المتابع للأحداث المغربية وتطورها خلال الفترة الأخيرة يدرك أن أمرًا خطيرًا قد طرأ على ركح الساحة السياسية المغربية ، تفاعلت معه فئات كبيرة من المجتمع على اختلاف مراتبها وأوزانها ، تفاعلات متباينة حسب قراءة كل فئة ، وقدرتها على تحليل الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى ، وتكوين رؤى متقاربة عنها ، ينتج عنها ما يسمى بلغة السياسيين ب "التيار الرئيسي" الذي يتكون في غالبيته من ردات فعل الأغلبية المجتمعية التي تتشاطر الشعور بفقدان الأمل ، في مقابل رؤى مجتمعية أخرى راديكالية على يمين ويسار التيار الرئيسي ناتجة عن قراءات وتحليلات أصحاب المصالح الخاصة ، ووفقا لنظرة بعض رجال السياسة السياسية وأيديولوجياتهم العابثة الماجنة التي لا تقدر معنى الوطن ، ولا تعبأ كثيرًا بأحلام وطموحات ملايين الفقراء الذين تسحقهم قسوة الأحداث الآثمة التي تدعو إلى الحزن والحسرة ، كالحدث/الفضيحة التي باتت تعرف بفضيحة "الموندياليتو" والتي عرفها ملعب مولاي عبد الله ، الذي أغرقت أمطار الخير عشبه الذي صرف على استنباته 22 مليار سنتيم من أموال الشعب، دون أن يستطيع الصمود في وجه الأمطار، وتحول في أقل من ثلاث ساعات إلى بحيرة مائية كبرى؟ ، الفضيحة المدوية المفاجئة، -التي لازالت تثير الكثير من الجدل بين النشطاء والسياسيين المغاربة- والتي ضربت الحكومة عليها وعلى ما تعرضت إليه سمعة المغرب صفحاً من التعتيم ، فلم يتخذ أي من وزرائها بمن فيهم السيد رئيسها ، والكثير من زعماء الأحزاب والنقابات أي موقف ، وكأنما على رؤوسهم الطير كما يقال ، بل إنهم لم يدلوا ولو بتصريح لم يهتموا بوقع ذلك على المواطنين ، وعلى الناقدين والناقمين -قبل تدخل الملك – ولا إلى تسببت فيه لسمعة المغرب والمغاربة ، ولا للتظاهرات والاحتجاجات وما أثارته من ضجة إعلامية واسعة وردود فعل متباينة ، ما كشف بالواضح بنية الثقافة السياسية عند عدد ممن يعتبرون أنفسهم قادة أحزاب وزعماء سياسيين ،و جعل الحدث ينتقل من فضيحة إدارية - فضيحة ملعب الأمير عبد الله - ، الى فضيحة سياسية تتمثل في تناقض الكثير من رجال الساسة وقادة وزعماء الأحزاب في قراراتهم بخصوص الحدث/الفضيحة ، وانقلابهم عليها في ظرف زمني قياسي ، ودون الاكتراث بوقع ذلك على المواطنين الناقمين ، وكأن رد فعل الشعب لا حساب له عند الكثير منهم ، ما يثبت حاجة الكثير من سياسيينا للإبداع السياسي ، والسلاسة في اتخاذ القرارات والمواقف ، ويجعلنا أمام نفاق سياسي مفضوح وممجوج ؛ وذلك أن مشكلة بعض الساسة، أنهم لم يغادروا الماضي، ولا يستطيعون الامتداد للمستقبل ، والانصهار في التجربة الدستورية الجديدة ، ويسعون لسوء الأفعال بأنفسهم ، وبمعية العشيرة والعائلة والأصهار والصهرات ومجموعة من الزبانية ، الّذين لا يتركون مناسبة ، إلاّ وكانت لهم فيها فرصة للتقاذف وتبادل الاتهامات والتخوين بالأكاذيب والتضليل والمكائد ، لأجل تبرير قباحة أفعال أولياء نعمهم ، وسوء النوايا التي يحتفظ بعض المسؤولين السياسيين في أعماقهم بينابيع فريدة منها ، طوال حياتهم ، كما قال ألبير كامي، والتي جعلت الكثير منهم يرفض حتى مجرد إدانة ما حدث ، بل إن الكثير منهم بالغ في تبرّير الفعلة - فضيحة ملعب مولاي عبد الله- كنا فعلوا مع فعلوا مع فضائح أخرى حدثت قبل هذا التاريخ –فضيحة الشكلاطة مثلا – وذلك