رشيد ميموني بات الصحافيون المكسيكيون, وبالأخص منهم المتتبعون لشؤون الجريمة ومحررو الزوايا المتعلقة بالقضايا القانونية, مستهدفين من طرف الجماعات الإجرامية التي تنشط في مجال تهريب المخدرات, والتي تمكنت منذ بداية السنة الماضية من اغتيال 12 صحافيا. وقد جعلت هذه الحصيلة المؤلمة دولة المكسيك في وضعية البلد الأخطر على صعيد أمريكا اللاتينية فيما يتعلق بممارسة مهنة الصحافة, حيث أصبحت هذه الدولة بموجب ذلك تتمركز في وضعية مشابهة للبلدان والمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة كما هو الشأن بالنسبة للصومال والعراق وأفغانستان. وآخر صيحة صدرت لإثارة الانتباه لهذه الوضعية الخطيرة أطلقتها خلال عطلة نهاية الأسبوع من الأرجنتين "الجمعية الأمريكية للصحافة" التي اعتبرت أن الصحافيين المكسيكيين يعيشون "تحت التهديد المتواصل" بإمكانية اغتيالهم أو الاعتداء عليهم, وذلك وسط مناخ يتسم بالإفلات من العقاب. وقد غدت القوة والسلطة القسرية للجريمة المنظمة حاضران بكل ثقلهما لدرجة أن الرقابة الذاتية أصبحت نهجا معتمدا من طرف عدد من هيئات التحرير, خاصة لدى وسائل الإعلام الجهوية وذلك من أجل تفادي الاعتداءات الصادرة عن الجماعات الإجرامية المسيطرة على معاقل ترويج المخدرات. وتأتي منطقة "دورانغو" شمال البلاد في مقدمة المناطق التي شهدت أسوأ حالات الاعتداء حيث تم اغتيال ثلاثة صحافيين بطريقة وحشية تنم عن انعدام الشفقة لدى مهربي المخدرات, وذلك في أعقاب نشر معلومات اعتبرها "أباطرة" معاقل ترويج المخدرات مزعجة لهم. وجاء في افتتاحية لصحيفة "إل أونيفيرسال", وهي أشهر جريدة يومية في المكسيك, أن "العنف الذي يستهدف صحافيينا نتجت عنه رقابة ذاتية كبيرة ... فالصحافيون توقفوا عن إجراء التحقيقات, والتثبت والسؤال وتقديم الحجة, لأن كتابة مقالة لا يمكنها أن توازي حياة بشرية". وآخر صحافي أدى حياته ثمنا لمهنة المتاعب في المكسيك هو خوصي بلادمير أنتونا باسكيس الذي كان يعمل لفائدة جريدة "إل تييمبو" المحلية في مدينة دورانغو, حيث تم العثور على جثته خلال بداية الأسبوع الماضي وقد اخترقها الرصاص, وذلك غير بعيد عن المكان الذي تعرض فيه للاختطاف ساعات قبل اغتياله. وسبق لبلادمير (39 سنة) الذي يحرر الزوايا المتعلقة بالقضايا القانونية في مدينة دورانغو أن أدان التهديدات بالقتل التي تلقاها غير ما مرة من طرف مجهولين. كما سبق له أن أفلت من محاولة اغتيال فاشلة خلال شهر أبريل الماضي وذلك بسبب المقالات التي يحررها على ما يبدو, والتي اعتبرت "قوية" من طرف مدير الصحيفة التي كان يشتغل فيها. ويعد بلادمير الصحافي الثالث الذي تم اغتياله في منطقة دورانغو سنة 2009, والصحافي الثاني الذي سقط شهيد مهنة المتاعب في ظرف أقل من شهر في المكسيك وإلى جانب هذه الحالة المفجعة, شهدت المكسيك ضمن سلسلة الاغتيالات التي تستهدف الصحافيين حالة أخرى أكثر مأساوية, ويتعلق الأمر بالصحافي نوربيرطو ميراندا مدريد الذي يحمل لقب "إل كالييتو" والذي تمت تصفيته في قلب قاعة التحرير التي يشتغل فيها من طرف كوماندو مكون من ثلاثة أشخاص ينعتون باسم "بيستوليروس". وكان هذا الصحافي يعمل مذيعا في إحدى المحطات الإذاعية التي تحظى بتتبع كبير من طرف المستمعين, كما كان صاحب مدونة إلكترونية عرف عنها أنها تدين موجة العنف التي تجتاح المنطقة المحاذية للحدود مع الولاياتالمتحدة, فضلا عن كونه معروف بتتبعه الدقيق لكل عمليات الإجرام المنظم التي عرفتها المنطقة التي يشتغل فيها. وإزاء هذه الوضعية, أشار التقرير الأخير ل`"المؤسسة من أجل حرية التعبير بالمكسيك" المعروفة باسم "فونداليكس" إلى عدم أهلية السلطات العمومية لضمان أمن الصحافيين وحرية التعبير في البلاد. ومن جهتها, أوردت "اللجنة المكسيكية لحقوق الإنسان" أنه خلال الفترة الممتدة ما بين 2000 و2009 تم اغتيال 53 صحافيا, بينما اعتبر سبعة آخرون في عداد المفقودين منذ سنة 2005. وتندرج هذه الموجة من العنف التي تستهدف الصحافيين في إطار مناخ من عدم الاستقرار تعيشه المكسيك منذ إطلاق حكومتها لهجوم ضد الجريمة المنظمة, وذلك في أعقاب تولي مقاليد السلطة في هذا البلد من طرف رئيس الدولة الحالي فيليب كالديرون. واستنادا إلى مصادر متطابقة, فإن الهجوم الحكومي ضد الجريمة المنظمة أدى إلى وقوع اعتداءات عنيفة ضد القوات العمومية, كما تمخضت عنه مواجهات غير مسبوقة بين المجموعات المتنافسة على تجارة المخدرات مما أدى إلى مصرع أزيد من 16 ألف شخص منذ نهاية عام 2006. وقد سلطت العدالة المكسيكية الأضواء على جزء صغير من هذه الموجة من الاعتداءات, لكنها لم تستطع لحد الآن استجلاء ملابسات أي حادثة تتعلق باغتيال الصحافيين..