عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    الرجاء والمغرب الفاسي يحجزان مقعديهما في نصف نهائي كأس العرش    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    بلاغ جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    دياز يهز الشباك مرتين في لقاء غرناطة    انتخاب الريفية فاطمة السعدي عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة    دائرة التأييد الأوربي تتسع للحكم الذاتي بالصحراء المغربية    الشعباني يأمل فوز بركان بنتيجة مريحة    العوني تتأهل إلى نهائي أنطاليا للتنس    طوابير تنتظر المسلم في معرض الكتاب    عودة للبؤات الأطلس اللواتي التهمن المنتخب الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    الأصالة والمعاصرة يشيد بحصيلة الحكومة وينتقد قساوة الأحكام السطحية الشعبوية    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    الرجاء يهزم الحسنية ويبلغ نصف نهائي كأس العرش    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    فاطمة سعدي ضمن لائحة أعضاء المكتب السياسي للبام    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عذاب الملح..أبشع عقاب نزل ب”قطاع الطرق” في المغرب
نشر في الأيام 24 يوم 18 - 02 - 2020

اشتهرت الكثير من أساليب التعذيب التي مورست على مخالفي القوانين المحلية والمعارضين السياسيين، وقد لا تستطيع وأنت تطالع في كتاب أو مذكرات شخصية ما إكمال القراءة من بشاعة ما تصوره من مشاهد، فمع كل كلمة تقرأها يصبح المشهد في مخيلتك أكثر رعبا وإيلاما، فقد تفنن البشر عبر التاريخ في ابتكار أساليب للتعذيب لا يمكن أن تخطرعلى بال، لكن عذاب الملح الذي كان عقوبة مبتكرة خصيصا لقطاع الطرق الذي روّعوا القوافل في كل ربوع المغرب في قرون خلت، ربما لم يشهد له التاريخ مثيلا وحتى ضباط التعذيب في سراديب المخابرات في كل بقاع العالم قد يندهشوا لما كان يقع لقاطع الطريق حين يتم توقيفه في مملكة السلطان الحسن الأول.
التفاصيل المرعبة لعذاب الملح نقلها لنا الفرنسي بيير لوتي، الذي مرّ برحلة مرهقة جدا رفقة رفاقه أعضاء بعثة دبلوماسية فرنسية، فقد تطلب منهم الوصول إلى فاس بعد رُسو سفينتهم في طنجة، السير لمدة 12 يوما تارة على الأقدام وتارة على ظهور الأحصنة، وكانت هذه الرحلة القاسية في الطريق إلى قصر السلطان قد جرت ما بين شهري مارس وأبريل من سنة 1889 م.
يقول بيير لوتي في مذكراته “AU MAROC” التي لم تترجم إلى العربية إلا في سنة 2019م، إن قافلتهم غادرت أرض الشراردة يوم الجمعة 12 أبريل (اليوم التاسع في رحلتهم) وعاد قائد الشراردة إلى مقره رفقة جنده تاركين القافلة بدون خفر لأول مرة، فالأوامر السلطانية تقضي بأن يهُبّ قائد كل منطقة دخلت إليها البعثة لحمايتهم ويوفر لهم المأكل والمشرب ثم يرافقهم إلى خارج حدوده ليتسلم قائد المنطقة الموالية مهمة تأمينهم، لكن هذه المرة دخلوا أرضا خلاء ولم يجدوا أمامهم خفرا ولا قائدا.
كان الفرنسيون في حيرة أمرهم لما وجدوا أنفسهم بدون حماية في بلاد ينتشر فيها قطاع الطرق في كل مكان تقريبا، وعن هذه اللحظة المخيفة يتحدث بيير لوتي في مذكراته: “غادرنا قائد الشراردة وفرسانه عند حدود إقليمهم، ولكن زعيم المنطقة التي نوجد فيها لم يهرع لاستقبالنا. وهذا أمر محيّر لأنه للمرة الأولى نجد أنفسنا وحيدين بدون خفراء…ما العمل ؟ في أي مكان سنحط رحالنا ؟ وأين سنجد سقفا يؤوينا في هذا البلد الذي يخلو من البيوت والأشجار، وحيث لا يوجد كوخ يقبل استضافتنا؟”.
الخوف لم يدُم طويلا فقد تبدّد بعد مدة قصيرة، لقد عاد القائد في صحبة فرسانه، قدّم اعتذاره للبعثة الدبلوماسية الفرنسية التي تحظى بعناية السلطان، لم يكن التأخر مقصودا وإنما بسبب ملاحقة القائد لثلاثة زموريين من قطاع الطرق وانتهى الأمر باعتقالهم رفقة خيولهم.
لقد كان قطاع الطرق الثلاثة مقيدين وجرى إيداعهم في مكان آمن داخل بيت القائد، بينما تتهيأ الظروف لإرسالهم إلى العاصمة فاس مقام السلطان ومقر إصدار الأحكام وتنفيذها، كان عقابهم معروفا من قبل فالقانون المتعارف عليه حينها يُنزل بهم عقوبة قاسية جدا وهي العذاب بالملح.
