أفاد تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول التنمية في الأقاليم الجنوبية أن هذه الأقاليم "شهدت منذ تحريرها تحولات مهمة بفعل تدخل الدولة أو المجتمع" غير أنه سجل "وجود أوجه نقص ومحدودية في هذا التدخل٬ تستدعي القيام بإصلاحات في مجال حكامة السياسات العمومية٬ كما تستدعي إحداث تغيير في سلوك الفاعلين بهذا الخصوص". وأوضح التقرير المرحلي الخاص بفعلية الحقوق الإنسانية الأساسية٬ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في هذه الأقاليم٬ الذي أنجزه المجلس، في إطار إعداد مشروع النموذج التنموي الجهوي لفائدة الأقاليم الجنوبية٬ أنه "تم تحقيق إنجازات ملموسة على مستوى الرفاه الاجتماعي٬ والحد من الفقر ومن أوجه اللامساواة٬ كما تم تحقيق إنجازات تجاوزت في كثير من الأحيان المعدلات المسجلة وطنيا". وأبرز التقرير٬ وفقا لما جاء في بلاغ للمجلس٬ أنه "تم تدعيم العديد من المكتسبات٬ في مجال الأمن في الأقاليم الجنوبية٬ ومعدل العمر٬ وتعميم التعليم٬ والولوج إلى الخدمات الأساسية وإلى السكن". ورصد تقرير المجلس٬ من جهة أخرى٬ عددا من نقاط الضعف، التي تهم بالأساس "نسب البطالة المرتفعة٬ وضعف القطاع الخاص٬ وغياب نظام فعال للتحفيز على الاستثمار٬ وعدم ملاءمة بعض السياسات التنموية للسياق البيئي والاجتماعي، والثقافي للمنطقة". كما رصد "وجود انتظارات أكبر بخصوص فعلية الإطار التشريعي والقانوني الجاري به العمل٬ وبخصوص الحوار المدني". وحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره خمسة رهانات رئيسة من أجل تحرير دينامية التنمية٬ ودعم الديمقراطية بالأقاليم الجنوبية للمملكة يتمثل أولها في قيادة السياسات العمومية المحلية من أجل توجيهها نحو خلق الثروات وإحداث مناصب الشغل٬ ونحو المزيد من الشفافية والإنصاف والعدالة الاجتماعية٬ فيما يتمثل الرهان الثاني في إعادة توجيه الأرباح المحققة من موارد المنطقة نحو الحاجات الأساسية لمواطني تلك الأقاليم. ويهم الرهان الثالث حماية البيئة٬ والالتزام بالمقاربات الضامنة للتنمية المستدامة٬ في حين يخص الرهان الرابع تثمين المرجعية الثقافية الجهوية٬ ودعم إسهامها في التنمية. أما الرهان الخامس والأخير فيهم إعادة بناء الثقة٬ وتدعيم الرابط الاجتماعي٬ والتماسك بين كل مكونات السكان٬ عبر تدابير وآليات مناسبة. وأشار المجلس إلى أن المنهجية المتبعة في إنجاز هذا التقرير المرحلي تستند إلى ثلاثة مرتكزات٬ يتجلى أولها في الوصل بين التنمية والحقوق الأساسية، كما نص عليها دستور المملكة٬ وحسب المحاور السبعة التي نص عليها الميثاق الاجتماعي الذي تبناه المجلس في نونبر 2011، ويتمثل المرتكز الثاني في اعتماد التقرير على ما نهجه المجلس من مقاربة تشاركية وتشاورية موسعة في الأقاليم الجنوبية أو في العاصمة. أما المرتكز الثالث فيتمثل في تضمن التقرير ل"300 مؤشر تمكن من قياس فعلية الحقوق الأساسية في علاقتها بالتنمية في الأقاليم الجنوبية بحسب مقتضيات دستور المملكة٬ ولاسيما في تصديره الذي ينص، أيضا، على تعهد المملكة بالالتزام بمقتضيات المواثيق الدولية٬ والتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا". وأشار المجلس إلى أن "التقرير سيظل مفتوحا أمام الملاحظات والاقتراحات الهادفة إلى إيجاد مداخل العمل الناجعة٬ الكفيلة بالإسهام في بلورة نموذج تنموي جهوي٬ متكامل