تزويج القاصرات يقلق حقوقيين    الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي يؤكد على دور لجنة القدس برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس    البطولة... شباب المحمدية يغادر القسم الأول صوب الثاني بعد هزيمته أمام اتحاد تواركة    فوز تواركة وآسفي في البطولة    الكلايبي: لا نية لبيع مركب محمد الخامس وأولويتنا تأهيل البنية التحتية الرياضية    الملك محمد السادس يمنح بقعا أرضية مجانية لقدماء العسكريين    عاجل .. بلاغ إخباري يحذر من اضطرابات جوية قوية وتأثيرها على حركة السير    تعليق الدراسة بعدد من الجماعات في أزيلال كإجراء احترازي بسبب التساقطات الثلجية المرتقبة    المحامية الفرنسية تبرئ المتهم الرئيسي من الاغتصاب وتؤكد التعرض للتلاعب    في ظل ارتفاع أسعاره محليا.. زيت الزيتون المغربي يهيمن على الأسواق الأوروبية    تعليق الدراسة بعدة أقاليم في جهة طنجة تطوان الحسيمة بسبب اضطرابات الأحوال الجوية    الجزائر ترتعد.. قضية "الصحراء الشرقية المغربية" تعود إلى الواجهة    الثلوج تعلق الدراسة بإقليم أزيلال    مطار مراكش المنارة.. إلغاء أجهزة التفتيش لضمان انسيابية المرور    أخنوش يترأس اجتماع لجنة القيادة المكلفة ب"عرض المغرب" في مجال الهيدروجين الأخض    وهبي: احتضان المملكة لأول مكتب إقليمي لمؤتمر لاهاي للقانون الدولي اعتراف بدورها الحقوقي على المستوى الدولي    أوكرانيا.. دونالد ترامب لا يستبعد فرض "عقوبات" على روسيا للتوصل إلى اتفاق سلام    تفكيك شبكة مغربية لتهريب المخدرات في ماربيا وضبط 873 كلغ من الكوكايين (فيديو)    بنسعيد يشرف على تعيين أعضاء لجنة دعم تنظيم المهرجانات السينمائية    أفضل النصائح لخسارة الوزن    الملك محمد السادس يأمر بتمليك بقع أرضية مجانية لقدماء العسكريين وأسر شهداء الوطن    خط جديد يربط بين طنجة المتوسط وميناء هويلبا لنقل البضائع    وفد حماس بالقاهرة لأجل محادثات الهدنة ودول "التعاون الإسلامي" تبحث الخطة العربية    تحديات أمنية تواجه "شرع سوريا"    فيلم "ماجد" متاح على "يوتيوب"    فرنسا تقرض المغرب 781 مليون أورو لاقتناء 18 قطارا فائق السرعة    في مؤتمر صحفي حول السياسة الخارجية الصينية.. الصين تواصل تعزيز علاقاتها الدولية وتدافع عن سيادتها    بورصة البيضاء تستهل التداول بارتفاع    "الإيسيسكو" تصدر أول مجلة ثقافية    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    تقرير النيابة العامة: تحسن الأداء القضائي وسط تحديات الموارد البشرية    "البيجيدي" يطالب بتتبع تطبيق قانون حرية الأسعار وأثره على المواطنين    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    المهندسة سليمة الناجي ل "رسالة 24": فلسفتي الهندسية تهدف إلى تعزيز العمارة المستدامة و الالتزام بحماية غنى التراث المغربي    طنجة تسجل 1.77 مليون ليلة مبيت سياحية في 2024 وتحافظ على مكانتها كوجهة رابعة وطنياً    أول لقاء بينهما.. وزيرا خارجية المغرب وسوريا يجريان مباحثات بمكة    الولايات المتحدة تدرب 124 طيارا وعسكريا مغربيا على "الأباتشي"    تهافت التهافت من ابن رشد إلى عبث البيضة    الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي يثني على جهود المغرب في التنمية والاستقرار    حول المغرب الأركيولوجي ..    