كلما حلّ بيننا رمضان الكريم ،إلا وطفح إلى السطح ما كنا نُداريه طوال السنة،راح رمضان وحل آخر والحال كما هو ،لم يتغير فيه شيء بالنسبة للفقراء والمسحوقين من أبناء هذا الوطن، وطن يَمُدّ أَيادي السّخاء والمَنّ لكل شارذ وشارذة ،من الراقصين و الراقصات ،والمغنين والمغنيات ،الرّوم منهم والروميات والعرب والعربيات ومن كل القارات.. أقول : لم يتغير شيء، ولا أظن أن شيئا ذي بال سيطرأ في المستقبل المنظور، وهذا معلوم للجميع،اعتبارا لمسارات العمل الحكومي الحالي، ولمقتضيات التوازنات "الماكرو" و"الميكرو"اقتصادية،التي أصبحت دَيْدَنَ الحكومة ،مهما بلغت الضائقة الاجتماعية والأسرية بالناس،نتيجة غلاء المعيشة و الزيادات المتتالية في أسعار المواد.. لا يهم ذلك ، مادامت الأبناك المُقرضة راضية عن آداء الحكومة ، وما دامت العفاريت والتماسيح في مأمن من نقمة الشعب ، ومن محاسبة الذي بيده الأمر و النهي. لا شيء تغير،سوى ما كان من تحسن أحوال الساسة وإثرائهم السريع، الذي أضحى باديا للجميع،في مشهد يتكرر منذ خمسة عقود مضت..كلما جاءت حكومة لعنت أختها ، وهم في تجويد أحوالهم الشخصية سواء،لا فرق بين الليبرالي واليساري ولا الإسلامي المتسربل بالعفّة و القناعة و التقوى والزهد . إن الفقراء في وطننا ، لا يزالون يعانون ويصرخون حتى بحت حناجهم من شدة الفاقة والعوز،والسياسيون المُمارون،يترنّحون ويزايدون على آلام الناس ومصائرهم، ليس بهم عَجَلة في سَنّ القوانين ،التي تخدم الوطن وأبناء الوطن المعوزين، لأنهم يتصوّرون أنهم قد حصلوا على ما يريدون من مناصب وثروات،وهذا هو مبتغاهم ومطلبهم ، فبئس المبتغى وبئس المطلب . أما الفقير، فما عليه إلا أن يتفهم ويصبر،لأن الظرف صعب ودقيق،والأزمة تكاد تعصف بالوطن، فلا بأس إن تخلّى على بعض من حاجياته ، في سبيل الوطن ،إلى أن تنصرم ساعة العسر!! وكأن الأزمة سببها سعي الفقراء و المساكين إلى بعض حاجاتهم الأساسية، وليس التبدير المفرط في نفقات ذوي الجاه والمال،نفقات تكلف خزينة الدولة ميزانية كبيرة،كان حَريّ أن تُستثمر في ما ينفع الناس.. فأي عدالة وديمقراطية هذه التي يَتَغنون بها،وهم في بروجهم وشققهم الفارهة ، لا يبالون بما يحيق بالفقراء و المسحوقين من هذا الشعب؟؟ هل هي عدالة وديمقرطية الجوع و الفقر ، أم عدالة وديمقراطية المرض والمعاناة التي تتوزع على فقراء هذا الوطن بالتساوي ؟؟ لقد أصبح كل شيء يوحي بالفوضى واللامبالاة من قبل المؤسسات الوطنية بالناس، وبالفقراء بشكل خاص،الذين يتألمون في كل مناسبة ، بسبب عدم قدرتهم على تلبية حاجيات أسرهم،من مأكل وملبس. ناهيك عن توفير مصاريف الدواء والعلاج، الذي أضحى ضربا من ضروب الرفاهية والتّرف. لقد أَهدر السّاسة الوقت والجهد والمال، في المهاترات الفارغة ، و المزايدات الصّبيانية، كان أولى أن تبذل في التفكير الجماعي المسؤول ، عن الحلول القمينة للقضاء على الفقر ، أو على الأقل للتخفيف منه ..ألم ترفع الحكومة في بداية عهدها شعار محاربة الفقر؟؟ ألم تلوح بفرض ضريبة الثروة على الأثرياء؟ ألم تلوّح بإلغاء الامتيازات التي يستفيذ منها رجال الدولة ، ومن يدور في فلكهم على غير وجه حق؟ ألم تروج الحكومة لشعار المحاسبة والعدالة والمساواة ؟؟ ألم يُصدّع السيد رئيس الحكومة رؤوسنا بشعار الحق والواجب الذي تبين أنه لا يسري إلا على صغار العمال والموظفين ؟ أم أن ذلك كان مجرد استدراج انتخابي،ينتهي مفعوله بمجرد تسلم المنصب والجلوس على الكرسي ، لتنقلب محاربة الفقر إلى حرب على الفقراء وعلى القدرة الشرائية للمواطن،والمحاسبة إلى عفو وتسامح، وتصالح مع الفساد والمفسدين،بعد أن ألقى السيد رئيس الحكومة عصاه ،وَ وَلّى فَزِعا وَجٍلا ،من رهبة التماسيح و العفاريت. إن الاهتمام بالفقراء والمحتاجين من أبناء الشعب، هو المدخل الأساسي لكل بناء ديمقراطي ، يرمي إلى تأسيس عدالة اجتماعية ، تصون كرامة الجميع، وتدفع عن الفقراء جَشع المفسدين ، و ظلم الظالمين من لصوص هذا الوطن، هؤلاء الذين لا يهمهم لا الوطن ولا أهله ، بل النهب واللإثراء الفاحش هو أسمى ما يبغون .. حينها يمكن الحديث عن الوطن و الوطنية ، وعن الحق و الواجب والأجر مقابل الأجرة و ما يستتبع ذلك من مؤثثات المجتمع الديمقراطي العادل الحقيقي، غير ذلك ، ستبقى كل الشعارات البراقة التي يُسوّق لها السّاسة ومن ومعهم ، مجرد هباء تتناثره الرياح، تسوقها أينما حلت وارتحلت ، وسنبقى نحن نُردّد نفس الكلام دون كَلَلٍ أو مَلَلٍ، إلى أن يوافينا رمضان مقبل بحول الله.