أكد الجامعيان الهنديان، سوريش كومار وفيصل أحمد، أن الهند والمغرب تجمعهما علاقات متينة تنهل من تاريخهما العريق، وفرص واعدة تنتظر الارتقاء بها إلى مستويات أفضل. وأوضح الجامعيان الهنديان، في مؤلف أصدراه مؤخرا تحت عنوان "السياسة الخارجية للهند في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا" عن منشورات (نيو سانتشري بوبليكيشن – نيودلهي 2016)، أن مستوى العلاقات بين الهند والمغرب يفرض على البلدين تجاوز المبادلات التقليدية بينهما، من أجل الانتقال نحو مستوى شراكة استراتيجية معمقة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجيو-سياسية والتطورات الاقتصادية في إطار نظام العولمة.
ويتطرق الكتاب، الذي يقع في 223 صفحة، في فصل بعنوان "فرص التجارة والاستثمار بين الهند والمغرب"، إلى أوجه العلاقة التي تربط بين الهند والمغرب في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، كما قدم لمحة تاريخية عن عراقة وغنى الروابط بين البلدين الصديقين.
وفي هذا الإطار، توقف الكتاب عند المسار التاريخي للعلاقات العريقة التي تجمع بين البلديين، مبرزا أهمية الزيارة التي قام بها لبلاد الهند الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، والتي أمضى خلالها ما يقرب من عشر سنوات كقاض شرعي خلال فترة حكم السلطان المسلم "محمد تغلق".
وأضاف أن الروابط السياسية في شكلها المعاصر بين الهند والمغرب ترجع إلى سنة 1957، تاريخ إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، تلاها لقاء بين المغفور له الحسن الثاني وجواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، بحثا خلاله القضايا المشتركة المرتبطة بالاستعمار، كما تعززت هذه الروابط بلقاء آخر جمع ملك المغرب برئيسة وزراء الهند إنديرا غاندي.
وأشار المصدر إلى أن العلاقات بين البلدين شهدت طفرة نوعية منذ الزيارة التي قام بها للمغرب الوزير الأول الهندي، أتال بيهاري فاجبايي في 13 و14 فبراير 1999، والتي التقى خلالها بالمغفور له الحسن الثاني والوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، مبرزا أنه تم، خلال هذه الزيارة، إبرام اتفاقية تهم الاستثمارات المشتركة وأخرى للتعاون السياحي، ومذكرة تفاهم بين وكالة الأنباء الهندية (بريس تراست أوف إنديا) ووكالة المغرب العربي للأنباء.
وفي المجال الاقتصادي والتجاري، أشار الكتاب إلى أن الهند تعد، منذ فترة طويلة، واحدة من الأسواق الرئيسية للفوسفاط المغربي ومشتقاته، بالإضافة إلى عناصر رئيسية أخرى تتمثل في خامات المعادن والمتلاشيات والمنتجات شبه المصنعة والمواد الكيماوية غير العضوية، في حين تشمل المواد الرئيسية التي تصدر من الهند إلى المغرب، على الخصوص القطن والألياف الصناعية ومعدات النقل والمستحضرات الصيدلانية والآليات الفلاحية والمواد الكيماوية والمعادن والتوابل.
وأكد، في هذا السياق، أن الميزان التجاري هو لصالح المغرب بسبب حجم صادراته إلى الهند من الحمض الفوسفوري والفوسفاط الصخري، لافتا الانتباه إلى أن المغرب يمتلك ثلاثة أرباع احتياطيات الفوسفاط، كما أنه يعد المصدر الرئيسي لهذه المادة الحيوية في العالم.
وأضاف أن حجم التجارة الثنائية بلغ ما مجموعه 1.15 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2010 و2011، وارتفع إلى 1.7 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2012 و2013 (صادرات الهند إلى المغرب بلغت 426 مليون و380 ألف دولار، فيما تجاوزت وارداتها من المملكة مليارا و300 مليون و350 ألف دولار).
