كشفت واقعة نشر جريدة "لوموند" الفرنسية لملف إشهاري عن النظام الجزائري، وما تلاها من تعليقات فضحت أساليب الجريدة الاحتيالية، وكيف تلاعبت بقرائها، وباعت نفسها للنظام العسكري في الجزائر، وكيف أن لغة المال تسيطر على جزء كبير من الإعلام الفرنسي، الذي كلما تعرضوا لأزمة مالية ونقص في التمويل إلا ولجؤوا إلى أساليب دعائية للأنظمة ولو كانت عسكرية ديكتاتورية تماما كما فعلت "لوموند". لقد نشرت "لوموند" ملفا إشهاريا حصلت مقابله على أموال طائلة، بشكل يتنافى مع أخلاقيات مهنة الصحافة، خصوصا أن الملف الذي نشرته لوموند تجاوز عدد الصفحات الإشهارية المحددة على حساب الصفحات التحريرية، وهو ما أثار غضب هيئة التحرير وقراء الجريدة وتعليقات المهتمين، الذين اتهموا مسؤولي الجريدة بالتلاعب من خلال الخلط بين الخبر والدعاية المدفوعة الأجر. ما قامت به جريدة "لوموند" ليس أمرا جديدا، إذ أن الجريدة الفرنسية التي ظلت تدعي مهنيتها ومصداقيتها، تعودت كلما ألمت بها أزمة مالية، على ابتزاز الأنظمة العربية، خاصة منها الناطقة باللغة الفرنسية وتحديدا المغاربية، بل إنها في كل مرة أحست فيها بحاجتها إلى المال توظف جهات وقضايا تضغط بها للحصول على المال، الذي يضمن لها الاستمرارية، وهو الأمر الذي يتم في شكل إعلانات إشهارية ودعائية، تتجاوز حدود المهنة والأخلاق. ويتذكر المغاربة كيف أنه في عهد الوزير السابق في الداخلية والإعلام ادريس البصري، كانت جريدة "لوموند" كلما احتاجت إلى المال تطرق بابه ليمدها بصفحات إشهارية تتجاوز ما تحصل عليه الجرائد المغربية مجتمعة في سنة، بل إن شركة مغربية اكتشفت أن صفحة إشهارية واحدة في جريدة "لوموند" تعادل ميزانية الإشهار التي تخصصها خلال سنة كاملة، وصراحة فقد عاشت ربيعها على عهد البصري الذي كان يأمر بمنح الجريدة إشهارات إضافية كلما طرقت بابه مستنجدة. لقد سعى النظام الجزائري من خلال ملف "لوموند" إلى تبييض وجهه، وتقديم صورة عن كونه نظاما ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان، حيث ضخ في حسابات الجريدة ملايين الأوروهات فقط لكي تنظف غسيله، مع أن ندوة نظمت في الجزائر الأسبوع الماضي خلصت إلى أن المواطن الجزائري لا يعرف من يحكمه، وذهب أحد الباحثين إلى القول، إنه بعد خمسين سنة من الاستقلال لا يعرف الجزائري من الذي يملك المسؤولية في قمة الدولة، وأضاف الباحث نفسه أن هذا الشعور بعدم وجود الدولة راجع إلى أن السلطة مخفية، بل إنها سرية. وأضاف باحثون آخرون أن النظام الجزائري غير شفاف ومتعسف يخلق سخطا عارما في غياب أجهزة حقيقية للرقابة، ومع ذلك يجد هذا النظام من يسوق صورة غير حقيقية عنه، مقابل المال. ما يحدث في فرنسا مع جريدة لوموند هو نفسه ما يحدث في المغرب اليوم بعدما قررت بعض المؤسسات الإعلامية وعن سبق إصرار وترصد الهرولة نحو حزب العدالة والتنمية الحاكم، بل إن صحافيي بعض القنوات والمحطات الإذاعية لزموا رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، يحصون سكانته وقفشاته التي ما أكثرها وتحولوا إلى "طبالجية" يقومون بالدعاية لرئيس الحكومة وحزبه، يصفقون بدون مناسبة، ورهن إشارته في كل وقت وحين، ويطبلون لكل ما يفتي به بنكيران ورهطه. وإذا كانت حادثة "لوموند" قد كشفت تأثير لغة المال على السلطة، فإنه أيضا سمحت لنا بأن ننظر مليا في طبيعة التحولات التي أحدثها بنكيران في الإعلام المغربي، الذي انقسم إلى قسمين واحد انخرط طواعية أو بمقابل في زمرة المصفقين والمصطفين، وجزء آخر قرر احترام مبدأ الصحافة وقوامها، وهو الحياذ واحترام القارئ المغربي، واعتماد شعار "الخبر مقدس والتعليق حر"، طرف سعى بكل قوة ورغم الضغط إلى ممارسة إعلام حر ونزيه لا يصطف وراء أحد، ولا يطبل لأحد، بل يقوم بدوره في تنوير الرأي العام، وتوجيه النقاش السياسي الوجهة الحقيقية بدون مواربة، أو خداع. ممارسة تتأسس على احترام الرأي والرأي الآخر، وتبتعد عن الابتزاز السياسي الذي لن يجني المغرب من ورائه إلى الرياح الهادرة، في إطار صحافة حرة ومستقلة لا تضعف أمام سلطة المال، ولا تبحث عن ملفات إعلامية مدفوعة مسبقا كما حدث مع العمران وجريدة بنكيران أو كانت استجوابات مع رؤساء ودول حكومات كما فعلت "لوموند" التي أكدت مرة أخرى أن لغة المال تسبق المهنية حتى لو تعلق الأمر بيومية عريقة بدولة ديمقراطية هي فرنسا.