فعل التفلسف من خلال التمارين الفكرية كتحويل لنمط الوجود    محكمة التحكيم تفرض على "الكاف" قبول ترشح صامويل إيتو لعضوية لجنته    العثور على قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية في محطة قطارات في باريس    الفن السابع المغربي يتألق في افتتاح مهرجان الفيلم الفرنكفوني بدبلن    فرق الانقاذ تنتشل جثة الطفلة التي جرفتها السيول ببركان    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    مباحثات تجمع بوريطة بنظيره السوري    الدوري الأوروبي.. فوز إعجازي للاتسيو وتعادل صعب للمان وهزيمة في آخر الأنفاس لبلباو    نهضة الزمامرة ينفصل عن مدربه أمين بنهاشم بالتراضي رغم سلسلة نتائجه الجيدة    أمطار طوفانية تغرق مدن جهة الشرق.. ووفاة طفلة في بركان بسبب بالوعة للصرف الصحي    "مغاربة الليغا" يلتزمون بالصيام    نادي الوداد ينال 10 ملايين دولار    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    









قراءات في كتابي (الأفعال) لابن العربي و"المحاضرات" للمقري
نشر في تطوان نيوز يوم 02 - 11 - 2018

دأب مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية على ترسيخ تقليد علمي يتمثل في عقد لقاءات علمية لتقديم قراءات للأعمال التي يصدرها، وفي هذا الإطار نظم بالتعاون مع مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة أمسية علمية قدم فيها قراءتين لعملين أصدرهما مؤخراً، وهما كتاب "المحاضرات" لأبي عبد الله المقري (ت.759ه) تحقيق دة. إكرام بولعيش، وكتاب "الأفعال" (أفعال الله عز وجل) لأبي بكر بن العربي (ت.543) تحقيق دة. نبيلة الزكري، وذلك يوم الجمعة 16 أكتوبر على الساعة الخامسة والنصف مساء بالمكتبة الداودية، بمشاركة مجموعة من الأساتذة والباحثين المتخصصين في الحقل الكلامي الأشعري.
استُهل اللقاء بكلمة منسق الجلسة جمال علال البختي تناول فيها العملين وتحقيقهما بالتعريف والتقديم العام، مدرجا إياهما في سياق الأعمال الصادرة ضمن سلسلة ذخائر من التراث الأشعري المغربي التي تهدف إلى تعريف الباحثين بأهم المتون الأشعرية في تاريخ الفكر المغربي، تلتها كلمة ترحيبية لمحافظة المكتبة الأستاذة حسناء داود، مثمنةً هذا اللقاء ومحتفية بالكتابين والمحققتين.
في المداخلة الأولى بيّن د.يوسف بلمهدي أن قراءته لكتاب المحاضرات للمقري نتجت عن مقارنة بين مضمونه وملخصه الذي وضعه صاحب نفح الطيب، موضحا هوية صاحبه المغربية الممثَّلة في البنية الدينية المعروفة (عقيدة وفقها وسلوكا)، ما جعل عنصر التكاملية بين التصور والتصديق يحضر فيه، ومنبها بعد ذلك على نوعية متن هذا العمل، الذي وإن كان يعكس طبيعة البحث العقدي في سياقه التاريخي من خلافات فكرية وجدالات وهيمنة لكتاب الإرشاد..، إلا أنه يصعب على المبتدي بحكم أن مادته المتمثلة في الشذرات والاقتباسات معزولة عن سياقها المعرفي، وخلص المتدخل إلى قسوة المؤلف على المتكلمين انتصارا لإيمان العجائز والصبيان مع تضمن العمل لبعض العيوب كالإلزامات الكثيرة للخصوم، والأدلة الفاسدة، واعتماد مقدمات غير مسلمة ولا مشهورة، معرجا بعد ذلك على توضيح بعض القضايا الشائكة مثل الخلاف في تحديد مذهبية ابن تومرت، وترسيم علم الكلام ومشروعيته، وهي قضايا تقتضي إعادة النظر، كقضية ابن تومرت التي دعا فيها الباحثين إلى رد المذهب إلى صاحبه وتسميته بالتومرتية بدل التماس الأعذار والتأويلات.
