تعتبر الأمازيغية من بين أهم الملفات الشائكة والكبرى في المغرب التي سلط عليها الملك محمد السادس الضوء، وذلك منذ خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2001، حيث حاول، من خلال هذا الخطاب التاريخي، أن يرفع عن الأمازيغية ذلك الطابو المحرم الذي تم تكريسه منذ الاستقلال، وذلك للإعلان عن قرار إنشاء مؤسسة ملكية لخدمة اللغة والثقافة الأمازيغية... هذا الخطاب الذي يذكرنا بخطاب تاريخي لوالده المرحوم الملك الحسن الثاني بتاريخ 20 غشت 1994 القاضي بتدريس الأمازيغية في المدرسة المغربية، وذلك لإبراز القضية الأمازيغية من طرف المؤسسة الملكية بعدما عجزت المؤسسات الحزبية عن تناول هذا الملف الشائك الذي ظلت ترى فيه الخطر الذي قد يزعزعها، وبالتالي فقد عملت على مواجهته بالتهميش وبتناول ملفات أخرى تكرس بها سياسة الإقصاء... ومن موقع أجدير في إقليمخنيفرة، المعروف بنضاله التاريخي وبتراثه الأمازيغي العريق، وبتاريخ 17 أكتوبر 2001، أعلن الملك محمد السادس في خطاب مخصص برمته للأمازيغية (أول خطاب ملكي يخصص كله للأمازيغية) عن وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وخلاله أكد الملك أن خدمة الأمازيغية مسؤولية وطنية وتقع على عاتق كل المغاربة. وبهذا، يلقن الملك محمد السادس، مرة أخرى وباسم المؤسسة الملكية، الدرس لجميع الفعاليات السياسية والمدنية التي تسير دواليب الدولة المغربية والتي لا تنظر إلى الأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، ليبرهن الملك لذلك اللوبي، الذي كان ومازال يواجه الأمازيغية في عقر دارها، على أن أعلى سلطة في البلاد قد اعترفت بالمكون الأمازيغي وأن الأمازيغية هي الأصل. وبعد إرساء هياكل المعهد الملكي وتعيين محمد شفيق عميدا له، ظهرت من جديد معركة «الحرف» والتي استغلتها الجهات التي مازالت تكن العداء للأمازيغية، محاولة أن توجه هذا الملف حسب أهوائها، لكن أعضاء المجلس الإداري للمعهد، وبعد استشارة الملك في الأمر، استطاعوا كسب المعركة، وبالتالي اعتماد تيفيناغ حرفا لكتابة الأمازيغية، لينكب المعهد من جديد على ملف تدريس الأمازيغية والذي يشكل أبرز الملفات الصعبة. وخلال الموسم الدراسي 2003/2004 دخلت الأمازيغية أبواب المدرسة المغربية بعد توقيع اتفاقية شراكة بين المعهد ووزارة التربية الوطنية والشباب آنذاك بتاريخ 23 يونيو 2003 رغم كل العراقيل التي واجهتها، ومن أبرزها غياب الكتاب المدرسي، ناهيك عن تكليف معلمين غير أمازيغ بتدريس الأمازيغية، وبالتالي بروز العشوائية واللامبالاة في التعامل مع هذا الملف، لتبقى عملية تدريس الأمازيغية في مواجهة مع العديد العراقيل. وفي سنة 2006، ظهر على الواجهة ملف الإعلام الأمازيغي وضرورة إحداث قناة أمازيغية، فعمل المعهد كمؤسسة ملكية على إبرام اتفاقية إطار للشراكة مع وزارة الاتصال التي أعطت وعودا وتعهدات لم تحترمها إلى حد الآن، بل إن الوزارة الأولى لم تحترم وعودها بشأن انطلاق القناة. وبعد أن مرت سنة 2007 التي حددت كموعد لهذا الانطلاق، وبالضبط في شهر أكتوبر، جاء القانون المالي للحكومة الجديدة والذي لم يشر بتاتا إلى هذه القناة، مما خلق استياء كبيرا لدى المعهد كمؤسسة ملكية ولدى جميع المغاربة الذين كانوا ينتظرون هذا المنبر الإعلامي الوطني، ليبقى الحل الوحيد هو اللجوء من جديد إلى أعلى سلطة في البلاد، وهي المؤسسة الملكية التي قصدها، فعلا، عميد المعهد الملكي الأستاذ أحمد بكوس، فتدخل الملك محمد السادس ليضع حدا للغموض الذي ساد بعد تأجيل انطلاق بث القناة الأمازيغية، فتم تحديد يوم 14 يناير 