كلما تقدم احد لإثارة موضوع تحسين الوضعية المادية للمواطن المغربي ، أو الرفع من مستواه المعيشي، و كما يقع في كل الحوارات الاجتماعية ، إلا وتحججت حكومتنا الموقرة، بالظرفية الاقتصادية الحساسة ، وقلة ذات اليد ، وكأن قلة ذات اليد هذه لا تعني السادة الوزراء و البرلمانيين وكبار الموظفين السامين والتابعين لهم وتابعي التابعين ، و كل من يدور في فلكهم أجمعين . فكيف لهؤلاء وهؤلاء أن يدعوا الناس إلى الحرص على مصلحة الوطن ، وكيف لحكومتنا الموقرة أن تمنع عن المغاربة الضعفاء النزر اليسير من ثروة البلاد ، التي هي ثروتهم ، في الوقت الذي توزع فيه الامتيازات والإتاوات على غير مستحقيها من الوزراء و البرلمانيين و أقاربهم بغير حق ؟؟ وما فضيحة رخص الحج ببعيدة عنا .. حيث تم تمكين 140 برلمانيا ووزيرا من تذكرة الحج لهذا العام ، مدفوعة المصاريف أكلا و إيواءً ، كل ذلك من جيوب المواطنين ودافعي الضرائب البسطاء ، الذين يكتوون كل يوم بسعير الأثمان ، وجشع السماسرة و المضاربين .. لم نعد نتحدث في بلادنا عن الريع السياسي أو الاقتصادي فقط ، بل انضاف إليهما ريع ديني أخطر واقبح ، و ما هذا إلا فضلٌ آخر يضاف إلى فضائل حكومتنا الموقرة ، التي يدعي رئيسها " يا حسرة " الاستناد في كل ما بفعله على خلفية اسلامية "إصلاحية معتدلة" ، تَنهَلُ من معين السلف الصالح ، وتقتدي بسيرتهم العطرة . ونفس الظرفية الاقتصادية الحساسة ، هي التي جعلت السيد بنكيران وحكومته الموقرة ، يصرون على تمرير مشروع اصلاح التقاعد ، بالشكل الذي يريدون و في الوقت الذي يريدون ، غير ملتفتين إلى اقتراحات الشركاء الاجتماعيين و الاقتصاديين ، الذين يطالبون الحكومة بالإصلاح الشامل لمنظومة الأجور و كل القوانين المنظمة للوظيفة العمومية ، بما فيها مراعاة الفوارق في الأجور ، والعمل على تقليصها ، والغاء الكثير من الامتيازات الزائدة عن المعقول ، و تمكين العمال والفلاحين من جميع ضمانات التغطية الصحية و الاجتماعية والاقتصادية ، وفي مقدمتها ، انشاء صندوق التعويض عن العمل chômage : ، وربطه مباشرة وبشكل أتوماتيكي بمكتب التشغيل وتنشيط الشباب ، كما هو معمول به في الدول التي تحترم مواطنيها . يتحدث السيد بنكيران عن تقاعد الموظفين البسطاء ، ويفتخر بخصم 0.5 نقطة من معاشاتهم ،من أجل مصلحتهم – كما يدعي – ، في الوقت الذي يتم فيه السكوت وبصفة مريعة ، عن الحديث عن كل ما يتعلق بتقاعد الوزراء و البرلمانيين ورواتبهم وامتيازاتهم السخية ، هؤلاء الذين ينتفضون ويكشفون عن دواخلهم الخبيثة ، كلما تمت إثارة هذا لموضوع ، وكأن ذلك ينبغي أن يبقى طابوها من ضمن الطابوهات التي لا ينبغي الاقتراب منها ، أو الاشارة إليها ولو لمزاً وهمزا، وهم يعلمون علم اليقين ، أنه لريعٌ سياسي ، لا يستحقونه بقوة القانون والشرع ،والأخلاق والمروءة الحقة ، لأن مهامهم هذه هي مجرد تكليفات سياسية ، تزول بمجرد انتهاء صلاحيات هذه الحكومة أو تلك ، بل إن هذه المهام هي بالدرجة الأولى تكليف ، وليست تشريفا ، مهام ينبغي أن تكون في خدمة البلاد و العباد . كما أنها ليست مَدعاة لجباية المصالح المادية ، وتكديس الثروات والاغتناء ، عبر الاعفاءات الضريبية ، واستغلال شبكة العلاقات القذرة . لماذا يتم السكوت عن التضخم غير الطبيعي لمديونة البلاد ، في الوقت الذي يتم فيه الترويج لخطاب مخالف للواقع الاقتصادي و الاجتماعي ؟؟ . فيكفي أن نقارن بين الأرقام و المؤشرات الصادرة عن الحكومة ، وتلك الخاصة بالمجلس الأعلى للحسابات، ليتبن لنا حجم التناقض بين المصدرين ، وحجم التهافت الحكومي ، ودرجة التمويه و الاستخفاف الذي تمارسه هذه الأخيرة اتجاه كل ما يرتبط بمصلحة الوطن و المواطن .. ففي الوقت الذي كان على السيد رئيس الحكومة أن يجيب علن تساؤلات الرأي العام حول تضخم حجم الديون العامة ،وعن مدخرات صندوق المقاصة ، الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية ،و عن ارتفاع وثيرة الاقتراض الخارجي ، انبرى سيادته إلى لعب لعبته السخيفة وتمييع الموضوع قائلا باستخفاف أمام نواب الأمة ، وأمام الملايين من المتابعين : " واش أنا خديت هاد شي لراسي ؟" .. ألم يكن حريا به أن يحلل الحيثيات، و يبسط الأرقام ، بهدوء و روية ، لعل خطابه يجد إلى آذان المواطنين منفذا وسبيلا ؟. أيضا .. وفي سياق الحديث عن الظرفية الاقتصادية الحساسة جدا ، ألم يكن من المفيد أن يساهم أثرياء البلاد و أصحاب الثروة فيه ، في انقاد البلاد من الإفلاس ؟؟ ألم يكن حريا بالسيد رئيس الحكومة أن يدفع بهؤلاء إلى التنازل عن القليل من الارباح لفائدة الوطن ، ولفائدتهم هم أنفسهم ، كما فعل أقرانهم في الولاياتالمتحدةالأمريكية العام المنصرم ، حيث خصص أثرياء البلد نصيبا من أرباحهم لخزينة الدولة ، هذا زيادة عن الضرائب التي يؤدونها كل عام . أم أن أثرياءنا لا يحسنون سوى التهرب من الضرائب ، وجمع الثروات و تكديسها في المصارف الأجنبية في سويسرا و بانما وغيرهما ؟ .. ليس هم انقاذ البلد ،و لا هم من فيها ، واضعين قدما هنا ،والثانية على الضفة الأخرى .. ففي الوقت الذي أطبق السيد رئيس الحكومة ، وضرب صفحا على الحديث عن ضريبة الثروة ، التي كان يهلل بها في حملته الانتخابية ، عمل على زيادة الضريبة على المواطن البسيط ، بالرفع من فاتورة الماء و الكهرباء والنقل و المحروقات و و .. مفضلا ركوب أسهل الأحصنة ، وهو هذا الشعب البسيط . أما الحصان الآخر ، فقد اكتشف – مع الأسف – أنه إما تمساح ، من الخطر الاقتراب من مجاله ، وإما عفريت ، يمتلك قدرات خارقة ، ما يجعل من عملية الإمساك به ، ضربا من العبث والجنون . وليبقى الحال كما هو عليه ،إسهال في الشعارات، و إمساك في العمل ، ازدواجية الخطاب والفعل ،لهم الحج و العمرة بالمجان ،والعلاج بالمجان ، ولهم التقاعد الذهبي ، و السيارات الفارهة ، و لنا الفاقة والكمد ، و الموت على أعتاب المستشفيات ، و الموت في أتون المتوسط ، أو التسول على الأرصفة ، لهم كل الثروة ، ولنا قفة رمضان .. قنينة زيت و قصفة من دقيق و سكر.. قسمة ضيزى ، وعند ربكم تختصمون .