ضدا على حقوق المواطنين والاستهانة بذكاء هذا الشعب الذي يراهنون على أكتافه للصوعود مجدد إلى السلطة ، هدفهم الأسمى ، والذي لاشك سيطلبون وده خلال الانتخابات التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى ، وهنا تتجسّد قمّة الانحدار السياسي والأخلاقي .. فما أحوج مؤسساتنا لتلك المكنسة التي استعملت لشفط مياه الفساد الذي أغرق ملعب مولاي عبد الله ، ونحتاج إلى "سطلولة" أكبر من سطل الصباغة حتى نجفف البلاد من درن المفسدين، وتنظيفها من وبؤر القذارة والنتانة ، وإزالة كل العوالق المضرة بجسدها ، حتى نستطيع هزم السياسين المنتفعين الفاشلين ، الدين اخترقوا كل مؤسسات المجتمع وفرضوا سلطانهم على الجميع ، بمعية طبقة من الأهل والمقربين والفضواليين والمزورين ، و"اللي تابعين جيلالة بالنافخ "من أصحاب المصالح الذي نجحوا في تشكيلها ، ومكنوها من جمع المال والنفوذ والسلطان الذي جعلهم يمثلون قوة حقيقية لديها استعداد ليس للدفاع عن أسيادهم ، بل لأن يدمروا كل شيء للحافظ على وجودهم والإبقاء على سلطة مناصبهم التي تمكنهم من تحقيق مكاسبهم الخاصة وغير المشروعة عن طريق امتهانهم كل أشكال الفساد بجميع أنواعه العديدة من السرقة والرشوة والابتزاز والاختلاس والاحتيال والمحاباة والمحسوبية والمنسوبية وغسل الأموال ونهبه والاعتداء على حقوق الآخرين وغيرها من أشكال الفساد الخطيرة على أمن المجتمع وسلامته واستقراره ، والذي استمر عقودا عديدة وتحول إلى ثقافة عامة وتجذر في شخصياتهم وأصبح سمة من سماتهم ، التي أعمت عيونهم عما يمكن أن يشعر به أكثر من ثلاثين مليون مغربي ، من ظلم واستفزاز دفاعهم عن المفسدين ، وخاصة إذا ما قارنوا بينما يحدث حولهم في مثل هذه القضايا عند غيرهم من الدول الديمقراطية ، كما حدث يوم الاثنين في جزر الباليار الإسبانية التي أحيلت فيها الأميرة كريستينا شقيقة الملك الإسباني فيليبي السادس إلى القضاء بتهم فساد ، وأمر قاضي التحقيق خوسيه كاسترو ببدء محاكمتها مع 16 شخصا آخرين ، من بينهم زوجها إيناكي أوردانغارين الذي قد يواجه حكما بالسجن يصل إلى عشرين عاما. وأنه خلال شهر ديسمبر،استقال وزير الداخلية التركي، معمر غولر، ووزير الاقتصاد، ظفر تشاغليان، فقط بسبب الاتهامات الرسمية الموجهة لابنيهما على خلفية التحقيق في قضية فساد مالي ورشوة طالت الحكومة. وفي شهر أكتوبر من هذا العام، استقالت وزيرتان يابانياتان في نفس اليوم، حيث قدمت أوبوتشييوكو استقالتها من منصب وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة على خلفية اتهامها بسوء استخدام للأموال من قبل مجموعات الدعم السياسي المؤيدة لها، وقامت وزيرة العدل ماتسوشيماميدوري بتقديم استقالتها أيضاً على خلفية ادعاءات حول انتهاكها للقواعد الانتخابية بتوزيعها مراوح ورقية صغيرة عليها صورتها على الناخبين في دائرتها الانتخابية ، وأن رئيس الوزراء الياباني لم يكتف فقط بإعفاء الوزيرتين بناء على استقالتهما ، ويطوي الملف كأن لا شيء لم يحدث ، بل قدم اعتذارا للشعب الياباني عن تعيينه للوزيرتين. واستسمح الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو عن تحريف مقولته الشهيرة "لسنا ننشد عالما لا يُقتل فيه أحد، بل عالما لا يمكن فيه تبرير القتل" لتصبح " لسنا ننشد عالما لا فساد فيه ، بل عالما لا يمكن فيه تبرير الفساد" ..