2008 للاجتماع بالوزير الأول عباس الفاسي واللجنة التقنية لدراسة القضايا المتعلقة بتمويل القناة. لكن الملف بقي على حاله إلى يومنا هذا، وظللنا ننتظر من جديد تدخل المؤسسة الملكية. لكن القناة لم تعرف انطلاقتها الفعلية حتى يوم فاتح مارس 2010، غير أنها مازالت لم تعرف دفعة قوية وكبيرة... وتجدر الإشارة هنا إلى أن ملفي تدريس الأمازيغية وإحداث قناة أمازيغية يشكلان، في نظري، تجربة أساسية لفهم التعامل السلبي للجهات المسيرة في بلادنا، من أحزاب وحكومة، مع الأمازيغية... وفشل هذين الملفين إلى حد الآن هو المؤشر الذي وجب علينا قراءته وفهمه. لكن خطاب يوم 9 مارس التاريخي الذي دعا من خلاله الملك إلى دسترة الأمازيغية من شأنه أن يضع نهاية لكل هذه التماطلات والتعامل السلبي وغير الجدي مع ملف الأمازيغية في شتى الميادين، وخاصة في الإعلام والتعليم والإدارة، إذ أصبح الأمر الآن كقوة ضاغطة لا تسمح لأحد بأن يتراجع أو أن يعارض مطالب الحركة الثقافية الأمازيغية والتي كانت ومازالت كلها مطالب شرعية ومطالب اجتماعية... فعديدة هي المحطات والمناسبات التي رفع فيها الأمازيغ مطلب دسترة الأمازيغية بدءا من «ميثاق أكادير سنة 1991» مرورا بندوة حسان في تاريخ 22 يونيو 1996 التي تم عبرها رفع هذا المطلب إلى القصر الملكي، وجاء بعد ذلك البيان الأمازيغي الذي أعطى دفعة قوية لمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية، ثم صدرت فيما بعد مجموعة من الوثائق والمذكرات المطلبية والبيانات من لدن تكتلات جمعوية من جميع مناطق المغرب، ومن الحركة الطلابية في مختلف المواقع الجامعية، تنادي بالاستجابة للمطلب ذاته. وبدوره، رفع الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي مذكرة إلى القصر الملكي بهذا الشأن... دون أن ننسى الرسائل التي أرسلها المؤتمر العالمي الأمازيغي إلى رؤساء دول شمال إفريقيا، بما فيها المغرب، حول دسترة اللغة الأمازيغية... هذا كله، بطبيعة الحال، هو ما يفسر أن مطلب دسترة الأمازيغية قد اكتسى شرعية حقيقية وواقعية، إذ أصبح فعلا من بين المطالب التي يجب أن تؤخذ مأخذ الجد، وبالتالي فالإسراع بالتعديل الدستوري الذي أشار إليه الملك في خطابه ليوم 9 مارس 2011 هو الإصلاح الكبير الذي سيضمن للغة الأمازيغية أن تلتحق بجانب شقيقتها العربية في مقعدها لكي تصبح بدورها لغة رسمية حتى لا يظل البعض يردد ذلك الكلام الذي يشهره لتبرير عدم اعترافه بالبعد الأمازيغي للمغرب ونظرته الضيقة إلى الأمازيغية وتهميشها في مختلف مرافق الدولة والحياة الإدارية برمتها... وهنا، إذن، يصبح مطلب دسترة الأمازيغية من بين المطالب المطروحة بشدة على مستوى النقاش السياسي والثقافي والحقوقي المغربي، وبالتالي يشكل بادرة حقيقية ولبنة أساسية للقفزة النوعية التي دشنها الملك من خلال خطابه بوصفه أعلى سلطة في البلاد التي عرفت تغييرات ملموسة منذ سنة 1999. وبالتالي فدسترة الأمازيغية هي المؤشر الأساسي على الانتقال إلى الدولة الديمقراطية التي تعترف بكل مكوناتها وبمختلف أبعادها، ومنها تحقيق مصالحة المغرب مع ذاته والرجوع إلى الأصل ورد الاعتبار إلى كل مقوماته الحضارية والثقافية والهوياتية والتأسيس لمجتمع متعدد ومتنوع ومتعايش في نفس الوقت. وختاما، نود الإشارة إلى أن المؤسسة الملكية إلى حد الآن هي التي حطمت الرقم القياسي في الاستجابة لمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية، في الوقت الذي مازالت فيه أحزاب سياسية كبيرة وعريقة متشبثة بأفكارها القديمة والمتآكلة التي عفا عنها الدهر... امحمد عليلوش