ما الذي يبرر التناقضات بين مواقف قادة حزب العدالة والتنمية من حراك الريف؟ قد تكون هناك اختلافات بين القياديين في الحزب لكن يتم تأطير ذلك بقرارات حزبية هي غائبة إلى حدود اليوم. فما السر في عدم اتخاذ موقف واحد يتم إلزام جميع الأعضاء به؟ كان بالإمكان أن يسكت الجميع بكلمة من عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، لكنه اختار التواري عن الأنظار مكتفيا باستقبال يتيم لوالد ناصر الزفزافي، متزعم حراك الريف. ففي الوقت الذي يرى محمد يتيم، عضو الأمانة العامة للحزب ووزير الشغل والإدماج الاجتماعي، أن أزمة الريف تقتضي نقدا لكافة الأطراف يرى عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني، أن الحراك صائب مائة بالمائة وأن الدولة هي التي اعتدت على أهل الريف، والشيء نفسه تذهب إليه أمينة ماء العينين ونبيل الأندلسي برلماني الحزب عن إقليمالحسيمة. وقال يتيم في مقال نشره موقع الحزب، اليوم الثلاثا، إن "المطلوب اليوم فيما يقع بالريف، هو أن تكون كل الأطراف إيجابية وأن ينظر الجميع للمستقبل، ثم أن يتم وضع خارطة طريق عمل مستقبلية، من خلال استخلاص ما ينبغي من الدروس في التعامل مع مطالب السكان في الحسيمة وغيرها من المناطق" . وفي موقف مزدوج أشار يتيم إلى ضرورة الابتعاد عن فخ الاستدراج لشيطنة الاحتجاج الاجتماعي وتحميله جريرة مواقف معزولة أو مندسة وتحصين الحركات الاجتماعية من المتسللين الذين يسعون لتوظيفه من أجل أغراض أخرى، والكف عن بعض الخطابات الاستفزازية للسلطات العمومية وللحكومة وتصويرها مثلا على أنها عصابة. واعتبر يتيم أن الاعتقالات ينبغي أن تتم في إطار القانون والمساطير وكذلك المحاكمة، موضحا أن لا أحد في الدولة أو في الحكومة له مصلحة في استمرار التوتر، ولا في توسيع دائرة الاعتقالات. وعلى عكس ذلك تماما يرى حامي الدين أن الدولة وحدها مسؤولة عما يجري في الحسيمة وأرجع ذلك، في مقال نشره بصحيفة محسوبة على الحزب، إلى إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني مكانه، وكأن الوضع الاجتماعي مرتبط بالأشخاص، ناسيا أن بنكيران، الذي افتعل البلوكاج هو الذي تسبب في جزء كبير مما يجري الآن في الريف. كما أصدر بيانا باسم منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، الذي ورثه عن مصطفى الرميد، يحمل المسؤولية كاملة للدولة ويعتبر الاعتقالات غير قانونية ويطالب بإطلاق سراح كافة الموقوفين دون تحديد من اعتدى على رجال الأمن، الذين مازال بعضهم يرقد في المستشفى لتلقي العلاج. نموذج يتيم وحامي الدين هو فقط نموذج مصغر لما يجري وسط العدالة والتنمية. ولا نعتقد أن بنكيران ليس بمقدوره إلزام الجميع بموقف واحد، وهو يتوفر على كامل الإمكانيات، ولكنه تعمد هذا الغموض لأنه لا يلوي على شيء مما يجري في الريف وتبين له أن ما كان يعتقده شعبية هو مجرد وهم، وبالتالي لا يريد أن يورط نفسه في موقف وهو لا يعرف اتجاه الأحداث ومستقبلها، وهذا ديدن بنكيران دائما لما يكون الأمر لديه غير واضح يدفع أبناء الحزب لاتخاذ موقفين متناقضين حتى لا يخسر القضية مهما كانت النتيجة مثلما فعل مع حركة 20 فبراير.