وأبرز الكتاب، نقلا عن بيانات صادرة عن وزارة التجارة الهندية، أن المملكة تمثل طرفا مهما بالنسبة للواردات الهندية من القارة الإفريقية، حيث تكشف الأرقام الرسمية تضاعف حجم الواردات الهندية من المغرب، بالرغم من التأثر الطفيف بالأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008، غير أن هذه الوتيرة سرعان ما عاودت الارتفاع في السنة المالية 2011 -2012، مع نمو بلغ نسبة 100 في المائة تقريبا.
وأشار إلى أن الاتفاق الموقع سابقا بين اتحاد غرف التجارة والصناعة بالهند وغرفة التجارة والصناعة والخدمات بالدار البيضاء يشمل قطاع النسيج الهندي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وآلات التعبئة والتغليف، والآلات الفلاحية والجرارات، والتوابل، وإطارات السيارات والمنتجات الاستهلاكية خارج تجارة الفوسفاط.
وفي المجال السياحي، أبرز الكتاب أن الهند والمغرب يزخران بتراث ثقافي وحضاري عظيم ومناظر طبيعية خلابة وتنوع بيولوجي فريد، فضلا عن تشكيلة غنية من أصناف الطبخ والفنون والمنسوجات والأمكنة الساحرة التي يقبل عليها رواد المغامرات، مشيرا إلى أن المؤهلات التي تتوفر عليها المملكة من شأنها أن تساعد على استقطاب أعداد كبيرة من السياح، المنتمين في غالبيتهم إلى الطبقة الوسطى الهندية.
واعتبر أنه ينبغي على صناع القرار في الهند والمغرب أن يدركوا أهمية السياحة والصلة المباشرة بينها وبين الحفاظ على البيئة والموروث الثقافي والفني، مؤكدا أن هناك مجالا واسعا بالنسبة للبلدين يمكن معه استغلال كل تلك المؤهلات لتطوير ودعم المجال السياحي، لاسيما من خلال انخراط القطاع الخاص الهندي في استثمارات سياحية داخل المملكة.
وأشار الكتاب إلى أن المغرب يتوفر على أوجه كثيرة للتعاون مع الهند، باعتبار أنه يتميز بموقع جغرافي استراتيجي ويتوفر على مناخ سياسي مستقر، وهو ما يمكن أن يشجع على استغلال أمثل للمؤهلات الصناعية والخدماتية التي تضطلع بها الهند، التي ينبغي أن تنظر إلى المملكة بوصفها قاعدة رئيسية تمهد الطريق نحو تقارب أكبر مع البلدان الإفريقية.
وفي هذا الإطار، أبرز الكتاب دينامية المبادرات المغربية في عدد من المناطق بالقارة السمراء، والتي تبرز بشكل جلي في تعدد الزيارات الملكية إلى إفريقيا، ما جعل المغرب مثالا فريدا للتعاون جنوب-جنوب.
وأوضح أن الزيارات التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يقوم بها إلى عدد من البلدان الإفريقية أضحت تشكل نموذجا جديدا للشراكة والوحدة والتنمية بين مختلف دول القارة السمراء، مشيرا إلى أن جلالته دعا القادة الأفارقة إلى أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم، على اعتبار أن إفريقيا ليست في حاجة للمساعدات الإنسانية، بقدر ما تحتاج للشراكات ذات النفع المتبادل، وتعزيز التضامن بين الشعوب الإفريقية واحترام السيادة الترابية للدول.
وأضاف المصدر أن المغرب تمكن، في السنوات الأخيرة، من الاضطلاع بدور أساسي وداعم للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي في إفريقيا، من خلال التوسع المتواصل لمؤسساته المالية في أنحاء من القارة، وانخراط مقاولاته في عدد من القطاعات التي من المتوقع أن تشهد نموا قويا في السنوات المقبلة، مثل الفلاحة والاتصالات والمستحضرات الصيدلانية والتصنيع والتنمية القروية والتعاون الصناعي والتجارة والتعدين والنفط والغاز والصحة.