات في مرحلة الاستقلال حين كانت صحف المعارضة تصدر افتتاحياتها فارغة كشكل من أشكال البيان السياسي ضد الحكومة، أو عندما اتفقت جميع الصحف المغربية خلال الثمانينيات على نشر افتتاحية موحدة في يوم واحد احتجاجا على سماح الحكومة ليومية «الشرق الأوسط» السعودية بالتوزيع في المغرب بنفس ثمن الصحف المغربية الأخرى لإضعافها، في حين أنها كانت تباع في عدد من البلدان العربية الأخرى بثلاثة أضعاف سعر الصحف المحلية. ووصف يونس مجاهد، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، هذا الأسلوب الاحتجاجي بأنه «حركة إيجابية»، واعتبر صدور افتتاحيات بيضاء في جميع الصحف المستقلة «تأكيدا على الرفض الذي عبر عنه الجميع سواء في النقابة الوطنية للصحافة المغربية أو في فيدرالية الناشرين المغاربة أو في الجسم الصحافي بشكل عام، لما تعانيه الصحافة المغربية المستقلة بالخصوص». ووصف محمد العربي المساري، وزير الاتصال السابق والرئيس الأسبق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، في تصريح ل«المساء»، خروج الصحف بافتتاحيات بيضاء بأنه «مهزلة ومصيبة وأضحوكة»، وقال إن القضية هي قضية معركة لربح الحق في حرية التعبير في المغرب.