نقل بيير لوتي في مذكراته ما سمعه من تفاصيل هذا التعذيب الذي كانت مهمة الإشراف عليه تُوكلُ إلى الحلاق الخاص بالسلطان، يحكي المبعوث الفرنسي قائلا: “في مكان عمومي (ساحة السوق)، كان يؤتى بالمذنب مُكبّلا بإحكام. وبواسطة موس الحلاقة، يُحدث في باطن كلتي يديه أربعة شقوق طولية عميقة بحيث تلامس منه العظم، ثم يمدد راحتيه موسّعا إلى الحد الأقصى حواف جراحهما الدامية قبل أن يحشوها بالملح”. وللقارئ أن يتخيل حجم الألم فقد يصل إلى أذنيك أنين المذنب الرازح تحت العذاب في أواخر القرن التاسع عشر وأنت تطالع هذه المقالة في القرن الواحد والعشرين.
إذا كنت تعتقد أن العذاب يتوقف هنا، يجب أن تعلم أن قاطع الطارق تمنى أن يكون الحلاق رحيما به مثلك، بل تتواصل حصة القتل البطيء إذ يقوم ضابط التعذيب (الحلاق) بإيلاج مقدمة كل أصبع في الجرح الذي يقابله ويغلق اليد على جروحها الغائرة، ثم يخيط ما يشبه القفّاز على اليدين وهو مصنوع من جلد الثور ويكون مبلّلا، الغرض من تبليله هو أن يزداد ضيقه على اليد ويشتد الألم كلّما بدأ يجف.
ثم يتابع لوتي سرد ما سمعه من تفاصيل: “عندما يفرغ الحلاق من خياطته يُقاد المذنب إلى محبسه، وربما قدّم له الطعام على سبيل الإمعان في تعذيبه”، ويضيف واصفا حالة المذنب المعاقب بعذاب الملح: “منذ اللحظات الأولى سيُضاف إلى الآلام المبرحة التي يعاني منها ذلك الإحساس القاهر بأن هذا القفاز المرعب لن يغادر يديه أبدا، وأن أصابعه المغروسة بين جراحه الحساسة لن تنجو أبدا، وألاّ أحد في هذا العالم سيشفق عليه، وأن تشنجاته وآلامه الصارخة لن تتوقف ليلا أو نهارا”.
ويشير لوتي إلى أن المرحلة الأكثر رعبا هي ” ما سيحدث بعد بضعة أيام عندما تأخذ أظافره في النمو وتنغرس في لحم راحتيه متوغلة فيه أكثر فأكثر..”، والحقيقة أن هذه اللحظة هي الأكثر إيلاما، فالجرح المحشو بالملح يزداد عمقه بانغراس الأظافر النامية للأصابع التي أولجت مقدمتها بداخله، ويصبح هذا الجرح وسطا مناسبا لتتسلل إليه الجراثيم وتتحول إلى بكتيريا سامة تصيب بمرض الكزاز ويصاب المذنب المعاقب بتقلُّصات وتيبُّس في عضلات الفك وتيبُّس عضلات الرقبة وصعوبة في البلعوم وآلام شديدة في البطن ، ومن المعاقبين من يُفضل إنهاء حياته على تحمّل الألم القاسي فيعمد إلى تهشيم رأسه ضربا على الجدران.
ويدافع بيير لوتي عن هذا الأسلوب العقابي الذي كان شائعا في المغرب، قائلا “إنني أدعو باستمرار الأشخاص الذين يعتنقون النظريات الإنسانية الجاهزة وهم جالسون في أريكتهم المريحة إلى عدم الاحتجاج على هذه القساوة المغربية”.
ثم يوضح: “…سأبدأ بتنبيههم إلى أن الناس في المغرب، ما يزالون يعيشون في قلب العصور الوسطى والله وحده يعلم مقدار الخيال الخلاّق الذي كان لعصورنا الأوروبية الوسطى بصدد أساليب التعذيب. ثم إن المغاربة مثل مجمل الأقوام البدائية، ليست لهم درجة حساسيتنا العصبية، وبما أنهم يستخفّون بالموت مطلقا، فإن الإعدام بالمقصلة المتبع عندنا سيبدو في أعينهم عقابا غير ناجع ولن يردع أحدا عن اقتراف الجرائم”.
وفي ختام مرافعته دفاعا عن موقفه، يقول الفرنسي بيير لوتي ” …ففي بلد تطول فيه الأسفار عبر طرق غير آمنة لا يجوز لنا أن نلوم شعبه على اتخاذ مثل هذه العقوبات التي من شأنها أن تحمل قراصنة الجبال على إعمال تفكيرهم والتدبر فيما ينتظرهم”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.