وعلى هامش الكتاب نفسه لفت الباحث وسام رزوق إلى أن مجموع النصوص والاقتباسات التي أوردها المقري تعكس بصورة واضحة موقفه السلبي من علم الكلام الأشعري، مبينا أن هذا الموقف استند على جملة من الاعتبارات كضعف التنزيه، وكثرة الخلافات، وتقديم المعقول على المنقول، وتقرير الشبه التي رأى أن تقديمها هو أشد من الانفصال عنها، منتقدا بعد ذلك منهجية المقري التي رأى فيها تعسفات لا تبرير لها، كإيراده لنص يذم الأشاعرة دون تسويغ لذلك، ما جعل الباحث ينبه إلى أن المقري ينقل المعنى لا النص بحرفه، مستشكلا بعد ذلك أسباب التغييرات التي طرأت على النقل في هذا الكتاب الذي يمثل رد فعل، ونبه الباحث إلى أن هذا الموقف تبعه فيه تلميذه ابن جزي في منهجيته التي خلت عن التقريرات الحجاجية، وتستند هذه المواقف على أن الدرس العقدي لم يعد يرتبط بالوظيفة الدفاعية لأنها لم تعد مجدية في سياقهم التاريخي.
أما كتاب الأفعال لابن العربي فقد تناوله الأستاذ يوسف احنانة من زاوية ابستيمولوجية استشكل من خلالها مقدمات معرفية تربط حقل الكلام بحقل النحو، فكان عمل ابن العربي الذي تهيب المتدخل كتابه قبل الشروع في قراءته ثم وجده ماتعا بعد ذلك ثمرة معرفية نتجت عن الصراع النظري بين مدرستين نحويتين تتجادلان حول مسألة الأولوية في أصل الكلام، هل المصدر أم الفعل، وهو ما يحضر في الجدل المعرفي على المستوى الكلامي بالنسبة للأسماء والأفعال. وارتباط الاسم بما هو مجرد عن الزمان بدل الفعل الذي يدل على حدوث في الزمان كان له انعكاساته على المتكلمين من حيث الخوض في موضوع الأفعال التي كانت مصدر الإشكال، وابن العربي بحدسه الثاقب ومنهجه الرصين كما عبر عن ذلك المتدخل تولى بمنهجه الإحصائي كل الأفعال وبرّرها تبريرا عقليا عبر منهج تأويلي ينفي عن الذات الإلهية كل أشكال التعدد، عارضا بعد ذلك جملة من الأمثلة في هذه الأفعال (النزول، الاستهزاء، الاستواء، الاستحياء،..) وموضحا منهجية ابن العربي التي كانت تهدف إلى تبيئة هذه الأفعال تبيئة أشعرية.
وتناول ذ.منتصر الخطيب في مداخلته الكتاب من زاويتين اثنتين، بالإضافة إلى إبداء مجموعة من الملاحظات، أولا وضع كتاب الأفعال في سياق مؤلفات ابن العربي العقدية، التي أبان فيها عن الصلة الشديدة بينها، إذ كل مصنف يأخذ إلى الآخر ويفضي إليه، مبينا أهمية "كتاب الأفعال" المتمثلة في اشتغال ابن العربي على مبحث صفات الله وأسمائه وأفعاله، وهي أهم المباحث الكلامية التي أنتجت جدالا كلاميا عميقا واختلافا في الموقف منها بين الفرق الكلامية ما بين مفوض ومشبه ومعطل ومؤول، ومن زاوية ثانية لاحظ المتدخل أن أول ما يبادرنا به ابن العربي في هذا الكتاب أنه اتبع ورود أفعال الله تعالى في القرآن الكريم مبتدئا بإيراد الآية الناصة على فعل من أفعاله تعالى حسب ترتيب الآي في القرآن، ثم ثنى بشرح شيء من ألفاظها، وبيان دلالتها ومقصدها، ثم يختار الموقف المؤيد للتأويل والداعي إليه، وكل آية متشابهة تفيد تشبيه الذات الإلهية وتجسيمها؛ أي يفيد ظاهرها مشابهة الذات الإلهية للحوادث، لابد من تأويلها تأويلا عقليا استنادا على الدليل اللغوي.
