الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله صحبه أجمعين . قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ̔ وَاتَّقُوا اللَّهَ ̔ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ̔ ﴾ [الحشر:18]. هذا سؤال يجب أن يطرحه كل واحد منا على نفسه، ثم يسأل: لماذا لا يحاسبها؟ ولماذا يطلق لها العنان دون مراجعة أو مراقبة أو مساءلة؟ ولماذا يصبح عبدا لها، يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها، فتورده المهالك. قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }. قال ابن قدامة في كتابه منهاج القاصدين: ( واعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء، ميالة إلى الشر، وقد أمرت بتقويمها وتزكيتها وفطامها من مواردها وأن تقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك وإن لزمتها بالتوبيخ رجونا أن تصير مطمئنة، فلا تغفلن من تذكيرها ). كل واحد منا يعرف مدى أهمية محاسبة النفس، إنه جهاد دائم، وصراع مستمر مع نزواتها الكثيرة، ورغباتها المتعددة، وشهواتها المتنوعة، فإن تعهدتها بالمحاسبة ارتدعت واستقامت وإن أهملت محاسبتها جمحت وانحرفت. كتب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أحد عماله:( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة و والخسارة ) وقال سيدنا علي كرم الله وجهه:( من تعاهد نفسه بالمحاسبة أمن فيها المداهنة.) وقال الفضيل بن عياض: (من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عن السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته. وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها وعمل لما بعد الموت واشتغل بعيوبه وإصلاحها) وقال الشاعر: إذا ما أطعت النفس في كل لذة ٭٭٭ نسبت إلى غير الحجا والتكرم إذا ما أجبت النفس في كل دعوة ٭٭٭دعتك إلى الأمر القبيح المحرم وأول ما يجب أن نحاسب عليه أنفسنا:[على الفرائض فإن تذكر فيها نقصا تداركه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية] (إغاثة اللهفان/ ابن القيم). قال صلى الله عليه وسلم:{ المجاهد من جاهد نفسه في الله}. [ذكره السيوطي في الجامع الصغير] كما يجب أن نحاسب أنفسنا على أقوالنا وأفعالنا وتصرفاتنا، فإن كانت خيرا حمدنا الله وشكرناه، وإن كانت شرا استغفرنا الله وتبنا إليه، وعاتبنا أنفسنا ووبخناها. قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ̔̔ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَد لَواَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَدًا بَعِيدًا ̔ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ̔ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ̔ ﴾آل عمران 30 ولمحاسبة النفس فوائد كثيرة تعود على الانسان بالخير العميم نذكر منها: [الاطلاع على عيوب نفسه ، معرفة حق الله تعالى عليه، دوام الخشية من الله، تولد خلق الحياء من الله، الاستعداد للرحيل، الازدياد من العمل الصالح، تحقيق السعادة في الدارين، البعد عن مزالق الشيطان ...].(محاسبة النفس/ بدرية الراجحي.) إن العمر محدود، والأجل قريب، والزاد قليل. فلنحذر الغفلة والاغترار والتسويف ، فهن من أسباب عدم محاسبة النفس. ولندع الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على تزكية نفوسنا . كان صلى الله عليه وسلم يقول (...اللهمَّ ! آتِ نفسي تقواها. وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها. أنت وليُّها ومولاها....) صحيح مسلم. والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين