افتتحت اليوم الإثنين بالصخيرات٬ الدورة الثانية للمناظرة الوطنية حول الجبايات التي تنظمها وزارة الاقتصاد والمالية في إطار مواصلة تأسيس نظام ضريبي عصري. وستمكن هذه المناظرة٬ التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس عبر التوصيات التي ستخرج بها٬ من تفعيل نظام ضريبي يتأسس على معايير النجاعة والإنصاف. ويشارك في هذه المناظرة ممثلون عن الحكومة والإدارة وفاعلون اقتصاديون واجتماعيون٬ وممثلو مختلف الهيآت الوطنية والدولية وخبراء جامعيون مغاربة وأجانب. وأخذا بعين الاعتبار للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المملكة٬ بالإضافة إلى الطفرات التي تؤثر على السياق الوطني والدولي٬ ستتمحور أشغال هذه المناظرة حول ثلاثة مواضيع كبرى هي "الجبايات والإنصاف"٬ و"الجبايات والتنافسية"٬ و"الإدارة الضريبية وانتظارات المتعاملين". دعا السيد نزار بركة وزير الاقتصاد والمالية اليوم الاثنين بالصخيرات إلى التفكير في ابتكار مسالك وآليات جديدة للارتقاء بالنظام الجبائي٬ خاصة فيما يرتبط بتوطيد ثقافة "المواطنة الجبائية" لدى الملزمين بأداء الضريبة. وأكد السيد بركة في افتتاح أشغال الدورة الثانية من المناظرة الوطنية حول الجبايات بالمغرب٬ التي تنظمها وزارة الاقتصاد والمالية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أنه يتعين الوقوف على النواقص والاختلالات التي يجب معالجتها بغرض٬ إقامة إدارة ضريبية عادلة ومنصفة٬ وذلك لتصحيح وتجاوز المنطق المغلوط والعدمي الذي ما زال يعتبر الضريبة عبئا انتقائيا أو عقوبة أو يضعها في باب المظالم. وأشار السيد بركة إلى انه وفق هذه الرؤية سيتم التركيز خلال هذه المناظرة على تعميق النقاش حول أربعة محاور أساسية تتعلق بإقرار نظام جبائي عادل يساهم فيه الملزمون كل حسب قدرته الإسهامية وذلك في إطار تصور شمولي يحقق الإنصاف٬ ويراعي خصوصية المقاولات الصغرى والمقاولات الصغيرة جدا٬ ويستهدف الطبقة الوسطى ويقوي آليات التضامن القمينة بتوفير أسباب الارتقاء الاجتماعي. وأبرز أن المحور الثاني يهدف إلى وضع نظام جبائي إرادي ومستدام يتماشى مع أولويات السياسة الاقتصادية المعتمدة٬ ويكون بمثابة محرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية٬ ودعم لتنافسية المقاولة٬ ولخلق فرص الشغل وتشجيع التشغيل الذاتي٬ ولضمان قواعد المنافسة الشريفة. أما المحور الثالث فيروم برأي السيد بركة إرساء نظام جبائي يعزز الثقة والشراكة بين الإدارة والملزمين من خلال وضع ميثاق جبائي يقوم على وضوح الرؤية واستقرار السياسة الضريبية وتبسيط المساطر التي تمكن من تسهيل مقروئية المدونة العامة للضرائب٬ وتحسين مساطر المراقبة ومحاربة الغش والتهرب الضريبي٬ وتقوية الشفافية من خلال التواصل حول كيفية استعمال الموارد الضريبية في جهود التنمية. وأشار السيد بركة إلى أن المحور الرابع الذي سيتم الاشتغال عليه يهدف إلى إرساء نظام جبائي ينسجم مع الرهانات المطروحة على الجهوية المتقدمة ويساهم في تمويل النمو الجهوي في إطار التوازن والتضامن المجالي. وأبرز الوزير أن الوصول إلى هذه الغايات يستدعي العمل على إيجاد توازن خلاق بين الجبايات الوطنية والمحلية بما يمكن من التزام مبادئ الإنصاف في توزيع الضغط الجبائي في كل مكوناته وبما لا يعيق تنافسية المقاولات ويراعي مبادئ الإنصاف والتضامن بين كل فئات الملزمين. وذكر بحرص الحكومة٬ طبقا لمقتضيات الدستور٬ وانطلاقا من القناعة السياسية بحتمية المقاربة التشاركية وجدواها٬ على أن تجعل من هذه المناظرة بوابة للإصلاح الجبائي المأمولÂo من خلال توسيع مجال التشاور والتشارك بدءا من الأشغال التحضيرية٬ ليشمل مختلف المتدخلين في الحقل الجبائي٬ من القطاع العام والمؤسسة التشريعية والفاعلين السياسيين والاقتصاديين والماليين والاجتماعيين٬ ومنظمات المجتمع المدني٬ مع الاستفادة من الخبرات والدراسات المنجزة في هذا الصدد٬ وفي مقدمتها العمل الوازن الذي ساهم به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وقال السيد بركة إن المغرب يوجد اليوم أمام استحقاق الإصلاح الضريبي٬ وهو ورش استراتيجي كبير في صلب المشروع المجتمعي والنموذج التنموي٬ نظرا لارتباطه الوثيق مع مختلف الإصلاحات المهيكلة الأخرى٬ خاصة تلك التي تهم أنظمة المقاصة والتقاعد وغيرها من آليات دعم التماسك والحماية الاجتماعية٬ مضيفا أن إصلاحا من هذا المستوى وبهذه الرهانات٬ لا يمكنه أن يخرج ناضجا ومكتملا إلا من رحاب التشارك والتشاور والنقاش المسؤول والقوة الاقتراحية٬ وهو ما ستجسده بكل تأكيد أشغال المناظرة الوطنية الثانية للجبايات. وأضاف أن الإصلاح الجبائي٬ الذي سيتم العمل على بلورته خلال هذه المناظرة٬ هو ثمرة للتعاقدات الدستورية والالتزامات السياسية والمجتمعية٬ فضلا طبعا عن إلحاحيته اليوم في ظل احتداد الأزمة العالمية واستمرار تداعياتها على مختلف الاقتصاديات بما فيها الاقتصاد الوطني.وخلص السيد بركة إلى أن هذا الإصلاح يعد واحدا من أهم آليات "التمنيع الذاتي" في مواجهة انعكاسات الأزمة العالمية٬ وبناء توازنات اقتصادية واجتماعية جديدة كفيلة بتحقيق نمو تضامني في ظل الاستقرار الماكرو - اقتصادي والمسؤولية المالية وتعزيز إنتاجية وتنافسية النسيج المقاولاتي وتطوير التنمية المستدامة٬ مما سيمكن المملكة من تجاوز التحديات الحالية٬ والاستعداد على المستوى الاستراتيجي والاستشرافي لمرحلة ما بعد الأزمة٬ بما ستحمله من فرص ورهانات.