أما المداخلة الأخيرة فقد نظر فيها ذ.محمد أمين السقال إلى الكتاب من جهتين، من جهة نظرية المعرفة عند الأشاعرة، ومن جهة ثانية بالآفاق الجديدة التي يفتحها هذا العمل إذا ما ربطناه بقراءة الأعمال الفلسفية واللاهوتية الأجنبية في موضوعات تنتهي فيما يسميه علماء الكلام بأفعال الله، مؤكدا أن من تأمل صرح البناء العقدي والكلامي لمذهب الاشاعرة وجد النظر في أفعال الله تعالى على سبيل التفسير أو التعليل مبنيا على الفروغ من معرفة صفات المعاني وإدراك لمعاني أسماء الله الحسنى، لافتا إلى أن ابن العربي جعل كتاب الأفعال من قبيل التتمة لكتاب الأمد الأقصى، ثم نبه الباحث أنه إذا ما أمعنا النظر في الإنتاج الفلسفي الغربي وجدنا طائفة كبيرة منه تندرج في محاولات لتفسير الواقع والأحداث بعيدا عن القول بفعل الإله أو تدخل الإله في العالم، بل وإذا تتبعنا تعليل من يسلك سبيل الإلحاد ألفينا أن تطريق الإلحاد مصدره النظر في الأفعال على ما يبدو فيها من تناقضات وظلم وجور وغياب للمعنى، مبرزا أمثلة على ذلك في موت الإله عند نيتشه، ونزع الطابع السحري عن العالم عند ماكس فيبر، وغيرها من المفاهيم والمقولات الفلسفية التي تفرغ العالم من الفعل الإلهي.
وبعد هذه القراءات تبعتها تعقيبات وملاحظات للمحققتين، في التعقيب الأول تطرقت الدكتورة إكرام بولعيش لمجموع الإشكالات التي ذكّرتها بها هذه القراءات أثناء عملها في التحقيق، وهي إشكالات عويصة تمثلت في افتقاد مفاتيح للتعامل مع هذا المتن المخطوط الذي وجدته بدون عنوان، ولا أبواب، ولا تقسيمات، ولا بيان غرضه ومقصده، وإنما جملة محتشدة من النصوص والاقتباسات والشذرات، مع غموض أراد منه صاحبه أن تكون للمتدبر، ما فرض عليها الإجابة ابتداء عن سؤال الإطار النوعي للعمل، فما تكشف عنه الملاحظة الأولية هو تأطيره ضمن النوع الأدبي المعروف ب"المحاضرات"، لكن مجموع خصائصه الأخرى أوقعت الناظرين في الكتاب في الاختلاف حول المجال المعرفي الذي ينتمي إليه، ما بين تصوف وإفادات من أجل الإمتاع ومناظرة وغيرها، لكن الباحثة حددت هويته النوعية في مجال الاعتقاد، مجيبة بعد ذلك عن مجموع الإشكالات الأخرى كالتشكيك في نسبة الكتاب للمقري، وهو تشكيك سببه توهم دعوة المقري إلى التقليد وحرمة الخوض في علم الكلام، موضحة أن المؤلف اختار الطريق الوسط بين الاستدلال العقلي والتقليد، داعية بعد ذلك إلى قراءة متدبرة لهذه النصوص كما أراد صاحبها لها، ومن شأن هذا التدبر أن يطلع القارئ على كذلك على طبيعة الفكر الأشعري في سياقه التاريخي.
وفي التعقيب الثاني ركزت الدكتورة نبيلة الزكري في مداخلتها على نقطتين، نقطة تتعلق بموضوع الكتاب الذي بينت أنه كان في الأصل بحثها لدرجة نيل الماستر، وسوغت اختيارها لابن العربي لسمته المركزية في الفكر الأشعري بالغرب الإسلامي، والمنزلة الكبرى التي يشغلها في تاريخ هذا الفكر، وقد بينت أن اختيارها كان في البداية على كتب أخرى لابن العربي، ثم استقرت على كتاب الأفعال، وهو عمل يكشف عن أشعرية الرجل من خلال مجموع الآراء والقضايا التي وقف عندها، كما أن من بين خصائصه البارزة أنه يصحح بعد الأحكام الرائجة كقضية الحضور الأشعري في العصر المرابطي، واعتبرت الباحثة أن التحقيق له الأولوية في خدمة الفكر والمعرفة، لأن الدراسات والبحوث غالبها مبني على النصوص والمتون، فإذا لم تكن هذه النصوص محققة فيصعب حينها الخلوص إلى أحكام علمية، لذلك كان العمل على التحقيق له أولويته وخطورته، أما النقطة الثانية فتتعلق بالملاحظات التي أبداها القراء، مشيرة إلى أن العمل قبل أن يطبع قد مر من محطات مختلفة قبل أن يخرج للناس، بداية من الإشراف إلى المناقشة إلى التعديل، كما لا يجب أن نغفل الصعوبات التي تعترض الباحث، وأهمها جمع نسخ الكتاب، كما أن العمل خلا من بعض المباحث التي اضطرت لنشرها مستقلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.