شكلت الدعوة إلى الوحدة العربية والإسلامية هاجساً دينياً وقومياً ووطنياً لدى غالبية النخبويين من أبناء هذه الأمة. في حين أن واقع هذه الوحدة وإمكانية قيامها بقي قلقاً ولاسيما في الأطراف الجغرافية بفعل عوامل مختلفة بتأثيرات الحوار أو الشعور بضعف المركز وإمكانية الاستقلال لدى بعض السلطويين أو الطامعين بالسلطة. ومنذ انهيار الدولة العثمانية وارتفاع شأن ما سمي بالثورة العربية الكبرى بزعامة الشريف حسين أمير الحجاز وبدعم بريطاني مكشوف، تم التلاعب عليه بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وامتداد الفترة الاستعمارية على جميع أجزاء الوطن العربي التي كانت منضوية ضمن الدولة العثمانية المنحلة، بقيت الدعوة إلى الوحدة أو الاتحاد العربي قائمة وتشكلت أحزاب وتكتلات هدفها تحقيق هذا الاتحاد أو الوحدة وزاد الأمر حراكاً في أعقاب نكبة فلسطين لعام 1948 وتأسيس دولة إسرائيل على التراث الفلسطيني وتهجير أهل فلسطين على الديار العربية المجاورة. إلا أن هذا الهاجس بقي قلقاً لم يستطع التحقق على ارض الواقع وتم الاكتفاء على الصعيد الرسمي بتنظيم ضعيف هو جامعة الدول العربية التي اشترطت الإجماع في قراراتها وعدم التزام الطرف المعارض في تنفيذ القرارات وبقي الحال العربي على ضعفه وانقساماته واختلافاته الإيديولوجية والسياسية والمصلحية. وبسبب استمرار الهزائم أمام العدو الإسرائيلي وتزايد حالة الضعف أمام التشرذم من جهة وازدياد حاجة الدول المتخلفة والضعيفة إلى مساعدة الدول العظمى والقبول بشروطها وهيمنتها من جهة أخرى، وأمام توجهات العالم نحو أشكال جديدة من العمل الوحدوي تجسّد في الاتحاد الأوربي، صعدت فكرة الاتحادات العربية الجهوية فتم تشكيل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي إضافة إلى دعوات لتشكيلات مشرقية أخرى لم تستطع الصمود أو التحقق فكانت فكرة الاتحاد المغاربي بين دول الشمال الإفريقي التي تضم موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا نواة لفكرة تستمد إمكانيات نجاحها من تماثل شعبي وثقافي وجغرافي وثقافي إضافة إلى آمال وطموح ولقد لقي ذلك الكثير من التأييد والحماس من أبناء المغاربة عموماً والمشارقة أيضاً. وظنّ المشارقة أن الترياق سيأتي من المغرب بدلاً من المشرق (العراق) وكبر الأمل لكن أصحاب المصالح القطرية الضيقة إضافة إلى تخوف الجوار ولاسيما، الغربي، من وجود جسم عربي إسلامي موحد في جنوب المتوسط وشمال افريقية يشكل خطورة على المصالح التي يكتسبها بفعل حالة التفتت والضعف القطرية. فتم التشكيك بجدوى الاتحاد المغاربي وتم تفعيل المصالح الضيقة عن طريق الفساد والرشاوى وبث الإشاعات وتضخيم الخلافات الثانوية وصولاً إلى تعطيل قيام هذا الاتحاد وتفعيله. وبالرغم من أن أحداً لم يجرؤ على إعلان رغبته بإنهائه إلا أن تجميده كان واقعاً ملموساً ومؤسفاً ومربكاً في آن معاً، وصولاً إلى حالة الحراك الديمقراطي الأخير الذي بدأت تعيشه أقطار الاتحاد والحياة العربية عموماً. أن حالة الحراك التي يسميها البعض بالثورية والبعض الأخر بالحراك الديمقراطي بدأت تعطي ثمارها في غالبية أقطار الاتحاد المغاربي وأقطار المشرق العربي عموماً ولو بأشكال مختلفة تؤسسها الحكمة أحياناً من قبل قادة هذه الأقطار والثورة أحياناً أخرى في حال صم الأذان عن الرغبة في التغيير والتطوير بما يتلاءم مع رغبات الجماهير وطموحاتها في مواكبتها لدعوات الحرية والعدل والديمقراطية. إذا كانت الدعوة إلى الوحدة الشاملة جاءت كرد فعل على مفهوم الخلافة الإسلامية أو مواجهة لها، أو كرد فعل على حالة التشرذم والضعف أمام العدو الإسرائيلي حيث تم رفع شعار »القوة في وحدتنا« أو نتيجة التأثر بالفكر القومي العلماني الأوربي كما حالة حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب فإن التفكير والدعوة إلى تطوير جامعة الدول العربية وإنشاء الاتحادات الإقليمية الجهوية بين الأقطار العربية المتشابهة والمتقاربة جغرافياً كما مجلس التعاون العربي في المشرق والاتحاد المغاربي في مغرب الوطن فإن ذلك يأتي تماشياً مع الواقع السياسي والجماهيري من جهة ومع المتغيرات الدولية ومتطلباتها من جهة أخرى. وتأسيس اتحادات في العالم الغربي تربط أعضاءه روابط اقل شأناً من الروابط التي تجمع الحالات الإقليمية العربية. الأمر الذي يدعو المخلصين والنخبة الشابة إلى السعي الحثيث لإقامته وتفعيله بطرق تضمن المسيرة الديمقراطية وتأسس لمرحلة اتحادية جديدة تؤمن تكاملاً اقتصادياً واندماجاً اجتماعياً ومشاريع مشتركة وفرص عمل وفيرة وبالتالي حياة متطورة جديدة تواكب أجواء التطور العالمي وتساعد من جديد في مساهمتنا في بناء حضارة إنسانية راقية نعيشها مع المحيط كله من منطلق تكويننا الإنساني الإسلامي الصادق ورغبتنا في التعاون واثبات قدرتنا المنتجة التي حاول المستعمر طمسها وإعاقتها لأسباب تعود إلى طبيعة الفكر الاستعماري الذي حاول أن يهمن فيه على العالم الضعيف بقدراته العسكرية والرأسمالية، ففشل دون أن يعتذر أو يتراجع في كثير من الميادين عن فكره وتوجهاته. الأمل كبير والأجواء الجديدة واعدة والثقة بأجيال امتنا عالية والمستقبل مفتوح للإرادة الوطنية المخلصة.