بدء عمليات المسح الطبوغرافي للمسار الذي سيقطعه أنبوب الغاز الأطلسي المغرب نيجيريا خطوة أخرى متقدمة في هذا المشروع الضخم الذي سيغير وجه غرب إفريقيا، ويوحد دول الساحل الأطلسي الإفريقية حول رؤية تنموية مشتركة. شرعت شركة إيتافات (ETAFAT) في إجراء عمليات المسح على مستوى المغرب وموريتانيا والسنغال كمرحلة أولية في انتظار استكمال باقي المراحل حتّى الوصول إلى نيجيريا التي تشكل منبع هذا الأنبوب الطاقي الضخم. هذه السرعة التي تسير بها عمليات تنفيذ هذا المشروع تؤكد أن إفريقيا متعطشة فعلا إلى الخروج من ربقة التخلف ودخول مرحلة الإنجاز والتطوير وتأهيل بنياتها التحتية ولا سيّما أنها تتوفر على كل ما يلزم من موارد وكفاءات. نحن نؤمن في المغرب بقيمة العمل الميداني، ولا مجال هنا للإكثار من الدعايات السياسوية والإعلامية الفارغة. هذا المشروع يعدّ ورشا تنمويا حقيقيا لدول المنطقة والتأخر في إنجازه يعتبر مضيعة للوقت وهدرا للفرص الهائلة التي سيتيحها في الدول التي سيعبُرها. لذلك يسعى المغرب جديا ودون أيّ تردد في تنفيذ المراحل التي تقع على عاتقه، ولعلّ الشروع في إجراء الدراسات الطبوغرافية للجزء الشمالي الذي يشمل المملكة المغربية وموريتانيا والسنغال يمثل إيذانا لباقي الأشطر الأخرى وعلى رأسها الشطر الجنوبي الذي تشرف عليه نيجيريا باعتبارها البلد الرئيسي المورّد والقوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة الأطلسية من القارة السمراء. ومن بين الرهانات الكبرى التي يسعى إليها هذا المشروع تحقيق التنمية المستدامة وتأمين احتياجات الدول الإفريقية الواعدة من الطاقة. هناك فرص نمو هائلة في هذه المنطقة ولعلّ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز سيوفر كلّ ما يلزم لاستثمار هذه الفرص وجني مكاسبها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أيضا. لقد كان الاقتراح المغربي الذي دعّمته كل دول المنطقة ملبيا لصميم احتياجات الدول المعنية به. موارد طاقية واحترام تام للبيئة وقدرة على الاستجابة لانتظارات الاستثمار والشركات والمقاولات الكبرى التي تبحث عن مشاريع في هذه المنطقة. والأكثر إثارة للاحترام والإعجاب في عملية المسح الطبوغرافي التي انطلقت أنها تجري تحت إشراف مقاولة وطنية مغربية خالصة. هذا يعني أن المغرب ومن ورائه إفريقيا قادران على تحمّل المسؤوليات التقنية والتكنولوجية لمشروع بهذا الحجم وهذه الآفاق. ما الذي يتعيّن فعله إذن في المستقبل القريب للسير قدما في التنفيذ؟ هناك حاجة ماسة إلى تعزيز الإرادة الإفريقية من خلال عمل دبلوماسي مكثّف يستهدف الدول المعنية بالمشروع الممتدة على طول الساحل الأطلسي من نيجيريا إلى المغرب من أجل تذليل كل العقبات الأمنية أو السياسية التي يمكن أن تعترضه. وبالمناسبة فإنّ غالبية هذه الدول تربطها علاقات مميزة بالمغرب، وأعربت قياداتها في وقت سابق عن حماسها الشديد لهذا المشروع الذي سيضع دول المنطقة في مصاف البلدان الأكثر تنافسية على الصعيد القاري. إفريقيا هي مستقبل الاقتصاد العالمي، والتنافس الدائر اليوم على أشده بين مختلف بلدان العالم حول موطئ قدم فيها يؤكد ذلك. لكن الرؤية الملكية تصبو إلى إخراج إفريقيا من دائرة هذه الأطماع الخارجية التي كانت ولا تزال تتعامل مع دول القارة السمراء باعتبارها مصدر موارد طبيعية ثمينة لا أقلّ ولا أكثر. مشروع الربط بأنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب ليس مجرد غاية اقتصادية وطاقية خالصة، بل هو ترجمة عملية لفلسفة إفريقيا للأفارقة التي يدافع عنها جلالة الملك محمد السادس منذ زمن طويل، وهي نفسها الفلسفة التي قدمت نجاحات عديدة وباهرة على صعيد التعاون جنوب-جنوب بين المغرب والعديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ولأن الطموح هو المحرك الأساسي للنمو والإقلاع الاقتصادي يأتي هذا الأنبوب الغازي كجزء أول فقط من مشروع أوسع لتوحيد دول إفريقيا الأطلسية وتعزيز مجالات تعاونها الهائلة.