بعد أعوام من التحضيرات وإنفاق مليارات الدولارات على الملاعب والمنشآت، تنفس الروس الصعداء بعدما افتتح منتخبهم الوطني نهائيات مونديال 2018 بفوز كبير على السعودية 5-صفر، ما عزز آمالهم في بلوغ الدور ثمن النهائي للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة عقود. وجاء الفوز، وهو الأكبر في المباراة الأولى لبلد مضيف منذ عام 1934 (ايطاليا على الولاياتالمتحدة 7-1)، أمام قرابة 80 الف متفرج احتشدوا في مدرجات ملعب "لوجينكي" بموسكو، تقدمهم الرئيس فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جاني انفانتينو. وترتدي النقاط الثلاث أهمية بالغة لأصحاب الأرض الذين دخلوا النهائيات وهم في المركز 70 في التصنيف العالمي خلف السعودية بثلاثة مراكز، وتمكنوا من كسب الصدارة المؤقتة للمجموعة الأولى، في انتظار المباراة الثانية غدا الجمعة بين الأوروغواي ومصر. ولم تتخط روسيا الدور الأول منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991. ويدين المضيف بشكل كبير بفوزه الى البديل دينيس تشيريشيف الذي سجل ثنائية بعد دخوله في الدقيقة 24 اثر إصابة ألن دزاغوييف. وقال لاعب وسط فياريال الإسباني الذي استدعي للمنتخب في مارس بعد غياب لعامين، "لا كلمات للتعبير عما يخالجني الآن. لم أكن لأحلم بشيء من هذا القبيل (...) شعرت بسعادة كبيرة عندما علمت بأني سأكون هنا (في المونديال) مع المنتخب، لكني لم أحلم قط بشيء من هذا القبيل". أضاف "أنا سعيد بفوزنا لكن لا يجب التوقف هنا". ولم تكن المؤشرات مشجعة قبل المباراة التي كرست تقليد عدم خسارة المضيف المباراة الافتتاحية في تاريخ النهائيات، إذ لم يفز منتخب المدرب ستانيسلاف سوى مرة واحدة في مبارياته العشر الأخيرة. وكان التعادل ضد تركيا (1-1) الأسبوع الماضي في موسكو تاريخيا بالمعنى السلبي للكلمة، إذ أصبح تشيرتشيسوف أول مدرب روسي أو سوفياتي يفشل في تحقيق أي فوز في سبع مباريات متتالية. لكن فوز اليوم الخميس أنسى الروس كل هذه النتائج وحتى أن الرئيس بوتين اتصل بالمدرب تشيرتشيسوف لتهنئته بحسب ما كشف الأخير، قائلا "رئيس الدولة اتصل بي لتهنئتي، طالبا مني أن أواصل اللعب بنفس الطريقة التي لعبنا بها، مواصلة السير قدما". وفي معسكر السعودية العائدة للنهائيات للمرة الأولى منذ 2006، تعقدت الأمور على المدرب الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي الطامح لبلوغ ثمن النهائي لتكرار أفضل نتيجة حققها "الأخضر" في تاريخ مشاركاته (1994). واعتبر بيتزي ان المنتخب الروسي لم يضطر للعب بكل قوته للفوز 5-صفر، وهي نتيجة دفعت اللاعب تيسير الجاسم للاعتذار من الجماهير والتشديد على أهمية المباراتين أمام الأوروغواي ومصر، معتبرا انه "لا يوجد مستحيل في كرة القدم، الأمور ما زالت في أيدينا." أما بيتزي، فقال "لا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب أنها المباراة الأولى أو لأننا لعبنا ضد البلد المضيف ولكننا لم نفعل ما كنا نرغب في لقيام به. المنتخب الروسي لم يضطر الى إخراج كل ما لديه من أجل تحقيق الفوز. علينا أن نستعيد توازننا وننسى الأمر الآن". وبعدما عاد عن اعتزاله الدولي لمساعدة روسيا وسط أزمة الإصابات في المنتخب، أصبح مدافع سسكا موسكو المخضرم سيرغي ايغناشيفيتش أكبر لاعب في تاريخ روسيا أو الاتحاد السوفياتي يشارك في النهائيات عن 38 عاما و335 يوما، بمشاركته أساسيا في المباراة الافتتاحية. كما أصبح ايغناشيفيتش أكبر لاعب ميدان (غير حراس المرمى) يشارك في النهائيات العالمية منذ الكاميروني روجيه ميلا عام 1994 (42 عاما). وعزز ايغناشيفيتش ايضا رقمه القياسي لعدد المباريات مع المنتخب ب121 مباراة، وهو وصل الى مباراته المئة في المباراة الأخيرة لبلاده في مونديال البرازيل 2014 ضد الجزائز في الجولة الأخيرة من دور المجموعات. وعلى الضفة السعودية، برز قرار بيتزي الدفع بالمهاجم محمد السهلاوي الذي سجل 16 هدفا في التصفيات، من البداية على رغم صيامه عن التهديف منذ يونيو 2017 (تسع مباريات متتالية)، والابقاء على فهد المولد مسجل هدف التأهل الى النهائيات، على مقاعد البدلاء. وضغط الروس منذ صافرة البداية ونجحوا في افتتاح التسجيل في الدقيقة 12 برأسية من إيوري غازينسكي (28 عاما) إثر كرة ركنية عجز الدفاع عن إبعادها فوصلت الى رومان زوبنين الذي عكسها عرضية مثمرة. وهو الهدف الأول في سابع مباراة دولية للاعب وسط كراسنودار. ولم ينعم الروس طويلا بفرحة الهدف، إذ تعرضوا لضربة قاسية بإصابة دزاغوييف في فخذه من دون احتكاك بلاعب منافس، ما اضطر لاعب وسط سسكا موسكو الى ترك مكانه لصالح تشيريشيف (24). الا ان الحظ وقف الى جانب الروس لأن تشيريشيف مهد الطريق امام بلاده لتحقيق الفوز بإضافة الهدف الثاني قبل نهاية الشوط الأول اثر هجمة مرتدة سريعة، ومجهود فردي رائع من لاعب فياريال الذي تلاعب بثلاثة مدافعين سعوديين قبل أن يطلق الكرة في سقف الشباك (43). وبهدفه الأول في مباراته ال12 مع المنتخب، أصبح تشريشيف أول بديل يسجل هدفا في تاريخ المباريات الافتتاحية للمونديال. ولم يتغير الوضع في الشوط الثاني حيث واصل الروس أفضليتهم، ما دفع بيتزي الى الزج بالمولد بدلا من عبد الله عطيف (64)، دون أي تعديل على أداء "الأخضر" الذي تلقى الضربة القاضية عندما نجح ارتيم دزيوبا بعد ثوان على دخوله كبديل، من إضافة هدف ثالث بكرة رأسية بعد عرضية من الكسندر غولوفين (71). وأصبح لاعب أرسنال تولا صاحب أسرع هدف لبديل (بعد 89 ثانية) منذ مونديال 2002 حين سجل مارسين زيفلاكوف لبولندا في مرمى الولاياتالمتحدة بعد 64 ثانية على دخوله. لكن المهرجان الروسي لم ينته إذ أضاف غولوفين الهدف الخامس من ركلة حرة في الوقت الضائع (5+90)، مانحا بلاده أكبر فوز منذ تغلبها على الكاميرون 6-1 عام 1994.