تسعى الجزائر كل مرة الى استفزاز المغرب والتحرش به، وهي في ذلك جادة وتمنّي النفس لو أنها تجد مصوغات الدخول في حرب عسكرية مباشرة مع المغرب، لولا رزانة المملكة وفطنتها وذكاؤها.
العداء لكل ما هو مغربي عقيدة ثابثة لدى حكام الجزائر المدنيين والعسكريين، يعملون على تغذيتها وتكريسها بشكل متواصل ودون توقّف، ولها الكثير من الاسباب والدوافع التاريخية والنفسية والسياسية والعسكرية.
الجزائر الرسمية لم تفعّل خاصية "لاميزاجور"، بحيث أن صنّاع القرار لديها من الجيل القديم الذي لم يتخلص من النفَس الصدامي الذي ساد الحرب الباردة ايام الستينات والسبعينات، ولم يهضم أيضا صدمة الهزائم السياسية والعسكرية التي تعرضوا لها من قبل المغرب.
12 قرنا من استمرارية النظام السياسي المغربي بشكله السلطاني والملكي، مع ما حققه المغاربة من فتوحات في كل الاتجاهات ايام المرابطين والموحدين والسعديين والعلويين..، مع موقعة الرمال وأحداث أمكالا والمسيرة الخضراء، يثير الفزع في نفوس الجزائر الرسمية التي تصوّر المغاربة كامبراطورية توسعية بعقلية هيمنية تأتي على الاخضر واليابس كلما سنحت لها الفرصة.
ملايير الدولارات من الغاز والبترول التي تصرف يوميا في معاداة المغرب، كانت كافية لتحقيق اقلاع اقتصادي وتنموي كبير بالجزائر، لكنها تهدر بلا توقف ودون ان يكون لها أثر فعال وحقيقي بخصوص الموقف الدولي من الصحراء.
ملايير من الدولارات تصرف لشراء كل أنواع الأسلحة للجيش الجزائري ولمرتزقة البوليزاريو، تخزن في الثكنات العسكرية حتى يصيبها الصدأ وتتحول الى خرذة دون أن يتم استخدامها ودون أن تحسم المعركة.
الجيل الحاكم في الجزائر حاليا في ورطة حقيقية، لا هو انتصر لنفسه وصفّى حسابات شخصية مع النظام المغربي، ولا هو حقق وعوده لأتباعه في الادارة والجيش والاقتصاد والاستخبارات والسياسة بسحق المغرب وتمريغ أنفه في التراب، ولا هو بمقدوره مستقبلا ان يستمر في تبرير ملايير الدولارات التي تستنزف أمام مرأى ومسمع من الجزائريين.
بالنسبة للجزائر المتخمة بملايير الغاز والبترول، وبالعتاد الحربي الكبير والمتنوع، فإن الحرب بالنسبة لها متنفس كبير، وتجربة ينبغي دخولها، طالما أن فكرة إقامة دويلة جنوب المغرب بدأت تتلاشى سياسيا وواقعيا.
حرصُ المغرب على تجنّب الحرب، ليس سببه قوة الجزائر العسكرية أو تخوفه من خسارتها، وإنما يقينه بأن لكل مواجهة مباشرة ثمنا على الأرض لابد من أدائه مهما كان الانتصار.
امتدادُ النظام الملكي في الزمن، وتوارثه عبر قرون، يتيح للمغرب تدبير صراعه السياسي مع الجزائر، وغيرها، بأريحية وبتروٍّ، إلى حين توفر شروط "الضربة القاضية"، عكس الجزائر، الخاضعة لمزاجية الطغمة الحاكمة والتي لا يسعفها الوقت في حسم صراعاتها، ما يجعلها تحت الضغط.
وضعُ المغرب الدولي، اليوم، أفضل بكثيير من جارته، كما أن علاقاته المتعددة والمحترمة، ورغبته المتواصلة في تبوّء مكانة مرموقة بين الأمم، والأوراش السياسية والاقتصادية والتنموية والرياضية والسياحية والديبلوماسية التي فتحها، وإرثه الحضاري والثقافي والتاريخي، يحتم عليه عدم مجاراة تهوّر جارٍ طائش متعطّش للمواجهة المباشرة بعدما لم يتبقّ لديه أكثر مما خسره.