ومستجيب للأهداف المنتظرة منه". ويمثل التقرير، الذي أصدره أخيرا، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول فعلية الحقوق الإنسانية الأساسية٬ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في الأقاليم الجنوبية "مرحلة أولى" من مراحل اشتغال عمل المجلس بإعداد التقرير حول النموذج التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية. وأكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي٬ في تقرير ملخص٬ أن "هذه الوثيقة تمثل مرحلة أولى من مراحل اشتغال عمل المجلس بإعداد التقرير حول النموذج التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية٬ طبقا للتعليمات السامية لجلالة الملك محمد السادس". ويشكل التقرير٬ الذي يتضمن وصفا يتناول "الحال الراهن" للتنمية البشرية في الجهات الجنوبية الثلاث٬ في إطار معايير مشروعة كونيا ومبادئ ملزمة٬ أداة مساعدة في تحديد "عناصر التغيير" الضرورية لإعادة صياغة التصورات بخصوص تنمية الجهات الجنوبية. وتقوم هذه الوثيقة على تسليم واقتناع المجلس بكل مكوناته٬ بأن احترام الحقوق الإنسانية الأساسية٬ كما هي متعارف عليها دوليا وكما يؤكد عليها دستور المملكة٬ هو في الآن نفسه شرط ضروري ورافعة لا غنى عنهما لنجاح كل سياسة تنموية٬ سواء أكانت تلك السياسة جهوية أم وطنية. من هذا المنظور وبهذه الصفة٬ تم تخصيص هذا التقرير الأول لاستعراض فعلية هذه الحقوق في الجهات الجنوبية من المملكة٬ الحقوق الإنسانية الأساسية٬ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية٬ وكذا الحقوق المدنية والسياسية المرتبطة بسابقتها ارتباطا وثيقا. وتم تجميع الملاحظات التي انبنى عليها التقرير، من خلال لقاءات في عين المكان مع أكثر من 1000 شخص٬ يمثلون شرائح واسعة من الأطراف المعنية (جمعيات مرافعة٬ وجمعيات قرب٬ ونقابات عمالية٬ وجمعيات مهنية٬ وغرف فلاحية وتجارية وصناعية٬ ومصالح مركزية وخارجية للوزارات٬ وغير ذلك). كما تم اعتماد تلك الملاحظات انطلاقا من استعراض معمق لمعطيات إحصائية٬ وتقارير إخبارية٬ وتحليلات منجزة من قبل مصالح الإدارة المركزية والإدارة المحلية٬ وكذا من قبل الهيئات والجمعيات الدولية. وارتكازا على هذا التقرير٬ حدد المجلس خمسة رهانات أساسية باعتبارها عوامل حاسمة لتحرير دينامية التنمية وتدعيم الديمقراطية. وتخص هذه الرهانات قيادة السياسات العمومية المحلية٬ بشكل يمكن حسب سلم أولوياتها٬ من خلق الثروات ومناصب الشغل٬ ويضمن الشفافية والإنصاف والعدالة الاجتماعية في مجال تدبير الشؤون العمومية وإعادة مركزة أرباح موارد المنطقة حول الحاجات الأساسية لمواطني هذه الأقاليم وحماية البيئة٬ والالتزامات المرسمة٬ القابلة للقياس والمراقبة٬ لضمان تنمية مستدامة. كما تخص استئناف عملية التفكير حول تثمين المرجعية الثقافية للمنطقة٬ وتقوية إشعاعها ضمن الهوية الوطنية، وكذا تقوية تفاعلها معها وإعادة بناء الثقة لدى سكان الجهات الجنوبية٬ وإقرار علاقات سلسة بين سكان تلك الجهات والمؤسسات العمومية. ويمثل مشروع التقرير هذا تشخيصا سوف يتم تقديمه إلى الأطراف المعنية بهدف الاستمرار في إغنائه عبر تعليقاتهم واقتراحاتهم٬ وسوف يكون بالتالي بمثابة مرجعية تتم انطلاقا منها بلورة النموذج التنموي الجهوي الجديد للأقاليم الجنوبية٬ وتعميق التحولات الكبرى المنصوص عليها في الورقة التأطيرية.